أيّ حوار وطني لإنقاذ تونس وإخراجها من الأزمة ؟

لما فيه مصلحة الوطن وتأمين مستقبل الأجيال الحاضرة والقادمة، أنشر وجهة النظر التالية:
يلاحظ المتابع للشأن الوطني في الظرف الراهن أن المسار الانتقالي يفتقر إلى رؤية شاملة ومتجانسة للسياسات العامة. ويعزى ذلك إلى عدم الاستقرار السياسي، وإلى غياب التقييم والتدابير التصحيحية والاستفادة من التجارب السابقة، على غرار الإصلاحات التي بدأت ولم يتم استكمالها، والتضارب الذي يميّز السياسات الجبائية بين مختلف قوانين المالية منذ سنة 2015...
وفي تقديري أن هذا الأمر من شأنه أن يزيد في حدة الأزمة، لا سيما في ظل جائحة كورونا وتدهور المالية العمومية وعدم وجود مخطط للتنمية 2021 /2025، وبالتالي عدم توفر رزنامة واضحة المعالم فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ولمواجهة الضبابية في الرؤية وغياب الأولويات الاجتماعية والاقتصادية الطارئة على المدى القصير، ولكن أيضًا المشاريع الهيكلية متوسطة الآجال التي يتعين على تونس إطلاقها، تمثل مبادرة الحوار الوطني التي تقدّم بها الاتحاد العام التونسي للشغل إطارًا ملائما لإجراء تقييم موضوعي ومشترك بين جميع الأطراف المتدخلة، وذلك في مستوى النظام السياسي وجميع مكوّناته (القانون الانتخابي والهيئات الدستورية وقانون الأحزاب والجمعيات)، والحكم المحلي، فضلا عن تقييم شامل للوضع الاقتصادي (المالية العمومية، السياسات الجبائية، المؤسسات العمومية، المديونية،...).
ورغم اعتبار مكوّنات من المجتمع المدني قوّة اقتراح وتوحيد وبنّاء، فإن التعاون المؤسساتي لايزال يفتقد للهيكلة والتنظيم، حتى يؤدي المنهج التشاركي إلى أكثر نجاعة وفعالية، وحيث لم يتمّ بعدُ تحقيق هذا التعاضد في تخطيط السياسات العامة وتقييمها ومراقبتها وتحسينها.
ويمكن توصيف مبادرة الحوار الوطني بأنها قد تسمح للمجتمع المدني بعرض تصوّراته ومقترحاته، مثلما توفّقت إلى إنجازه منظمة صوليدار - في إطار أنشطتها - من دراسات وتحاليل: «تقييم مخطط التنمية1 2016 - 2020 تقييم قوانين المالية منذ 2015 - تقرير حول واقع وآفاق الهيئات الدستورية المستقلّة في تونس2 - دستور 2014: تقييم الممارسة ورؤية للمستقبل، أيّ رؤية مشتركة للازدهار والمواطنة ؟ رؤية استشرافية - السلطة المحلية اللامركزية»3.
كما أعدت منظمة صوليدار دراسة استطلاعية حول الانتظارات والقيم في المجتمع التونسي4، وقد مكنت من إرساء قاعدة مشتركة منبثقة عن برامج الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية 2019. 5 ومن المواضيع التي تمّ التطرق إليها: أيّ مستقبل للحوار الاجتماعي في تونس؟6 من خلال ندوة أقامتها بالتعاون مع منظمة فريديرش-ابخت ومساهمة الاتحاد العام التونسي للشغل.
وتسعى منظمتنا من وراء هذه الفعاليات إلى تعزيز المسار التشريعي داخل البرلمان، وإسناد صنّاع القرار، اعتمادا على شبكة من الخبراء المشهود لهم بالكفاءة على المستوى الوطني، وبالتنسيق بين أهم مكونات المجتمع المدني والمنظمات المهنية على الصعيدين الجهوي والمحلي. كما شاركت المنظمة في مايناهز ثلاثين جلسة استماع عقدت بمجلس نواب الشعب وفي رحاب المؤسسات الدولية. ويمكن العمل على تقاطع مُخْرَجات المجتمع المدني واعتبارها مدخلا لإثراء الحوار الوطني.
ولعل من بين التوصيات التي يمكن أن تثري المبادرة المذكورة، ما تمّ التوصل إلى تحقيقه خلال الفترة القصيرة التي قضيتها كوزيرة لدى رئيس الحكومة مكلفة بالمشاريع الوطنية الكبرى، وهذه التوصيات هي نتاج ورشات عمل أفقية وقطاعية انتظمت بصفة تشاركية، حيث ساهمت فيها إطارات في الدولة، مديرون عامون وكبار المسؤولين في الإدارة من مختلف الوزارات والمؤسسات والمنظمات الوطنية والمهنية وهياكل المجتمع المدني والشباب والقطاع الخاص والخبراء الاقتصاديين والاجتماعيين، وأفضى كل ذلك إلى بلورة مخطط للإنقاذ الاقتصادي7: الإجراءات الأفقية8 والإجراءات القطاعية.
ولعلّ ما يمكن استخلاصه من التجربة المتواضعة التي قمنا بها لدى الإشراف على هذه الأعمال، ضرورة أن يتم التمهيد للحوار الوطني بتوخي منهجية مدروسة ودقيقة تساعد على توضيح الآليات والمعايير والمرحلية وإدارة الحوار. مع الحرص على توسيع دائرة الحوار عبر تشريك مختلف الفاعلين على المستوى الوطني والجهوي والمحلي، من أجل أن يكون الحوار شاملا ومعمقا وذا مردود إيجابي، تستفيد منه المجموعة الوطنية بجميع شرائحها وفي كافة جهاتها.
ومن بين المحاور الهامة التي يجدر التطرق إليها : قضية تعطّل المشاريع. ويعدّ تسريع تنفيذ المشاريع الاستثمارية العمومية والخاصة المحرك الرئيسي للتنمية وخلق الثروة محليا وجهويا.
والواقع أنه، رغم توفر الاعتمادات المرصودة، فإن المشكل الجوهري يكمن في مدى قدرة الدولة على تنفيذ نسبة الاستثمار العمومي وخلق المناخ الملائم للاستثمار، واتباع تمشّ كفيل بتسهيل إنجاز المشاريع، والعمل على رفع العراقيل التي تكبّل نسق الإنجاز وتبسيط الإجراءات الإدارية. وتبرز في هذا المجال أهمية آليات المتابعة والشفافية وتفعيل الرقمنة للرفع من نسبة الإنجاز التي تظل متدنية ودون المأمول، وهو ما يؤكده شركاؤنا الدوليون في تصنيف تونس. (ينظر إلى الوثيقة: تقدم المشاريع الوطنية الكبرى ومشاريع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص)9.
وعسى أن يكون الحوار الوطني المرتقب فرصة سانحة تتبلور فيها الرؤى والتصورات العملية، على نحو يمهّد لإرساء إطار جديد للتعاون المجدي بين مؤسسات الدولة والمنظمات الوطنية وهياكل المجتمع المدني، وفق منهج تشاركي نموذجي استباقي، تتضافر فيه جهود كل الطاقات الحيّة التي يزخر بها المجتمع التونسي، مركزيا وجهويا ومحليا، ومن شأن كل ذلك أن يساهم في دفع الخطى للخروج ببلادنا من الأزمة التي تتردّى فيها حاليا، ويُعيد الثقة إلى المواطن في الدولة ومؤسساتها.
------------------
1 - https://www.solidar-tunisie.org/fr/publications/evaluation-plan-developpement-2016-2020
2 - https://www.solidar-tunisie.org/fr/node/1075
3 - https://www.solidar-tunisie.org/sites/default/files/fichiers/publications/code-des-collectivites-locales.pdf
4 - https://www.solidar-tunisie.org/fr/publications/etude-exploratoire-sur-attentes-valeurs-societe-tunisienne
5 - https://www.solidar-tunisie.org/index.php/fr/publications/projet-socle-commun-issu-programmes-%C3%A9lectoraux-partis-vainqueurs-l%C3%A9gislatives-2019-
6 - https://www.leconomistemaghrebin.com/2018/12/11/dialogue-social-solidar-tunisie/?fbclid=IwAR0fI8AsAY4wABrqUzPGjyAskKDM9AM1RvHs_NhmvzTHhgACt6N2jM_LVlY
7 - 2020 https://lapresse.tn/68128/le-plan-de-sauvetage-economique-presente-pour-surmonter-les-sequelles-de-la-crise
8 - https://bit.ly/3jIr6sD
9 - https://bit.ly/32Tjayb