حديث الغدير .. بين الشيعة والسنّة مناسبة لتكريم آل البيت ونفي التعصّب

قال المولى جلّ في علاه «وذكّرهم بأيام الله» إبراهيم:5 هذه من الآيات القرآنية التي تحثّ على الاعتبار وترغِّب في الإذّكار

ومن معاني الأيّام الوقائع والأحداث. قال الشيخ ابن عاشور، فـ (أيام) الله: أيام ظهور قدرته، وإهلاكه الكافرين بها، ونصره أولياءه والمطيعين له. وعليه، فإن الأنسب مع مقاصد القرآن العامة أن يكون المراد بـ (الأيّام) هنا الأحداث الزمنية الكبرى والوقائع التاريخية العظمى. وهي (الأيام) التي تختصر تواريخ الأمم، وترسم ملامحها، وتوجّه مساراتها، ويكون فيها عبرة لمن يعتبر. فالتاريخ في جملته، وفي جوهره إنما هو (أيام وعبر)، وإن شئت قل: هو (أيام فيها عبر).

و معرفة (أيام الله)، والاعتبار بها، جزء من الدين، وجزء من رسالة الأنبياء. ومن المعلوم أنّ حيزاً كبيراً من القرآن الكريم إنّما هو تذكير «بأيّام الله»، ودعوة للاعتبار بها، «فاعتبروا يا أولي الأبصار» الحشر: 2.
وقد لفت «العلاّمة ابن خلدون» الأنظار إلى ما بين التاريخ والشريعة من وجوه الحكمة والاعتبار، فوضع كتاباً لأجل هذا الغرض سمّاه «كتاب العِبَر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر»، بيَّن من خلاله أهمية النظر في تاريخ الأمم الماضية، وضرورة قراءة ما جرى للأقوام السابقة؛ وذلك بقصد الاعتبار والاتّعاظ، وتجاوز أخطائها وسلبياتها، والاستفادة من صوابها وإيجابياتها.

ولعلّ من أيّام الله حجّة الوداع النبوي بكلّ ملابساتها ولعلّ من أبرز هذه الملابسات واقعة حديث الغدير وهو حديث نبوي صحيح يصل لدرجة التواتر عند السنة والشيعة، مروي عن الرسول سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلم في يوم 18 من ذي الحجة سنة 10 هـ، في طريق عودته بعد حجّة الوداع في غدير يُدعى خُم قُرب الجحفة.وهذا نصّه « روي عن زيد بن أرقم قال : « لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من حجة الوداع، ونزل «غدير خم « قال : كأني دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ثمّ قال : إن الله عز وجل مولاي ، وأنا مولى كل مؤمن ، ثم أخذ بيد علي -عليه السلام - فقال : من كنت مولاه، فهذا وليه ، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه».

يستدلّ الإخوة الشيعة بهذا الحديث بالإضافة إلى أحاديث أخرى على خلافة سيّدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، بينما يعتقد أهل السنة والجماعة بأنَّه دلالة على منزلة سيّدنا علي بن أبي طالب العالية، ولا يستوجب أحقيته بالخلافة. والحديث عندنا صحيح رواه مسلم وأحمد، وصححه العديد من علماء الحديث أمثال؛ الذهبي وابن حجر وغيرهم. ويدل الحديث على فضل علي بن أبي طالب بصفته واحد من آل بيت النبي صلّى الله عليه وسلم وبين مكانته.

وعلينا الدفاع عن هذا الحديث وعن غيره من السنّة الصحيحة كمصدر ثان للتشريع مع الدعوة المستمرّة لتنقيتها والحذر ممّا يوظّف منها لغير المقاصد الإسلاميّة الغالية والعالية دون تعصّب ولا اقصاء ..ولسائل أن يسأل لماذا ندافع عن هذا الحديث :

• ندافع عن حديث الغدير: لأنّه يُحارب حرباً لا هوادة فيها، فقد شكّكوا بصحته، وحرّفوا معناه، وقلَّلَّوا من شأنه، وبدَّعوا وفسَّقوا كلّ من يحتفل به ويحتفي بذكراه -أي بالمناسبة التي قيلت فيه وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة
عن حديث (غدير خم)، والبعض الآخر ينظرون إليه نظرة طائفية، وكأن حديث الغدير يخصّ الشيعة ولا يخصّ الأمّة بأكملها !!..

• ندافع عن حديث الغدير : لأنّ التشكيك فيه ناتج عن حقد مبطن تجاه آل البيت رضوان الله عليهم فلا تجدهم يسمعون عن أية فضيلة لآل البيت إلا ويحاولون التشكيك بها لأن حديث الغدير غدا كالشمس في رائعة النهار في كثرة طرق أسانيده، ورواياته المتواترة.

• ندافع عن حديث الغدير : فهو يُعَدُّ من أصحّ الأحاديث، حتى قال فيه ابن حجر الهيثمي ما نصّه: «إنّ حديث الغدير صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وطرقه كثيرة جدّاً، ومن ثمّ رواه ستة عشر صحابياً، وشهدوا به لعلي لمَّا نوزع أيام خلافته . . .ولا التفات لمن قدح في صحّته، ولا لمن ردّه « وهذا الإمام جلال الدين السيوطي، قد ألّف في الأحاديث المتواترة كتاباً أسماه «الفوائد المتكاثرة في الأحاديث المتواترة»، وأدرج فيها -أي في الأحاديث المتواترة-حديث الغدير .. وقال الإمام الحافظ الكبير ابن الجزري «هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي، وهو متواتر أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-رواه الجمّ الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطّلاع له في هذا العلم ...»...

• ندافع عن حديث الغدير: لأنّه يرسم معالم الولاية مع آية الولاية التي أيّدته وهي قوله تعالى: « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» المائدة: 55، يعطيان للأمّة ثقافة متكاملة يحصنها من الثقافات التي تُقدم إليها، لتكون قابلة لأنّ تُفرض عليها ولاية الظالمين والمجرمين الموالين لليهود والنصارى.

• ندافع عن حديث الغدير: حتّى لا نقع في تهميش الذاكرة الدينيّة بأحداثها وأيّامها، ولا نسقط في التقليل من شأن حديث الغدير وغيره من الأحداث وكأنّه حدث عادي ليس له أيّة مزيّة، بل كان وانتهى أمره فلا داعي إلى تكرير ذكره، فليس في ذكره أيّة فائدة سوى إثارة الأحقاد بين طوائف المسلمين.

• ندافع عن حديث الغدير: فالاحتفال بيوم الغدير تعظيم للدين وفضح لأكاذيب المنكرين والردّ على من يبدّع كلّ من يحتفل بالمناسبات الدينية التي تخص المسلمين، والتي تربطهم بنبيهم -صلى الله عليه وآله وسلم-أو بآل بيته الطاهرين، أو بالأولياء الصالحين، ‏بحجّة أنها بدعة لم تكن بعهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-ولا بعهد الصحابة ولا بعهد التابعين، بينما نجدهم يحتفلون بأعيادهم الوطنية، بل ويحتفلون بأعياد تافهة ليس لها صلة لا بدينهم ولا حتى بإنسانيتهم، ولا تعود عليهم بأي نفع!! ‏

• ندافع عن حديث الغدير: فعندما نحتفي بمناسبة عيد الغدير إنما نفعل ذلك اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-وبصحابته الكرام رضي الله عنهم .. ألم يحتف رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بهذه المناسبة وحشد لها تلك الجموع الغفيرة التي وصل عددهم إلى مائة وعشرين ألفاً؟!.. قال «السبط بن الجوزي» في كتابه «تذكرة الخواص» ما نصه : « اتفق علماء السِّير أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة ،جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً، فنحن عندما نحتفي ونحتفل إنما هو من باب الشكر لله؛ لأنه أكمل لنا في مثل هذا اليوم دينه، وأتم علينا نعمته، ورسم للأمة طريق سعادتها ونجاتها، قال تعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَام» المائدة : 3 وقد اتفق الكثير من المفسرين والمحدثين على أن هذه الآية نزلت في غدير خم بعد انتهاء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من خطبة الغدير ..

* ندافع عن حديث الغدير: فكيف لا نفرح ونحتفل بهذه المناسبة والله يقول:» قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» يونس :58

• ندافع عن حديث الغدير: لأنّه من مصاديق قوله تعالى « وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب» الحج :32..
فكفانا فرقة ..بقينا تحت الجهل وتحت التناحر ..

هل لبسنا في هذه المناسبات حلل الوحدة والاعتصام بحبل الله ..؟ حتّى نرتقي في سلم الخيريّة ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115