جمهورية الصادقين

الفرز، التطهير، الصدق هي الكلمات المفاتيح التي توضح حقيقة «النظام القاعدي» الذي سيكون بديلا للمنظومة القائمة، فمنذ لإطاحة بالبرلمان والحكومة والإعلان

عن ال»التدابير الاستثنائية» بدأت بعض الأحاديث والتسريبات عن ذلك المشروع ، ولم تتبين خطوطه العريضة شروعه إلاّ بعد ثمانية أشهر من الشد والجذب والشك واليقين ، وقد جاءت الاستشارة الوطنية لتبدّد كلّ غموض حول النظام الجديد ومضامينه الأساسيّة ، لقد ظهر الرئيس بعد إعلانه عن نتائج الاستشارة أكثر تصميما على المضي قدما في مشروعه، معتبرا أنّ النّتائج تلك الاستشارة بالرغم من أنّ نسبة المشاركة كانت في حدود الخمسة في المائة من مجموع الناخبين. تعكس إرادة وتوجهات أغلبيّة الشعب وتعطيه تفويضا للمرور إلى التنفيذ
ورغم إقرار حتى البعض من مناصريه بفشل تلك الاستشارة ، فلم يبدي الرئيس أي استعداد للتوقف والقيام بخطوة إلى الوراء للأخذ بعين الاعتبار تحفّظات واحترازات أطرافا وشخصيات كانت إلى جانبه في البداية، لماذا وهو يرى بأنّ كلّ الظروف أصبحت مناسبة لتجسيد مشروعه على أرض الواقع دون الارتهان لأي طرف ، فمنذ وصوله إلى كرسي الرئاسة وهو يخوض معاركه من أجل فرض صلاحياته كما يفهمها هو ، ولم يتردد مواجهة الأغلبية البرلمانية ومن لفها واتهامها بالفساد والتآمر والعمالة إلى الخارج، ودعا إلى إخضاع كلّ من تحوم حوله شبهات اختلاس وارتشاء وتبييض أموال منهم للمحاسبة وإحالته على القضاء ، فحسب اعتقاده وبعد لا يمكن بأيّة بعد أن نجح الرئيس في تأليب الرأي العام ضدّهم وتأليب الرأي العام ضدّهم وإخراجهم في 25 جويلية من باب البرلمان، إعادتهم اليوم من نافذة الحوار، ولذلك لا يفوت فرصة للتأكيد بأنّ «لا حوار إلاّ مع الصادقين «.
فمن هم الذين يصنّفهم الرئيس من « قوم الصادقين» دون شك هم الذين ساندوه في كل الخطوات التي قطعها منذ إعلانه «التدابير الاستثنائية» دون تردّد أو تّحفظ ، وتبنوا المراسيم، خارطة الطريق، الاستشارة ، الاستفتاء الانتخابات حزمة واحدة لا تتجزأ ،
لكن حتى أولئك الذين ساندوه بقوة وساهموا معه في إيجاد التبريرات الأخلاقية والقانونية التي مكّنته تفكيك الدستور والتلاعب بفصوله لبلوغ ما يصبو إليه ، وتراجعوا وسط الطريق أو قايضوا من أجل ضمان موقع متقدم في المشروع ، سقطوا من غربال 25 جويلية والتحقوا بصف غير «الصادقين» بعد أن وصف الرئيس بأنّ مساندتهم له في البداية كانت طمعا في الحصول على مكاسب سياسية ومغانم لهم ولجماعاتهم.
وإذا كانت عملية فرز الصادقين من غير الصادقين باتت واضحة في ذهن الرئيس فإنّ عملية التطهير تعترضها صعوبات ولا توجد خطة واضحة المعالم لاعتمادها، خاصة وأن القضاء لم يبدي إلى حد الآن حماسا للدخول في معمعة الحسابات السياسية، بالرغم من الضغوطات والانتقادات الموجهة إليه، وحل المجلس الأعلى للقضاء وتنصيب بدله مجلس مطابق لتصوّر الرئيس ، وكأنّ الجسم القضائي بدأ يكتسب المناعة التي تجعل من الصعب التعويل عليه لحسم الصراعات السياسية، لذلك قد يجد الرئيس نفسه مضطرّا لمواصلة لاستخدام المراسيم لفرض أحكامه وقد بدأ التلميح باللجوء للعزل السياسي لما وصفهم بالمتآمرين والانقلابين إثر عقد أغلبية النواب جلسة عامة عن بعد في تحدّ لقرار تجميد نشاطهم، وربما سيتم ذلك من خلال القانون الانتخابي ومراجعة أهم فصول الدستور لإبعاد العناصر والقوى المناوئة وسدّ كلّ المنافذ أمام عودتها على الساحة.
نجاح الرئيس في قطع خطوات هامّة في تنفيذ «خارطة طريقه» لا يعني أنّ كلّ العقبات زالت من أمامه، فطريقه لا زالت محفوفة بالمخاطر وأهمّها الأوضاع الماليّة والاقتصادية التي تتدهور يوم بعد يوم وليس هنالك ما يدلّ على قرب انفراجها، فلحدّ الآن استفاد الرئيس من قسم هامّ من الشعب على المنظومة السابقة التي يحمّلها كلّ الأضرار التي لحقته في معيشته وفي ظروفه الحياتيّة، ونجاحه في ما تبقى له من مشوار للوصول إلى المحطة الختاميّة مرتبط بقدرته على في إقناع ذلك القسم بأنّ تواصل تدهور أوضاعه سببه ارتدادات الانحرافات التي سادت سياسات العشرية الفارطة وأنّ ليس له أي مسؤولية فيها، وليس هذا فحسب فهو يراهن أيضا على ضعف النخب وتشتتها وحالة الوهن التي باتت عليها الأحزاب وعلى الانقسامات والصراعات التي تنخرها ممّا يمنع تشكّل أي بديل ضدّه
وإذا سلّمنا جدلا بتخطي الرئيس لكلّ العقبات الداخلية والخارجيّة والوصول إلى مبتغاه بعد عملية الفرز والتطهير ، فكيف سيكون شكل ومضمون الجمهورية التي ينوي إقامتها، وإذا لم يخفي موقفه من الأحزاب التي يرى بأنّ دورها هي والأجسام الوسيطة انتفى وأنّ الديمقراطية التمثيلية عفا عليها الزمن ولم تعد صالحة لتنظيم حياة الشعوب، وأعطى بعض الملامح لنموذج يشبه أنظمة الحزب الواحد أو تلك تلغي كلمة حزب وتعوّضها بعبارة « لجان شعبية « أو مجالس أو غيرها المهم أنّها لا تعترف بالتعددية وبالحزبية، لكن كبير أهم أعضاء الحملة التفسيرية والأكثر ظهور في وسائل الإعلام لتوضيح الأسس التي يقوم عليها المشروع عمّق الغموض والضبابية حوله بقوله» أن مشروعهم لا يشبه نظام السوفياتات ولا نظام « اللجان الشعبية والجماهيرية ولا النظام المجالسيي، وإنّها نموذج جديد يقدّم لكلّ العالم كي يكون بديلا مطروحا للديمقراطية التمثيلية وتصبح فيه الشعوب سيدة نفسها فعليا ومصدر كلّ السلطات» وبما أن الشعب التونسي الذي انتفض وثار أكثر من مرّة في تاريخه لمقاومة الظلم واعوجاج الحكام فإنّه لا يهوى المغامرات، ومساندته لما قام به الرئيس كان بدافع التخلص من الفساد وإجراء الإصلاحات التي تتماشى وطبيعة المجتمع وتحافظ على مكتسبات الدولة وتؤدي إلى تحسّن أوضاعه الاجتماعية و مثل كلام» كبير المفسرين « هذا يثير مخاوفه وشكوكه حول صدق «الصادقين» ،

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115