لان المسالة تتعدى مجرد المطالبة بحقوق مشروعة الى ما هو اخطر بكثير وهو التهديد بتفكيك الدولة .
- إن هذه النتيجة لم تكن وليدة الاسابيع الماضية وانما هي نتيجة تراكمات لسنوات ما بعد الثورة وتعود اهم اسبابها الى أداء المسؤولين الذين تداولوا على السلطة مع استثناء البعض منهم ربما ، وهم المسؤولين الذين لم يكونوا على دراية بمفهوم الدولة فتعاملوا معها بمنطق الغنيمة وعدم الايمان بالدولة الوطنية في احيان عديدة وبمنطق التدرب على المسؤولية في الدولة احيانا اخرى بل وصل الامر الى اعتبار البعض للمسؤولية في الدولة فرصة للتدرب على العمل السياسي والاستثمار فيه لافتكاك مركز سياسي في احزاب او مؤسسات الخ .... ، وبالتالي امكن القول ربما ان السنوات الماضية عوض ان تفرز رجالات الدولة افرزت مع الاسف كفاءات في تفكيك الدولة .
-ان سوء الفهم لمعنى رجل الدولة عن قصد احيانا وعن جهل احيانا اخرى هو الذي ادى الى سوء ادارة مختلف الازمات الاقتصادية والسياسية وانتهى الى ازمة اجتماعية خانقة وهي تتجه الى اكثر اختناق .
- في هذا المناخ الصعب تاتي حكومة السيد هشام المشيشي لتؤجج الوضع وتدفعه اكثر نحو الاختناق بسبب سوء ادارة هذه الازمات والخطاب الذي يطغى عليه جانب االجهوية ويفتقد الى مفهوم الدولة .
- فأن يكون رئيس الحكومة ابن الادارة لا يعني ذلك اداركه لمفهوم الدولة بالضرورة لأن إدارة مصلحة في وزارة او ادارة عامة او مؤسسة عمومية تختلف كليا عن ادارة شؤون الدولة .
- إن ما قدمه السيد رئيس الحكومة في تعاطيه مع ملفات معينة مثال الكامور والقضاء يؤكد فعلا الصورة الخاطئة في التعامل مع مفهوم الدولة وهو االتمشي الذي زاد في تعميقه رمز اخر في الدولة وهو السيد رئيس مجلس نواب الشعب.
- إن المثال الواضح على ذلك هو ملف الكامور وكيفية تحويل الحكومة الحقوق المشروعة لاهالي تطاوين الى ملف مفاوضات ثم الى اتفاق والحال ان تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والتوازن بين الجهات وتوفير الظروف الكفيلة بتنمية قدرات الشباب وتوسيع اسهامه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحة حق في الصحة لكل مواطن والحق في العمل... دستوري والدولة ملزمة بحكم الدستور بالوفاء بهذه الالتزامات الدستورية وبالتالي فان ما طالب به أهالي تطاوين حقوق دستورية استجابت لها الحكومة وهو يعني التزام الدولة بالوفاء بالتزاماتها وهو محتوى ما سمي باتفاق الكامور الذي هو عبارة عن التزامات من جانب واحد أي الدولة لتحقيق حاجيات مواطنيها في ولاية تطاوين.
-إن هذا التمشي الذي كان يفترض انتهاجه من الحكومة عملت على تكريس عكسه بل والاخطر من ذلك هو الاقرار الضمني بان استعمال كل وسائل الضغط مسموح به وهو ما اوجد «آلية» جديدة في المطالبة تحت اسم «الفانا».
- هذه الالية الجديدة دعمها السيد رئيس مجلس نواب الشعب عندما اجاب في حواره في القناة الوطنية الاولى حول هذه النقطة بما معناه ان من حق اهالي كل منطقة ان يحققوا حاجياتهم من الثروات قبل غيرهم «ما تخرج الصدقة الا ما يتززو اماليها».
- إن هذا التصريح من احد رموز الدولة يمثل تهديدا خطيرا للدولة فمن غير المسموح به اطلاقا لاحد رموز الدولة التحدث بهذه الصيغة التي تؤدي في النهاية إلى تفكيك الدولة وهما صبغة مخالفة تماما للدستور والذي نص على أن الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي تمارس الدولة السيادة عليها باسمه ( الفصل 13 ) وحتى ما جاء بصفة استثنائية في الفصل 136 من الدستور بخصوص تخصيص نسبة من المداخيل المتاتية من استغلال الثروات الطبيعية للنهوض بالتنمية الجهوية انما في علاقة مباشرة بالفصل 13 أي ان الامر كله يعود للدولة هي التي تقرر وتنفذ طبعا مع تشريك مختلف المؤسسات فيما ومنها الجماعات المحلية التي هي جزء من الدولة.
- إن المثال الواضح الثاني في نفس هذا السياق هو طريقة تعامل السيد رئيس الحكومة مع ااجتجاجات السادة القضاة حول تردي الوضع الصحي في المحاكم وهو وضع يهم الجميع السادة المحامين والسادة الكتبة والمتقاضين فعندما يلتفت السيد رئيس الحكومة لوزير التجهيز وياذن له بالبدء في الدراسات لانجاز مستشفى خاص بالقضاة فان هذا التصرف لا يمكن اعتباره تصرف رجل دولة لان حكومة عاجزة عن توفير طبيب انعاش لولاية مثل جندوبة سكانها قرابة النصف مليون وعاجزة عن توفير مقياس حرارة وادوات تعقيم في كل محكمة لا يعقل ان توفر مستشفى بهذه البساطة.
- إن هذه الامثلة وغيرها تؤشر إلى وضع أكثر خطورة قد تصل اليه البلاد وهو تفكيك الدولة الذي يطمح اليه البعض وبالتالي فان حكومة السيد المشيشي اذا ما كان لها بعض الوقت فالمطلوب منها الاسراع بتغيير خطابها والتحدث بمنطق الدولة والقانون وتحمل المسؤولية في ذلك والدخول الفعلي في تفعيل ماهو معطل في المشاريع وهي كثيرة والقيام بالتغييرات الازمة في كل الادارات الجهوية بدءا من الولاة وذلك لاعطاء نفس جديد للسلطة الجهوية مع تمكينها من وسائل العمل الضرورية بشريا و ماديا وتكوين فريق حكومي مضيق بصلاحيات واسعة للتواصل مع كل الولايات من خلال مؤسساتها أي السلطة االجهوية والنواب الشعب والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني، والكف عن الجلسات الموسعة ذات الطابع الفولكوري التي تمت تجربتها على مدى سنوات وانتهت كلها بفقدان الثقة بين المواطن والدولة .
ان هذه الجراءات العاجلة مطالبة الحكومة الحالية بتفعيلها مهم كان عمرها ومعها يجب ان تحدد ملامح تونس 2024 وحتى 2050 من خلال حوار اقتصادي واجتماعي و سياسي شامل باشراف رئاسة الجمهورية وفي غير هذه الحالة ربما تكون الحلول من خارج المؤسسات وهو ما لا يمكن التنبؤ بعواقبه.
رأي: أداء الحكومة وما يتهدد الدولة
- بقلم المغرب
- 11:23 27/11/2020
- 897 عدد المشاهدات
بقلم: الأستاذ لطفي العيادي - نائب عن حركة الشعب
ما تعيشه تونس اليوم من احتقان اجتماعي يتطلب وبصفة عاجلة رفع درجة الحذر الى الاقصى ( اللون الأحمر )