حول السبب المباشر فى هزيمة «ترامب» بعد ان كان فى مقدمة استطلاعات الرأى إلى حدود شهر جانفي من هذه السنة!
• الفرضية الأولى: بسبب ترامب نفسه ؟
بشخصية سياسية لا نمطية فى قطيعة حادة مع طقوس منظومة الحكم المتفق عليها منذ عقود بالولايات المتحدة، وبشخصية سيكولوجية مغرقة فى النرجسية بتمظهراتها السلوكية المرضية المتعددة من استعلاء وعجرفة وشدة اعتداد بالنفس إلى حد الغرور نجح «ترامب» فى تحريك موروث جينى جمعى دفين لقسم واسع من الناخبين ذوى الأصول الأوروبية ومن تمثّل أفضل للشخصية القاعدية لأمريكا العميقة المهووسة بسردية «راعي البقر» المتفوق الذى لا يقبل الهزيمة باى حال من الأحوال !
• الفرضية الثانية: بسبب سياساته الاقتصادية ؟
خلافا لما يعتقد لدى العموم فإن الحصيلة الاقتصادية لترامب كانت جد إيجابية إلى حدود تاريخ حلول الجائحة وذلك باجماع مناصريه ومنتقديه على حد السواء حيث عرفت المؤشرات الاقتصادية الكبرى انتعاشة لم تشهدها البلاد منذ ستين سنة منها انخفاض ملموس لمعدلات البطالة وفرص عمل جديدة بلغت 11 مليون وظيفة !
• الفرضية الثالثة: بسبب سياسته الخارجية ؟
من بين ثوابت السياسة الخارجية «للعام سام» وسر قوتها الناعمة soft power حضورها المتواصل والفاعل داخل اروقة «المنظمات الحكومية الدولية» و»الاتفاقيات المتعددة الأطراف» .. على طرف نقيض من هذا التوجه اتخذت ادارة ترامب منحى مغايرا تماما على ما دأب عليه التقليد الأمريكى فى إدارة الملفات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حيث تم رصد انسحاب الولايات المتحدة من العديد من الاتفاقيات والمنظمات الدولية منها اتفاق باريس للمناخ ومنظمة اليونسكو والاتفاق النووى المتعدد الاطراف مع ايران ومجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة الخ وانتهاجها لسياسة حمائية عدائية متشددة حيال خصمها الصينى وأخرى ابتزازية ضد عدد من الدول الخليحية وذلك تجسيما لشعار ترامب الانتخابي «أمريكا أولا» ...
وجدت هذه السياسة الخارحية المثيرة والمتفردة فى التاريخ السياسى المعاصر للولايات المتحدة المعادية لمبدا «التعاون المتعدد الاطراف» multilatéralisme كل الدعم والتأييد من عدد من مراكز النفوذ المؤثرة وقسم واسع من الناخبين الأمريكيين الذين يعتبرون أن أولوية الأولويات لساكن البيت الابيض يجب ان تتوجه لإعادة ترتيب البيت الداخلى الأمريكى أولا والتوقف عن سياسة الانفاق السخى والغير المجدى خارج الحدود ...
• الفرضية الرابعة: إدارته لجائحة الكوفيد- 19 ؟
من الواضح ان الفرضيات الثلاث السابقة كانت تتجه نحو تجديد ولاية ثانية لترامب بفارق انتخابي مريح عن منافسه الديمقراطى إلا أن رياح الكوفيد المعولمة التى عجز ترامب عن إدارة إحداثياتها بشكل مناسب أسقطت جميع توقعاته بالبقاء فى البيت الأبيض...
فافتقار فريق عمله المكلف بمواجهة الكوفيد 19 إلى خارطة طريق واضحة كفيلة بالحد من انتشار الفيروس، وعدم فرضه للحد الأدنى من الإجراءات الوقائية المتفق عليها عالميا من ارتداء للكمامة وتطبيق التباعد الجسدي وعزله للمناطق الموبوءة وازدرائه المتواصل لأهل العلم من خلال تغريداته التويترية الساخرة للتداوى من الكوفيد عبر اخذ جرعات من السوائل المٌطهّرة أدى إلى تصدر الولايات المتحدة قائمة الدول التى ضربتها الجائحة فى العالم من حيث معدل الوفيات والإصابات وإلى تدنى شعبيته فى آخر استطلاعات الرأى السابقة للانتخابات الرئاسية.. فكانت حتمية الهزيمة فى انتظاره ولعنة الكوفيد المناخية فى الموعد لتذكره بان التغيرات المناخية ليست نكتة بل حقيقة لا يمكن إنكارها على الاطلاق ...
لكن بقطع النظر عن هزيمة ترامب فإن تنامى التيار الشعبوى الضارب اليوم بشدة فى الولايات المتحدة وفى العديد من دول العالم - بما فيها بلادنا - يؤشر إلى نهاية الديمقراطية فى نسختها النيوليبرالية المخادعة وبداية مرحلة ما بعد الديمقراطية تتميز بمنسوب عالى من الريبة والتوتر الشديدين ...