خفايا ومرايا: هل هي نهاية الحلم المغاربي ؟

لم تدم مسحة التفاؤل التي أحدثها انطلاق أشغال قمة «تيكاد» بتونس طويلا، إذ سرعان ما تلاشت مخلفة حالة من الشك والحيرة

في بعض الأوساط بسبب الأزمة التي انفجرت بين تونس والمغرب.
في الحقيقة ليست هي الأزمة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين، فقد حدث سنة 1960 أن سحبت المغرب سفيرها وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع تونس إثر اعتراف هاته الأخيرة باستقلال موريتانيا، وخلال الثمانينات شهدت العلاقات بينهما أيضا شيئا من التوتر بعد عقد تونس اتفاقية الإخاء والتعاون مع الجزائر وموريتانيا، مما حدا بالملك الحسن الثاني في ذلك الوقت إلى عقد اتفاق مع العقيد معمر القذافي كرد فعل على تلك الاتفاقية، ما عدا ذلك تميزت العلاقات التونسية المغربية خلال أكثر من ستين عاما بالاستقرار والتعاون المثمر وقد شجع ذلك المناخ الإيجابي المستثمرين التوانسة والمغارية على بعث المشاريع في كلا البلدين ودفع أعدادا غفيرة من الطلبة التونسسين إلى مواصلة دراستهم بالجامعات المغربية.

ويعود نجاح تونس في الحفاظ على علاقات جيّدة مع الجزائر والمغرب في نفس الوقت إلى الأسس الديبلوماسية التي وضعتها الدولة التونسية بعد الاستقلال والتي شكلت إحدى أهم نقاط قوتها، تلك الدبلوماسية التي كان يطلق عليها الزعيم بورقيبة بالحياد الإيجابي، وقد كان الهدف منها النأي بتونس عن الاصطفاف في الصراعات الدولية والإقليمية التي تفوق حجمها وقدراتها وتضعها في تبعية لهذا الطرف أو ذاك، لكن دون التخلي عن التزامها بالوقوف إلى جانب القضايا العربية والإفريقية وبالخصوص القضية الفلسطينية وبذلك تجنبت تونس الوقوع في مطبات الرمال المتحركة لقضية الصحراء وبقي الموقف التونسي يشكل بصيصا من الأمل في الإبقاء على صورة «اتحاد المغرب العربي» ولو في حدوده التنسيقية الدنيا.ذلك الاتحاد قد تم بعثه في فيفري 89 من طرف دول المغرب العربي الخمسة، تونس، الجزائر، المغرب وموريتانيا تجسيما لحلم راود حركات التحرر الوطني ولطموحات الشعوب في بناء كيان مغاربي موحد وقوى قادر على الوقوف بندية في وجه الإتحاد الأوروبي والتجمعات الإقليمية الأخرى، وفي تلك المرة وعكس المرات السابقة أحدث الإعلان عن انبعاثه موجة من التفاؤل لدى شعوب المنطقة والمتابعين لأن ذلك الإعلان كان صادر عن لقاء ضم اقادة الدول الخمس الرئيس زين العابدين بن على والرئيس الشاذلي بن جديد والملك الحسن الثاني والعقيد معمر القذافي والرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع و تضمّن مبادئ وأهداف واضحة تنص على توحيد سياسات تلك الدول، الاقتصادية والصناعية والزراعية والتجارية والثقافية والعمل على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال ووضع آليات للمتابعة والتنفيذ في أعلى المستويات، فقد تم ّ التنصيص على إحداث مجلس رئاسة الاتحاد المكون من رؤساء الدول ومجلس رؤساء خارجية ولجنة وزارية للمتابعة ولجان متخصّصة في جميع المجالات وأمانة عامّة ومجلس شوري وهيئة قضائية وقد بلغ الحماس حدّ اقتراح علم للاتحاد ونشيد رسمي من نظم الجزائري محمد الأخضر السائحي وتلحين سمير العقربي من تونس ويقول:

إشترك في النسخة الرقمية للمغرب

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

حلم جدي حلم أمّي وأبي ...حلم من ماتوا وحلم الحقب
فانشروا رايته خفاقة .... وارفعوها فوق هام السحب ....واهتفوا يحيا اتحاد المغرب العربي.

لكن ذلك الإعلان لم يصمد طويلا ومصيره كان مثل سابقيه في مناطق أخرى من العالم العربي، حبرا على ورق ومؤسسات خاوية، وعاد التوتر على أشده بين الجزائر والمغرب بعد إغلاق الحدود بالكامل بينهما سنة 1994 لتفتح جولة أخرى من التحرشات والمواجهات السياسية بينهما
وبدأ الأمل في نزع فتيل الأزمة بين البلدين يتراجع وبوادر فشل قيام الإتحاد المغاربي تلوح أكثر فأكثر خاصة بعد التطورات الدراماتكية التي حصلت بالقطر الليبي، ورغم الإنتكاسة التي عرفتها السياسة الخارجية التونسية باحتضان ما يسمى بمؤتمر « أصدقاء سوريا « زمن حكم الترويكا والذي جر تونس إلى سياسة المحاور فإن تونس عرفت كيف توازن موقفها في النزاع الصحراوي وحافظت على نفس المسافة بينها وبين القطرين المتنازعين الجزائر والمغرب .

إذن ما الذي حصل من تغير حتى تظهر تونس وكأنها تخلت مرة أخرى عن دبلوماسية الحياد الإيجابي ؟ وهل أن الذي حدث هو مجرد حادث عابر في ملتقى دولي حفت به ظروفا معينة ؟ وهل هذا الحادث يستحق كل هذا التصعيد من طرف المغرب؟ العديد من الأسئلة الغامضة تحوم حول هذا الأمر في ظل ارتفاع حدة التوتر الذي تشهده المنطقة، لكن الكثير من الملاحظين يرون أنّ استقبال الرئيس قيس سعيد لأمين عام جبهة البوليساريو قد يحمل بعض الرسائل لكنّه لا يؤشر لتحول جذري في الموقف التونسي من قضيّة الصحراء بما لم يذكر ضيفه بصفته رئيس ل» الجمهورية الصحراوية وأن الموقف لا يستحقّ كلّ ذلك التصعيد من الجانب المغربي، لأنّه مهما كانت الظروف في صالح الدولتين المغرب والجزائر في أن تبقى تونس في الوسط لتكون الخيط الرابط بينهما عند الحاجة ولا ينفرط العقد المغاربي بالكامل، وما على الطرفين اللجوء سريعا للدبلوماسية الانفعالية بدعوة السفراء وإثارة رأ ي العام البلدين ضد

بعضهما مما فجر ذلك المخزون الشوفيني في وسائل إعلام البلدين وحملات الشتائم والتشهير التي أعادت للأذهان المعارك الإذاعية بين دول عربية كلما حدث خلاف بينها.

الأسلوب الذي وقع اعتماده من طرف دولتين كانت سياستهما تتسم بالهدوء الديبلوماسي والبراغماتية في عدم نجاحهما في معالجة خلاف بينهما بعيدا عن الضجيج الإعلامي، يكشف عن التراجع الرهيب لمفاهيم التضامن والتعاون العربي وعودة التقوقع في الانتماء الوطني الضيق وهذا انهيار كلّ التجمعات الإقليمية العربيّة تقريبا وهو ما حدث بين مجلس دول التعاون الخليجي يغرق مشروع الاتحاد المغاربي أكثر في رمال نزاعات أعضاءه، وبقدر ما تتأخر هذه الدول في فهم أن لا قدرة لها بمفردها في ضمان مصالحها وأمنها أمام التجمّعات الإقليمية والتكتلات الاقتصادية بقدر ما ستدفع كلفة فرقتها باهضا .

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115