«اتّحاد القرضاوي» والأدوار المشبوهة والمحرقة المتوقّعة (الجزء الثاني والأخير)

• «اتحاد القرضاوي» آلة التحطيم الفكري
إنّ التخوّف من «تغوّل» هذا الاتحاد وهيمنته على مؤسسات الدولة وبسط نفوذ الفكر الوهابي يزداد كلّما تأكّد الجميع

أن مشروع «الأخونة» لم يقف عن السريان بضخ الأموال وتوظيف الرجال المتاجرين بالدين بائعي الذمم ...ويزداد كلما ثبت حسب المحللين أن القرضاوي باتحاده هذا وبما حام حول دواعي نشأته منذ سنوات ومكان تأسيسه ومراميه وتمويلاته وبما عرف عن المسيرة الشرعية والإسلامية ليوسف القرضاوي بكثرة الاضطراب و الفوضى وتحديدا في صناعة الفتنة في العالم العربي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي وحتى قبلها من ليبيا ومصر وسوريا إذ ساهم في عدة مواطن ومواقف ولعب عدة أدوار بارزة في صب الزيت على النار و إشعال الفتنة الكبرى لأن فتاوى القرضاوي لا تستند إلى القرآن بقدر ما تتحرّك على أوامر الديوان أي بلاطات السلاطين .
فما يسمّى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مؤسسة تثير الجدل والشك انطلاقا من ترأس القرضاوي لها وصولا إلى انتماءات الشخصيات المكوّنة لها إذ تحمل أغلبها رواسب الفكر الوهابي وتتبنى نشره إضافة إلى حملها للمشروع الإخواني العالمي والذي تجلّت مخاطره وبان فشله على جميع المستويات ...ما عدا النجاح في استمرار الفتن بين الشعوب العربية المسلمة واستمرار تخلّفها وتبعيتها المطلقة للوبيات العالمية واذا اقتصرنا على أسماء مثل القرضاوي في رئاسته والغنوشي وعبد المجيد النجار نفهم التركيبة ونفهم الأهداف والتبعات والنتائج ..وإذا نظرنا إلى مرامي هذا الاتحاد من خلال تعداد أهدافه المنشودة والمنشورة في موقعه نتأكد أنه تنظيم يسعى للهيمنة على المجال الديني في العالم بدعوى أن بقية المؤسسات القائمة في العالم الإسلامي تقوم بأنواع مختلفة من الأنشطة العلمية والدعوية والخيرية، وبعضها يقتصر نشاطها على الجانب العلمي الأكاديمي، مثل المجامع الفقهية المعروفة.. مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ومجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.وبعض هذه المؤسسات يتبع الدولة التي نشأ فيها، وهي التي تعين أعضاءه، وهي التي تنفق عليه، وتتحكم إلى حد -يقل أو يكثر-في تصرفاته، أو توجهاته، أو هكذا يتصور الناس.وبعض هذه المؤسسات إقليمي بحكم تكوينه، فهو يخدم بلدًا معينًا، أو منطقة معينة، مثل المجمع الفقهي للهند، والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث. ولكن هذا الاتحاد مفتوح لكلّ علماء الإسلام في المشارق والمغارب.
وهنا يطرح السؤال الكبير من يموّل هذا الاتحاد؟
ويطرح أيضا هل أنّ تركيبته تضمّ جميع علماء المسلمين؟
من يعيّنهم؟
من ينتخبهم -هذا إن آمنوا بالانتخاب في ايديولوجيتهم-؟
ماهي مقاييس الانتماء لتركيبة الهيئة؟
الثابت أنّ كلّ هذا يكتنفه الغموض بشكل كبير. وإذا تأمّلنا في مشاركة تونس في هذا الاتحاد العالمي نجدها تقتصر على اسمين وهما الغنوشي وعبد المجيد النجّار ومن خلفهما نورد الدين الخادمي وزير الشؤون الدينيّة السابق وكلاهم من منظري «الاخوان» فهل أنجبت تونس من العلماء إلا هؤلاء؟
وبالعودة إلى التاريخ فإنّ ملابسات تأسيس هذا الاتحاد انطلقت منذ سنة 2002 بمؤامرة قطرية ترتكز على الاتفاق بين القطريين والإنقليز على إنشاء «اتحاد عالمي للمسلمين» في لندن ... تمامًا كما أنشأوا من قبل محطة «الجزيرة» ودورها المريب. وكان الاعلان عن هذا المشروع العالمي الكبير عام 2004.
ومن هنا تبدأ الشكوك والريبة ..كما تتضاعف هذه الاستفهامات كلما تناولنا بقيّة الخصائص ..حيث تمّت تغطية الاتحاد بأنّه اتحاد إسلامي خالص- وفي هذا ترسيخ لفكرة الاتجار بالدين واللعب على هذا الوتر للسيطرة على العالم إعلاميا عبر الجزيرة وغيرها وعبر هذا الاتحاد وتوظيفه لبرامج مستقبلية وذلك ما تمّ فعلا وها هو الاتحاد ومن خلاله القرضاوي قد لعبا الدور المطلوب منهما - وبأنه يستمدّ من الإسلام منهجه، ويستهدي به في كل خطواته؛ وهو يمثّل المسلمين بكل مذاهبهم وطوائفهم...وفي الحقيقة ما هذا إلاّ غطاء ..
ومن المبادئ الثانية التي ارتكز عليها تأسيس هذا الاتحاد .. العالمية أي أنّه ليس محليا ولا إقليميًا، ولا عربيًا ولا عجميًا، ولا شرقيًا ولا غربيًا، بل هو يمثّل المسلمين في العالم الإسلامي كله، كما يمثّل الأقليات والمجموعات الإسلامية خارج العالم الإسلامي.وفي هذا أيضا مدعاة للهيمنة والتحكّم في أحوال المسلمين وفق استراتيجيات محبوكة. إضافة إلى انتحاء صفة الشعبية أي أنّ هذا التنظيم ليس مؤسسة رسمية حكومية، وإنما يستمد قوته من ثقة الشعوب والجماهير المسلمة به. ولكنه لا يعادي الحكومات، بل يجتهد أن يفتح نوافذ للتعاون معها على ما فيه خير الإسلام والمسلمين...وهذا أيضا تلاعب وتهرّب وتغطية تظاهرا بالاستقلالية في حين أن الجهات المسيطرة والمموّلة والمحرّكة معلومة ومراميها أيضا مكشوفة ..
أمّا المضحك في كل هذا ادعاء أعضائه أنهم ينادون بالوسطية وأنهم لا يجنحون إلى الغلو والإفراط، ولا يميلون إلى التقصير والتفريط، وإنما يتبنون المنهج الوسط للأمة الوسط، وهو منهج التوسّط والاعتدال...في حين أن جميع تصريحاتهم وخطبهم وكتبهم ومواقفهم وممارساتهم تدعو لعكس هذا ..بل كلها دعوات عنف وتكفير وتقتيل وإجرام وسردها يتطلب صفحات وصفحات ..
لن نطيل الخوض في الاخلالات الكبرى لهذه المؤسسة وانجازاتها عبر الأعوام القليلة في مزيد تأجيج نيران الحروب والتقاتل بين المسلمين بل نكتفي مبدئيا بالتطرّق الى خبر استقالة العلاّمة عبد الله بن بيّة وهي استقالة تحمل الكثير من الدلائل والاشارات ويحقّ لنا التساؤل من يكون بن بيّه ...؟
هو الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه، من مواليد 1935م موريتاني، أحد أكبر العلماء السنة المعاصرين ونائب رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين تم اختياره من قبل جامعة جورج تاون كواحد من أكثر 50 شخصية إسلامية تأثيرا لعام 2009م ، وقد فاز بلقب «أستاذ الجيل» ..وينظر الكثير من المسلمين إلى الشيخ كأحد رموز الاعتدال والوسطية، كما أخذت فتاواه وآراؤه مكانتها في الغرب كواحدة من أهم المصادر والمراجع للأقليات الإسلامية، التي تعيش في تلك الدول. حيث تتميز آراؤه بالاستيعاب العميق للأصول الشرعية، والمعرفة الواعية بالواقع المعاصر، مما يمكنه من إيجاد الكثير من الحلول لما يستجد من عقبات في طريق المسلم اليوم.
... وسيرته الذاتية طافحة بمقومات شخصية علمية مؤثرة ذات علو كعب. وقد جاءت استقالته – وان كانت متأخّرة بعض الشيء-
ففي خطوة تشكك بشرعية ما يسمّى بالاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، الذي يترأسه الداعية المصري (القطري الجنسية) يوسف القرضاوي، اذ جاءت استقالته من منصبه احتجاجًا على «خطاب» الاتحاد وهذا الاحتجاج يفهم مما كتبه في نصّها « إن سبيل الإصلاح والمصالحة يقتضي خطابًا لا يتلاءم مع موقعي في الاتحاد»....
وهذا الموقف يتعارض كليا مع مواقف الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، المقرّب من جماعة الإخوان المسلمين، والذي يتخذ من قطر مقرًا له، وكان رئيسه القرضاوي أصدر في الآونة الأخيرة العديد من الفتاوى، التي اعتبرت مسيئة إلى الإسلام الحنيف وتسامحه.وكان لها عميق التأثير في ثورات الربيع العربي بشكل سلبي وخطير.
المتأمّل في هذه الاستقالة يمكن أن يستشف بداية التخلّص من هذا الاتحاد بعد أن تمّ توظيفه في فترة معينة للقيام بمهمات محددة واليوم وإزاء التحوّلات السريعة والأحداث الكبرى قد يصبح من الضروري سحب البساط من القرضاوي واتحاده والاستغناء عن شطحات طالت وتيرتها وأفسدت ما أفسدت.
والغالب أنه بالرجوع إلى البعض من أفكار ومقولات الشيخ بن بيه وما تحمله من اعتدال حقيقي وفهم متفتّح للإسلام يمكن أن نخلص إلى أنّ رجلا بمثل هذا الفكر لا يمكن أن يجتمع تحت سقف واحد مع القرضاوي.
فبن بيّة من علماء الأمّة النادرين الذين يمتلكون تصوّرات فكرية تنويرية متميّزة نأتي على بعضها لندرك قيمة الرجل ومدى شجاعته حين استقال هاربا من شطحات القرضاوي والاخوان:
• يجب أن ننظر إلى مبدأ «المرأة حبيسة البيت» بأنه مبدأ غير صحيح في الإسلام، وقد تخرّج من المدرسة النبوية عالمات وشاعرات ومجاهدات.
• إما أن نكون سادة أنفسنا نسير أمورنا بكلّ حرية أو تابعين للآخرين يستغلون ضعفنا ويتخذون منّا مكانا للصراعات.
• المشرّع ليس حريصا على إقامة الحد على أحد بقدر حرصه على الستر.
• الهدف الأسمى من الحوار والتواصل هو إيجاد خرق في جدار التصوّر المغالي المتطرّف، الذي لن يؤدي إلاّ إلى تطرّف وغلو وصدام، ففي المثل: «من يزرع الريح لن يحصد إلاّ العاصفة».
• إن لوك تاريخ يفرّق الأمة وينشر التفرقة واللعن والسباب لا يفيد الأمة في دينها ولا في دنياها ولا يرضى الله ورسوله.
*إنّ الأمم الفاشلة هي التي لا تجد بدائل عن العنف ، بينما يسلّم الحوار إلى منطقة مشتركة يجد فيها كلّ طرف ذاته.
• طموحنا أن نحوِّل «فهم الدين» من مشكلة إلى حل ، ومن دعوة إلى الحرب إلى دعوة للتعايش.
• إنّ الحوار هو الوسيلة المتحضّرة لحلّ المشكلات البشرية الناشئة عن الأنانية التي يمكن أن ترادف شحّ النفس «ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون»
• منطق التخوين والإبعاد والتكفير لا يصلح للمستقبل، إنّ الثورات عليها أن تأتي بوجهٍ جديد، بروحٍ جديدة «اذهبوا فأنتم الطلقاء»
• الحوار ليس خياراً للأمة الإسلامية فقط بل هو مسؤولية ملقاة على عاتقها، لأن رسالتها في هذا العالم تقوم على الانفتاح على الغير والتفاعل معه.
إنّ ما أوردناه من الأقوال المشبعة بالاعتدال والتعايش والمحبة والحرية والفهم السليم لروح الاسلام لصاحبها الهارب من اتحاد الاخوان لا نخالها تلتقي مع أصحاب فكر الفتنة والهدم والتجهيل.
المهمّ ختاما أنّه على الجميع في تونس برجالها ونسائها التصدّي لكلّ المخططات الممنهجة والمشبوهة التي تسعى لحرق البلاد بالفتنة والفرقة وتغيير نمطها المجتمعي ولا نخال أنّ تونسيا واحدا –باستثناء أصحاب الذمم الرخيصة – سيسمح للقرضاوي ولغيره ولهذا الاتحاد ولكلّ المتدخّلين المشبوهين بالتدخل في تونس الأبيّة. والمساس بمخزونها الحضاري التنويري.

انتهى

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115