فمَن يقَرَأَ التَّارِيخَ القَدِيمَ وَالمُعَاصِرَ يجَدَ فِيهِ أَعَاجِيبَ مِن أَنوَاعِ تَقدِيرِ الرَبِّ سُبحَانَهُ فِي نَزعِ المُلكِ؛ فَمِنَ المُلُوكِ مَن يَنزِعُ الُملكَ مِنهُ أَبُوهُ أَو أَخُوهُ أَو ابنُهُ أَو قَرِيبُه أَو صَدِيقُهُ الحَمِيمُ، وَمَا دَرَى وَهُوَ يُقَرِّبُهُ أَنَّهُ يَنزِعُ مُلكَهُ مِنهُ، وَمِنهُم مَن يَنزِعُ مُلكَهُ مِنهُ عَدُوُّهُ بِقُوَّةٍ قَاهِرَةٍ، وَمِنهُم مَن يَفقِدُ حَيَاتَهُ وَحَيَاةَ المُقَرَّبِينَ مِنهُ أَثنَاءَ نَزعِ مُلكِهِ مِنهُ، وَمِنهُم مَن يَسلَمُ جَسَدُهُ لَكِن يَعتَلُّ قَلبُهُ بِنَزعِ مُلكِهِ، ....ومنهم من ينتزعه منهم الشعب ..والنماذج كثيرة..
لكن من عميت بصيرته لا يتّعظ بالتاريخ ولا بالحاضر ... يتثبّث بكرسي السلطان لكنّه سينتزع منه بسلطان الشعب ....
لقد أوتوا الحكم وَهيِّئُت أَسبَابَ الإيتاء ...وها أنّ أسبابا أخرى تهيئ لِنَزعِهِ وَزَلزَلَتِهِ فالله يَنزِعَهُ مِمَّن يَشَاءُ وَلَو تَشَبَّثَ بِهِ؛ فَالمُلكُ لله تَعَالَى وَبِيَدِهِ، «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ «آلِ عِمرَان: 26
وَكَمَا أَنَّ لِإِيتَاءِ المُلكِ وَثَبَاتِهِ أَسبَابًا فَإِنَّ أَسبَابًا أَيضًا تضمن النزع ، وَأَعظَمُ أَسبَابِ نَزعِهِ الظُّلمُ بِأَنوَاعِهِ كُلِّهَا، فَسُنَّةُ الله تَعَالَى مَاضِيَةٌ فِي أَنَّهُ لَا بَقَاءَ لِلمُلكِ مَعَ الظُّلمِ، «فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِم «إِبرَاهِيم: 13 - 14.
فَصَلَاحُ الدُّنيَا يَكُونُ بِالعَدلِ، كَمَا أَنَّ صَلَاحَ الآخِرَةِ يَكُونُ بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ؛ وَلِذَا قِيلَ: «الدُّنيَا تَدُومُ مَعَ العَدلِ وَالكُفرِ، وَلَا تَدُومُ مَعَ الظُّلمِ وَالإِسلَامِ»....
ولا نخال ظلما أكثر من الاغتيال ..ولا نخال ظلما أكثر من قهر الشعب وتكميم الأفواه وتكبيل الحرّيات وتهديده في حياته وأمنه ومعيشته وتفقيره وإهمال صحّته .... ولا نخال ظلما أكثر من التشبّث بالكراسي والأغلبية قد لفظتكم بعد أن جثمتم على الصدور ولم توفوا بالوعود ولا العهود..
ستنزعون من الملك انتزاعا وإن تشبثتم ..لأنكم اتخذتم الحكم غُنمَا بدوافع الأنانية والحقد على الشعب ومكتسباته المدنية والجمهورية ..فصار الحكم إِلَى الظُّلمِ، وَسَلَّطَتم أَعوَانَكم الظَّلَمَةَ عَلَى النَّاسِ، فَسيَنزِعُ اللهُ تَعَالَى مِنكم المُلكَ، وَقَد عَبَّرَ اللهُ تَعَالَى عَن ذَهَابِ المُلكِ بِنَزعِهِ: «وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ» لِأَنَّ مَنِ اتَّخَذُوا المُلكَ غُنمًا لَا يَتَخَلَّونَ عَنهُ بِسُهُولَةٍ، وَيَتَشَبَّثُونَ بِهِ تَشَبُّثًا شَدِيدًا؛ لِأَجلِ غُنمِهِ، فَيُنزَعُونَ مِنهُ نَزعًا، وَالنَّزعُ هُوَ شِدَّةُ القَلعِ وَهِيَ مُقَابِلَةٌ لِشِدَّةِ تَمَسُّكِهِم بِهِ.
ولذلك فلطف الله بعباده وبهذه البلدة الطيبة الغالية سينزع منكم الملك ..منكم نزعا لأنّكم لستم له أهلا..
ستنزعون من الملك انتزاعا وإن تشبثتم لأنّكم ظلمة..
- بقلم بدري المداني
- 09:28 28/07/2021
- 1405 عدد المشاهدات
إلى جميع من اعتبر الوطن غنيمة وتشبّث بالكرسي دون أن يكون أهلا..