لكن الشاذ من لا يعي أنّ ديننا مقام على أسس المقاصد. وما المقاصد سوى ترتيب الأولويات وتقديم المصلحة على المفسدة. وتقديم المصلحة العامة على الفرديّة. وحفظ النفس مقدّم على جميع المصالح. فضرورة حفظ النفس هذه هي حقٌّ لله تعالى أوَّلًا قبل أن تكون حقًّا للعباد، ولذلك ارتقت الشريعة بها من الحقوق إلى الواجبات، ومن أجل ذلك حرَّم الله تعالى الانتحارَ وإيذاءَ الشخص لنفسه وإهلاكَهُ لها، فقال جل شأنه: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا «النساء: 29، وقال تعالى: «وَلَا تُلْقُواْ بِأَيدِيكُم إِلَى التَّهْلُكَةِ» البقرة: 195.
فالثابت أنّ حفظ النفوس يزيد على أداء العبادات بأنّه يجمع بين كونه حقًّا لله تعالى من جهة، وبين كونه حقًّا للعباد من جهةٍ أخرى.
كما أنّ قاعدة «جلب المصالح ودرء المفاسد» تعتبر من قواعد الفقه الإسلامي المندرجة تحت القاعدة الأمّ المتّفق عليها» لا ضرر ولا ضرار « والتي تكشف من خلال تطبيقاتها وما يندرج تحتها من فروع كثيرة عن مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية وهو: منع الفعل الضار في جميع صوره قبل وقوعه احترازًا، ومعالجة أثره بعد وقوعه إزالةً ورفعًا.
والشاذ من لا يرى جائحة «الكورونا» وقد سرت كالنار في الهشيم تبيد وخطرها يزيد فأدركنا رقما مخيفا قرابة 16000 وفاة.
والشاذ من لا يرى الدولة تقف عاجزة في هذه الحرب ضد هذا العدوّ الخفي المنتشر. والمرضى ينتشرون يحتاجون مكانا ونفسا وتلقيحا وعناية وطبيبا ..
والشاذ من لا يرى جائحة «الكورونا» قد دفعتنا مكرهين مضطرّين والحزن يرجّنا لتعليق الصلوات المفروضة في المساجد وغلق بيوت الله لأيّام عدّة.
وقد دفعتنا لتعليق صلوات الجمعة وهي المفروضة بسورة كاملة «سورة الجمعة»
دفعتنا لتعليق العمرة وهي سنّة ودفعتنا لتعليق الحجّ وهو الفرض الكبير والاجتماع البشري السنوي الذي لا يضاهى المفروض بسورة الحجّ.
وقد دفعتنا لتعليق صلوات العيد وهي السنّة المؤكّدة ودفعتنا لتعليق صلوات التراويح وهي السنّة الرمضانيّة.
والشاذ من لا يرى أنّ جوهر الإسلام ونصوصه وتعاليمه ورسوله كلّهم يقرّون أن علاج المرضى في هذا الوباء وإنقاذ المصابين وإغاثة الملهوفين والمنكوبين من الواجبات الأساسية على المسلمين؛ لأنّها تعد أهمَّ الضروريات المقاصدية الخمس التي قام على أساسها الشرع الشريف، وهي ضرورة حفظ النفس.
لذا فإنّي أدعو الجميع إلى العزم والحزم إزاء هذه الشعيرة التي يمكن تعليقها على غرار ما سبقها من العبادات والشعائر وهي الشعيرة التي لا تحمل صيغة الالزام بل سنّة مؤكّدة مرتبطة بالقدرة والاستطاعة وزيادة الأجر بعد استيفاء الأركان يأتي تعظيم الشعائر « قَولُه تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ «الحج: 32.
مع الأزمة الصحيّة الخانقة والأزمة الاقتصاديّة المتردّية نزيد أنفسنا إغراقا بغلبة عادة على العبادة وبإهدار ما يناهز مليون و600 ألف رأس غنم في مبلغ 600 د معدّل سعر الرأس الواحد. سنجدها ثروة يمكن أن توجّه إلى الجانب الطبّي وإنقاذ حياة الآلاف من التونسيين بتقوية مواثيق التضامن والتعاون ..
فهل نشترك في نحر الكورونا بوعينا وفهمنا المقاصدي لديننا بدل نحر الأضاحي هذا العام لنكون في سلامة وعافية العيد القادم وننحر أضاحينا مستبشرين.؟؟
لننحر «الكورونا» بدل «أضاحي العيد».
- بقلم بدري المداني
- 10:29 06/07/2021
- 1310 عدد المشاهدات
قد أبدو شاذّا في هذا الموقف وانا أدعو لتعليق الأضاحي خلال هذا العيد في بلادنا.