كذلك يمكن أن تكون هذه الظروف نتيجة لخطر يهدّد حياة الأمة، و التي تتمثّل في الظروف التي تهدّد فيها الأرواح و الممتلكات في بلدٍ ما، كأحداث العنف والشغب و الأعمال الإرهابية و التخريب والتمرّد و الفيضانات و الزلازل والأمراض و الأوبئة...، و تتمتع بموجبه السلطة التنفيذية بسلطات استثنائية غير عادية مقنّنة دستوريا. وتعدّ نظرية الظروف الاستثنائية استثناء أو قيدا يرد على مبدأ سمو الدستور، وقد استعملت مصطلحات عدة لهذا المفهوم، فنجده تارة يستخدم مصطلح الظروف الاستثنائية وتارة مصطلح الضرورة.
وقد جاءت هذه النظرية كضرورة لتنظيم ممارسة السلطة في الدولة في الظروف الاستثنائية، فالمبدأ أنّ بناء الدولة يعتمد على قوانين تشرّع في الظروف العادية،غير أنه قد تحدث ظروف استثنائية قاهرة من شأنها المساس بكيان الدولة أو السلامة العامة للمجتمع، كحالة الطوارئ أو حالة الحرب ووجود أزمات حادة أو حالة التمرّد والعصيان، فتلجأ السلطة التنفيذية إلى مواجهتها للتشريع أو بتدابير استثنائية.
ويمكن تعريف الظروف الاستثنائية بأنها الأوضاع المادية التي تؤدي إلى وقف العمل بالقواعد العادية التي تنفذها الإدارة لتطبيق قواعد المشروعية الخاصة بالأزمات. و تتمثّل دوافع نظرية الظروف الاستثنائية في:
- وجوب بقاء الدولة و استمرارها، فالحفاظ على كيان الدولة وسلامتها هو الغرض الأسمى.
- أن التشريعات العادية وضعت للظروف العادية، فالنظام القانوني العادي وضع ليحكم حياة الدولة في أوضاعها الطبيعية العادية، ولكن هذا النظام القانوني لا يستطيع تنظيم الدولة في الظروف غير العادية في فترة الأزمات والحروب ،و أيضا يكون عاجزا عن تقديم الحماية اللازمة لاستمرار كيان الأمة و استقرارها.
- حق الدولة في الدفاع الشرعي عن نفسها، و يعني أنّ للدولة الحق الشرعي بالدفاع عن نفسها في حال هدّد أمنها و سلامة كيانها خطر جسيم، و حينها يحق للدولة أن تدفع هذا الخطر بشتى الوسائل و السبل، حتى و لو وصل الأمر إلى تعطيل أحكام القانون
- الحفاظ على النظام العام و سير المرفق العام، فالظروف الاستثنائية ليست مجرّد تطبيق لنظرية الضرورة، بل إنها تجد أساسها القانوني في دوام سير المرفق العام بانتظام و اطراد و في حماية النظام العام و الحفاظ عليه، فالأساس القانوني لنظرية الظروف الاستثنائية يتمثّل في واجب الالتزام العام للسلطة التنفيذية، فيتوجب على هذه الأخيرة أن تحافظ على النظام العام بجميع عناصره و ذلك لضمان سير المرافق العامة في جميع الظروف والأحوال.
ولئن لا نجد الظروف الاستثنائية كمصطلح دارج في الشريعة الإسلامية و لكنها موجودة بالمعنى، حيث يقابلها مصطلح الضرورة والذي يعدّ أعم وأشمل.
و لعلّ من أبرز ما قدمته الشريعة الإسلامية من قواعد لمعالجة الظروف الاستثنائية، مبدأ الحرج مرفوع و المشقة تجلب التيسير، و أسسوا عليه قاعدتين أساسيتين و هما المشقة تجلب التيسير و لا ضرر و لا ضرار.
وتنطبق على جائحة كورونا نظرية الظروف الاستثنائية، تبعا لما نتج عنها من تهديد لأرواح البشر وصحتهم ولاستمرارية دواليب الدولة و ديمومتها، فقد اعتبرت من الظروف الاستثنائية التي اقتضت اتخاذ جملة من التدابير و الإجراءات الاستثنائية من قبل السلطة التنفيذية، لمجابهة التداعيات و الآثار الوخيمة لهذه الآفة الخطيرة. و تقوم الظروف الاستثنائية على جملة من الأسس و الشروط {الجزء الأول} و هي تمنح للسلطة التنفيذية صلاحيات استثنائية { الجزء الثاني}
الجزء الأول: أسس و شروط الظروف الاستثنائية
ترتكز نظرية الظروف الاستثنائية على جملة من الأسس {الفقرة الأولى} و تخضع لجملة من الشروط { الفقرة الثانية} الفقرة الأولى: أسس الظروف الاستثنائية
1 - الأسس الفقهية: إنّ أساس الظروف الاستثنائية أساس فقهي واضح ألا و هو حالة الضرورة، و يقصد بالضرورة تلك الحالة من الخطر الجسيم الحال الذي يتعذّر تداركها بالوسائل العادية ،ممّا يدفع السلطات القائمة على حالة الضرورة أن تلجأ إلى الوسائل القانونية الاستثنائية لدفع هذا الخطر و مواجهة الأزمات. و فكرة الضرورة تقوم على ركنين: ركن موضوعي، و يتمثّل في وجود خطر يهدّد مصلحة جوهرية معتبرة قانونا، و ركن شكلي يتمثّل في التجاوز على أحكام القانون.
و ترجع الأصول الأولى لنظرية الظروف الاستثنائية في القانون العام إلى الفقه الألماني الذي اتخذ منذ البداية النظرية القانونية لهذه النظرية، و التي تجد أساسها في كتابات بعض الفقهاء الألمان منهم «هيكل» و «هرنك» و «جلينك»، فقد برّر «هيكل» خروج الدولة عن القانون في هذه الحالة أنّ الدولة هي التي أوجدت القانون و هي تخضع له لتحقيق مصالحها ،و على ذلك فلا خضوع عليها إذا كان تحقيق صالحها هو في عدم الخضوع للقانون الذي يعدّ وسيلة لغاية هي حماية الجماعة، فإذا لم تؤدّ هذه القواعد إلى تحقيق هذه الغاية فيجب الخضوع للقانون، و على الدولة أن تضحي به في سبيل الجماعة.
و كان الفقيه «جلينك» قد برّر النظرية التي تحلّ فيها الحكومة محلّ السلطة التشريعية تحت ضغط الحوادث لمواجهة الضرورة بكل الوسائل المتاحة. و يذهب الفقيه الألماني إلى اعتبار أنّ نظرية الظروف الاستثنائية نظرية قانونية، و تعدّ حقا للدولة، و بناء على ذلك تكون الأعمال والإجراءات التي تتخذها الدولة في أحوال الضرورة هي إجراءات مشروعة.
أمّا الفقه الفرنسي فقد انقسم إلى مرحلتين تاريخيتين، ففي الأولى و هي القديمة اتخذ الفقه النظرية السياسية الواقعية، وهي ترى أنّ نظرية الظروف الاستثنائية هي نظرية لا أساس و لا وجود لها في القانون بل هي نظرية فرضها الواقع، و بالتالي تعتبر الإجراءات التي تتخذها السلطة التنفيذية في الحالات الاستثنائية غير متمتّعة بالمشروعية القانونية و إن كانت تعفي السلطة من المساءلة إذا توفرت شروط معيّنة و التزمت بقيود إجرائية يحددها القانون، فالضرورة ليست مصدرا مشروعا للقوانين و لا يمكن أن تلغي القوانين العادية، ثمّ ما لبث أن انتقل إلى المرحلة الثانية التي اتخذ فيها النظرية القانونية لنظرية الضرورة.
2 - الأسس الدستورية للظروف الاستثنائية: يعدّ مجلس الدولة الفرنسي أول من وضع الضوابط الخاصة لنظرية الظروف الاستثنائية بتحديد شروطها و إضفاء مشروعية من نوع خاص على أعمال السلطة التنفيذية الصادرة في ظلّها ،عندما عمل المجلس على منح الإدارة سلطات استثنائية في الظروف الاستثنائية في ظل غياب النصوص الدستورية المتضمّنة لهذه النظرية.
وتكتسي نظرية الظروف الاستثنائية في عدّة دول طابعا دستوريا. فقد تضمّن الدستور الفرنسي لعام 1958 نصّا معالجا للظروف الاستثنائية، و هو المادة 16 منه التي تخوّل لرئيس الجمهورية سلطة اتخاذ الإجراءات التي تتطلبها هذه الظروف، حيث ورد فيه: « عندما تكون مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ تعهّداتها الدولية مهدّدة بخطر جسيم وحال، وعندما يعاق السير العادي للسلطات الدستورية العامة، فإنّ رئيس الجمهورية يتخذ الإجراءات التي تقتضيها هذه الظروف بعد المشاورة الرسمية مع رئيس مجلس الوزراء ورئيس المجلسين: الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ والمجلس الدستوري،ويوجّه بيانا إلى الشعب». و يتمثّل الأساس الدستوري لنظرية الضرورة أو الظروف الاستثنائية، بمصر، في نص المادة 74 من الدستور المصري لعام 1971، والتي ورد فيها أنه «لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدّد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجّه بيانا إلى الشعب، ويجري استفتاء على ما أخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها». و أشارت المادة 57/ج من دستور العراق لعام 1970 إلى أنّ « لرئيس الجمهورية عند الاقتضاء إصدار قرارا لها قوة القانون».
ونصّت المادة 134 من الدستور الأردني على أنه « إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطى بموجبه الصلاحية إلى الشخص الذي يعيّنه القانون لاتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية ،بما في ذلك صلاحية وقف قوانين الدولة العادية لتأمين الدفاع عن الوطن. ويكون قانون الدفاع نافذ المفعول عندما يعلن عن ذلك بإرادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء». كما نصت المادة 135 من الدستور نفسه على أنه « 1 - في حالة حدوث طوارئ خطيرة يعتبر معها أنّ التدابير والإجراءات بمقتضى المادة السابقة من هذا الدستور غير كافية للدفاع عن المملكة ، فللملك بناء على قرار مجلس الوزراء أن يعلن بإرادة ملكية الأحكام العرفية في جميع أنحاء المملكة أو في أيّ جزء منها . 2 - عند إعلان الأحكام العرفية للملك أن يصدر بمقتضى إرادة ملكية أية تعليمات قد تقضي الضرورة بها لأغراض الدفاع عن المملكة بغضّ النظر عن أحكام أيّ قانون معمول به ،ويظلّ جميع الأشخاص القائمين بتنفيذ تلك التعليمات عرضة للمسؤولية القانونية التي تترتب على أعمالهم إزاء أحكام القوانين ،إلى أن يعفوا من تلك المسؤولية بقانون خاص يوضع لهذه الغاية».
ومنح الفصل 80 من الدستور التونسي لرئيس الجمهورية اتخاذ التدابير في الحالات الاستثنائية. أما في بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية فقد استقرّت أحكام القضاء على اعتبار نظرية الظروف الاستثنائية مجرّد نظرية سياسية لا يمكن أن تكون بذاتها أساسا قانونيا للسلطات التشريعية لرئيس الجمهورية في الظروف الاستثنائية، و في هذه الدول هناك ما يعرف بحالة الطوارئ.
الفقرة الثانية: شروط الظروف الاستثنائية
تكاد تتفق الدساتير المنظمة لنظرية الظروف الاستثنائية إلى تقييدها بشروط معيّنة حتى لا تصبح النصوص المنظمة لها وسيلة بيد السلطة التنفيذية لتحقيق مصالح شخصية. وتتمثّل شروط التدابير الاستثنائية في:
1 - قيام الظرف الاستثنائي: و يتمثّل هذا الظرف في وجود تهديد بخطر موجّه ضد الدولة، و هو أهمّ الشروط اللازمة لقيام هذه النظرية. وهذا الخطر قد يكون داخليا ،كالكوارث الطبيعية والاقتصادية أو العصيان المسلّح و المظاهرات غير المسلّحة، أو بسبب حدوث فيضان أو انتشار وباء و نحو ذلك، و قد يكون خارجيا كالحروب...
ويستقرّ الفقه على وجوب توافر أوصاف في هذا الخطر: وهما الجسامة و الحلول و أن يكون حقيقيا. وقد ذهب جانب من الفقه إلى أنّ الخطر يكون جسيما إذا كان من غير الممكن دفعه بالوسائل القانونية العادية، فإذا أمكن دفعه بهذه الوسائل لا يعدّ جسيما.
أما بالنسبة إلى صفة الحلول فإنّ الخطر الحال يعني أن تبلغ الظروف أو الأحداث حدّا تؤدي معه حالا و مباشرة إلى المساس بالمصلحة موضوع الحماية، بمعنى أن لا يكون مستقبلا أو أنه قد وقع و انتهى، فالخطر الحال هو الذي يكون على وشك الوقوع أو الذي يكون قد بدأ فعلا و لم ينته. كما يجب أن يكون الخطر حقيقيا، فالخطر الوهمي الذي ينشأ في ذهن أو تصوّر السلطة التنفيذية لوحدها، دون أن يكون مبنيا على حجج معقولة، لا ينتج أثره في إعمال أحكام نظرية الظروف الاستثنائية.
2 - استحالة مواجهة الظرف الاستثنائي بالطرق القانونية العادية: ويعني أنه إذا ما حدث ظرف استثنائي و كانت هناك قواعد قانونية أو دستورية قادرة على مواجهة هذا الظرف فإنه ينبغي اللجوء إلى هذه القاعدة، أما إذا لم تكن هناك نصوص قانونية قادرة على مواجهة هذا الظرف ،ففي هذه الحالة يجب اللجوء إلى نظام قانوني استثنائي لتفادي هذا الظرف.
3 - تناسب الإجراء المتخذ مع الظرف الاستثنائي، فيجب أن تكون الإجراءات الاستثنائية التي تتخذها السلطة التنفيذية بقدر ما تتطلبه الضرورة و في حدود ما تقتضيه فحسب، فلا يجوز للسلطة التنفيذية أن تتجاوز ذلك و تستأثر بالسلطة أو تتعسّف في استعمالها.
ويحدّد معيار جسامة الخطر بأن يخرج على الأقل عن إطار المخاطر المتوقعة أو المعتادة في حيـاة الـدولة ،فهو خطر غير مألوف و غير معروف على وجه الدقة ولا من حيث النوع أو المدى، فالظرف الاستثنائي يتحقق وجوده بوجود حوادث خطيرة مجتمعة يستحيل على الإدارة مواجهتها بالوسائل والطرق العادية.
4 - ابتغاء المصلحة العامة من الإجراء الاستثنائي: فشرط المصلحة العامة هو شرط جوهري في كلّ الأعمال التي تصدر عن الحكومة، سواء أكانت الظروف عادية أم استثنائية وأنّ أيّ عمل تتخذه الحكومة يجب أن يقصد به تحقيق مصلحة عامة وألاّ تكون الغاية منه الوصول إلى تحقيق أغراض شخصية ، والحكومة يجب أن تهدف إلى دفع هذه الظروف ومواجهتها للمحافظة على كيان الجماعة وهذا هو الهدف الخاص، فإذا ما أخلّت الحكومة واستعملت سلطتها الواسعة في أيّ هدف آخر من أهداف المصلحة العامة ،كان تصرّفها مشوباً بانحراف السلطة
5 - انتهاء سلطة اتخاذ التدابير الاستثنائية بانتهاء الظرف الاستثنائي: إذ يقتصر أثر الظرف الاستثنائي على الفترة الزمنية التي يقوم فيها ذلك الظرف، فلا يمتدّ إلى ما بعد انتهائها. الجزء الثاني: الصلاحيات الممنوحة للسلطة التنفيذية في الظروف الاستثنائية تخوّل الظروف الاستثنائية لرئيس الجمهورية صلاحية اتخاذ تدابير استثنائية { الفقرة الأولى} كما تخوّل لرئيس الحكومة طلب تفويض تشريعي في إصدار مراسيم { الفقرة الثانية} الفقرة الأولى: صلاحية رئيس الجمهورية في اتخاذ تدابير استثنائية، ينص الفصل 80 من الدستور على أنّ « لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذٌر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتّمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب. ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حلٌ مجلس نواب الشعب ،كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة. وبعد مضيٌ ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كلّ وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتٌ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرّح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما. وينهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجّه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب». و تخضع التدابير الاستثنائية لجملة من التدابير الموضوعية والإجرائية.
1 - الشروط الموضوعية: وتتمثّل في وجود حالة خطر داهم مهدّد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها، يتعذٌر معه السير العادي لدواليب الدولة.
ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال.
- وجود خطر داهم مهدّد لاستقلال الوطن: في الجانب الاصطلاحي يعرّف الخطر بأنه» كلّ حالة واقعية تنذر بضرر يصيب مصلحة حيوية فيتهدّدها، إما بالانتقاص أو الزوال».
- السلطة المكلّفة بتقدير الخطر: أنّ تقدير مدى جسامة الخطر تعود إلى السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية.
- الحالة الاستثنائية: و تعني أنّ الأحداث التي وقعت غير معتادة و فجائية، و لم تعتد حياة الأفراد على معايشتها و تصيب المصالح الإستراتيجية و الحيوية للدولة و المجتمع، بحيث يصعب التحكم فيها بوسائل القانون العادية ،و أنّ ترك استمرارها من شأنه أن يؤدي إلى انهيار الدولة والمجتمع معا، إذا لم تستعمل الوسائل غير العادية في مواجهتها و التي تبقى الحل الاستثنائي لدرء هذه الأخطار الاستثنائية.
وقد استعمل المشرّع التونسي عبارة عامة و فضفاضة، على عكس المشرّع الفرنسي الذي كان أكثر وضوحا ،حيث ورد في الفصل 16 من الدستور على» إذا تعرّضت مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ تعهّداتها الدولية لتهديد بخطر جسيم و حال».
- موضوع الخطر الداهم: و لم يقع تعريف الخطر الداهم وتقديره يخضع للسلطة التقديرية المطلقة لرئيس الجمهورية.
2 - الشروط الإجرائية:
- المشورة: و يقصد بشرط المشورة أن يأخذ رأي رئيس الحكومة و رئيس مجلس نواب. لكن السؤال المطروح هو ماهية الاستشارة؟ و كيفية إجرائها؟ كتابة أم شفاهة؟ و مدى إلزامية هذه الاستشارة؟
حسب رأينا يمكن أن تكون الاستشارة كتابية أو شفاهية. و لا يكتسي الرأي الاستشاري أيّ قوّة إلزامية. - الإعلام: يقوم رئيس الجمهورية بإعلام رئيس المحكمة الدستورية بالتدابير الاستثنائية.
ولكن السؤال المطروح ،و أمام عدم تركيز المحكمة الدستورية، هل يقع تجاوز هذا الإجراء؟ أم هل يقع إعلام رئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين؟ و ما الغاية من الإعلام؟ بالرجوع إلى الفصل الأول من القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 مؤرخ في 18 أفريل 2014 المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين و الذي ينص على أنه « تحدث بمقتضى هذا القانون الأساسي هيئة قضائية وقتية مستقلة تختص بمراقبة دستورية مشاريع القوانين تسمّى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ويشار إليها في ما يلي بالهيئة»، يتبين حسب رأينا أنّ رئيس الجمهورية غير ملزم بإعلام رئيس الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.
- توجيه بيان إلى الشعب: يقع الإعلان عن التدابير في بيان إلى الشعب. و هو يعتبر وسيلة لتبرير التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الدولة للرأي العام.
- انعقاد مجلس نواب الشعب بصفة دائمة: يعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة الفترة التي تستغرقها التدابير الاستثنائية.
- المدة: ينهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجّه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب. و يمكن بعد مضيٌ ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كلّ وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتٌ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرّح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما. و لكن الإشكال المطروح أمام غياب المحكمة الدستورية من هي الهيئة التي يقع تعهيدها للبت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه؟
وقد استند رئيس الجمهورية إلى أحكام الفصل 80 من الدستور و أصدر أمرا رئاسيا عدد 24 لسنة 2020 مؤرخ في 18 مارس 2020 يتعلق بمنع جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا ابتداء من 18 مارس 2020 إلى أن يصدر ما يخالف ذلك. كما صدر أمر رئاسي عدد 28 لسنة 2020 مؤرخ في 22 مارس 2020 يتعلق بتحديد الجولان، و الذي حجّر جولان الأشخاص والعربات بكامل تراب الجمهورية، إلا لقضاء حاجياتهم الأساسية أو لأسباب صحية مستعجلة، ومنع كلّ تجمّع يفوق ثلاثة أشخاص بالطريق العام وبالساحات العامة، و قد لجأ رئيس الجمهورية إلى الفصل 80 من الدستور رغم سريان حالة الطوارئ بمقتضي قانون 26 جانفي 1978، و هما أمران لا يتعارضان من الناحية القانونية أن تمّ تفعيلهما في نفس الوقت. الفقرة الثانية: صلاحية رئيس الحكومة في إصدار مراسيم.
اتجهت عدة دساتير إلى تبنّي فكرة التفويض التشريعي ، ومن بينها نجد الدستور الفرنسي لعام 1958. وذهب الدستور المغربي لعام 2011 إلى تبنّي التفويض التشريعي أيضا.
ونص الفصل 70 من الدستور التونسي على أنه:» يمكن لمجلس نواب الشعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوّض بقانون لمدة محدودة لا تتجاوز الشهرين ولغرض معيّن إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تُعرَض حال انقضاء المدة المذكورة على مصادقة المجلس. يستثنى النظام الانتخابي من مجال المراسيم».
1 - الشروط الموضوعية: تنقسم الشروط التي وردت بالفصل 70 من الدستور إلى نوعين أحدهما يتعلق بالفترة الزمنية التي يمكن خلالها لرئيس الحكومة إصدار مراسيم بناءً على تفويض مجلس نواب الشعب له، والآخر يتضمّن بيان الموضوعات التي يجوز له أن يتناولها قانون التفويض.
أن يكون التفويض لمدة محدودة: ينص الفصل 70 فقرة 2 من الدستور:» يمكن لمجلس نواب الشّعب ... أن يفوّض بقانون لمدّة محدودة لا تتجاوز الشّهرين ..).
يجب أن لا تتجاوز مدة التفويض المسندة من مجلس نواب الشعب إلى رئيس الحكومة الشهرين، فلابد من تحديد المدة الزمنية للتفويض تحديداً دقيقاً.
ويرجع السبب في ذلك إلى حرص المشرّع الدستوري على عدم استمرار التفويض لأجل غير مسمّى كونه أمرا استثنائيا عارضا ،فهو يعدّ خروجا على مبدأ الفصل بين السلطات، ولذلك فإنّ عدم تحديد القانون مدة التفويض يجعله باطلا، لذا فلا يجوز للبرلمان أن يجعل تحديد مدة التفويض من تقديرات السلطة التنفيذية وذلك عن طريق ربطها بتحقيق الهدف من التفويض، وإنما يجب أن يحدّد قانون التفويض تحديدا دقيقا، المدة التي تؤهّل خلالها الحكومة في اتخاذ تدابير تعود إلى مجال القانون. وهذا التشديد في ضرورة تحديد مدة قانون التفويض متأتٍ من كون التفويض التشريعي يعدّ أمرا استثنائياً عارضاً وخروجاً على مبدأ الفصل بين السلطات ولذلك يتعيّن أن يكون هذا الخروج مؤقتا حتى لا يختلّ التوازن بين السلطات. - غرض التفويض: ينص الفصل 70 فقرة 2 من الدستور على أنه:» يمكن لمجلس نواب الشعب ... أن يفوّض بقانون ... لغرض معيّن».
يجب أن يكون قانون التفويض محدّد الغرض، فلابد أن يحدّد بدقة ماهية المواضيع التي سيتناولها قانون التفويض، فهذا التفويض ليس شيكا على بياض بحسب ما يعتقده الكثيرون، بل هو مقيّد بموضوعه ومدته الزمنية. فلا من تحديد الموضوعات التي تصدر فيها المراسيم، فالتفويض يجب أن يكون جزئيا ينصبّ على موضوعات محدّدة، أما التفويض الكلّي فإنه غير جائز لأنه يعدّ بمثابة تنازل من البرلمان عن اختصاصاته التشريعية، وهو ما أيده المجلس الدستوري الفرنسي في العديد من أحكامه.
2 - الشروط الشكلية: نص الفصل 70 في فقرته الثانية من الدستور:»يمكن لمجلس نواب الشّعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوّض بقانون ... إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تعرض حال انقضاء المدّة المذكورة على مصادقة المجلس. يستثنى النّظام الانتخابي من مجال المراسيم».
- شكل التفويض: يجب أن يصدر التفويض بقانون.
- النصاب المطلوب: ينص الفصل 70 فقرة 2 من الدستور أنه:» يمكن لمجلس نواب الشعب بثلاثة أخماس أعضائه أن يفوّض بقانون... إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم تدخل في مجال القانون تعرض حال انقضاء المدّة المذكورة على مصادقة المجلس»، بمعنى أن تتمّ المصادقة على التفويض بأغلبية 131 صوتا.
- عرض المراسيم على مجلس نواب الشعب: يجب عرض المراسيم الصادرة عن الحكومة على مصادقة مجلس نواب الشعب حال انقضاء مدة التفويض. ويترتب على عدم عرضها زوال ما كان لها من قوّة القانون، ومن ثمّ إنهاء آثارها واعتبارها لاغية.
فلابد من الرجوع إلى مجلس نواب الشعب صاحب الاختصاص الأصيل في التشريع في نهاية مدة التفويض ليقول كلمته في تلك المراسيم، فقد يرى الموافقة عليها وذلك بأن يصادق عليها ويسبغ عليها قوّة القانون، وقد يرفض صراحة الموافقة عليها ،وفي هذه الحالة يزول ما كان لها من قوّة القانون .
و يمثّل هذا الإجراء رقابة بعدية للمراسيم التي كان قد اتخذها رئيس الحكومة أثناء مدة التفويض، و بالتالي يبقى دائما لمجلس نواب الشعب ممارسة رقابته على أعمال الحكومة.
وفي فرنسا، و ضمن التدابير المتخذة لمجابهة وباء كورونا «كوفيد19»، تمّت المصادقة من قبل الجمعية الوطنية على قانون الطوارئ الصحي، و الذي دخل حيّز التنفيذ ابتداء من يوم 24 /3 /2020، والذي يخوّل للوزير الأول ، إصدار مراسيم من شأنها أن تقلّل الحريات الخاصة والمتمثلة أساسا في تقييد حركة النقل وبالتالي الحجر على نطاق واسع، ومراسيم في مجالات تنظيم العدالة والقضاء ( كلّ ما يتعلّق بمجال الطعون وإجراءات التقاضي والقيام لدى المحاكم ومرجع نظرها الحكمي والترابي وقواعد المحاكمة والتقاضي الإلكتروني ...). ويحتوي القانون أيضًا على أحكام تتعلّق بتأجيل الجولة الثانية من الانتخابات البلدية الفرنسية ودعم الاقتصاد، بالإضافة إلى التدابير التي تؤثّر على قانون العمل الفرنسي. كما صدر في المغرب مرسوم رقم 2.20.392 بتاريخ 23 مارس 2020 يتعلّق بسنّ أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها و الذي جاء في المادة الثالثة منه:» تقوم الحكومة خلال فترة إعلان الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة وذلك بموجب مراسيم و مقرّرات تنظيمية و إدارية أو بواسطة مناشير وبلاغات من أجل التدخل الفوري و العاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للغرض و تعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص و ضمان سلامتهم». و قد صادق مجلس نواب الشعب التونسي على منح رئيس الحكومة تفويضا لإصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا « كوفيد 19» و تأمين السير العادي للمرافق العمومية.
و قد اقتصر التفويض على الميادين التالية:
- الميدان المالي والجبائي و الاجتماعي. و يشمل التدابير الهادفة إلى الإحاطة و الدعم
و المساعدة المباشرة و غير المباشرة للأفراد و المؤسسات المتضرّرين من تداعيات فيروس كورونا و تعبئة الموارد لفائدة ميزانية الدولة و المستوجبة لتغطية التكاليف المترتبة عن مواجهة تداعيات فيروس كورونا و تعديل إجراءات و صيغ التغطية الصحية والاجتماعية للمكفولين الاجتماعيين المتضرّرين من فيروس كورونا.
- ميدان الحقوق و الحريات و ضبط الجنايات و الجنح و العقوبات و الإجراءات أمام المحاكم،و يشمل التدابير الهادفة إلى إقرار أحكام استثنائية في الآجال و الإجراءات في الدعاوى و الطعون أمام مختلف أصناف المحاكم و بصفة عامة في كلّ الإجراءات و الآجال المتعلّقة بالالتزامات المدنية و التجارية و غيرها، و تنظيم الحقوق و الحريات بما يتلاءم مع التدابير الوقائية المستوجبة لمقاومة تفشّي فيروس كورونا، و تجريم الأفعال التي من شأنها أن تتسبّب في انتشار العدوى أو تعطيل الإجراءات المتخذة لمكافحة هذا الفيروس و ضبط العقوبات المستوجبة لردع تلك الأفعال.
- الميدان الصحي و البيئي و التعليمي و الثقافي، و يشمل التدابير الاستثنائية الهادفة إلى ضبط القيود و الإجراءات التنظيمية في المجال الصحي و المجالات ذات العلاقة و مراجعة تنظيم السنة الدراسية و الامتحانات و حماية البيئة، وميدان تسيير المرافق العمومية و القطاع الخاص و الضمانات الأساسية للأعوان العموميين و الشغالين ،و يشمل التدابير الاستثنائية الهادفة إلى إقرار القواعد المنظّمة لسير عمل المرافق العمومية و القطاع الخاص ،بما يتلاءم مع مقتضيات مواجهة فيروس كورونا، و إقرار إجراءات متعلّقة بالقواعد ذات الصلة بالالتزامات المحمولة على الأعوان العموميين و على العمال الخاضعين لمجلة الشغل.
و إقرار إجراءات خصوصية استثنائية للشراءات العمومية بما يتماشى مع متطلبات مواجهة فيروس كورونا.
الظروف الاستثنائية المفهوم،الأسس والشروط
- بقلم المغرب
- 11:50 21/06/2021
- 4970 عدد المشاهدات
بقلم: د. جابر غنيمي مدرّس جامعي
تعتبر الظروف الاستثنائية ظروفا غير عادية، تأتي نتيجة لعوامل تهدّد استقرار الدولة و أمنها أو نظم الحكم الدستورية أو حقوق الإنسان .