ولمن نقدّم وهل نقدّم فريضة زكاة الفطر ؟
ثلاثة أسئلة تدور الإجابة عنها في فلك أنّ الشريعة الغرّاء علّمتنا أنّ حفظ النفس البشرية من أعظم مقاصدها الشريفة ، وأنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح ، وأنّه لا يجوز تعريض الأنفس للخطر ..
ثلاثة أسئلة تدور الإجابة عنها في فلك أنّ أهل الخبرة الطبيّة ومؤسسات الصحّة ومنظّماتها أكّدوا الخطر الجليّ لكلّ أنواع التجمّعات والحشود في نشر عدوى وباء كورونا.
ومن هنا :
1 ) صوموا ولا تصوموا:
صوموا فصيام رمضان ثابت الفرض بنصوص قطعية فقال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، وقال تعالى «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى» وَالْفُرْقَانِ «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» سورة البقرة الآية 183 -185.
صوموا فلم يتغيّر بين رمضان الماضي ورمضان القادم أي شيء حتّى نفرّ إلى الإفطار دون موجب ..
ولا تصوموا لمن استثنتهم الآية وهم الذين لا يقدرون على الصيام مطلقاً لا حالاً ولا مستقبلاً، وهذا ما عبر عنه قوله تعالى: « وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ» سورة البقرة الآية 184،
والمريض الذي تلحقه مشقّة ظاهرة بالصوم، أي مشقة يشقّ احتمالها،
وكذلك الحائض والنفساء فلا تصوم ولكن عليهما القضاء بالإجماع.
و المسافر الذي هو أيضاً محل إجماع مع وجود خلاف في مدته وبعض تفاصيله ..ومنهم كذلك مريض كورونا (كوفيد 19) بما أنّه مرض شديد، وبالتالي يتمتّع بجميع الأحكام التي أقرتها الشريعة للمريض...ويظلّ رأي الطبيب في كلّ حالات المرض المزمن والمؤقت هو الحكم الفاصل والفيصل ولا يحقّ للمريض مخالفة تعليمات الأطبّاء ولا يجب للشيوخ والأئمّة الاستيلاء على منصب الأطبّاء ..
ومن كان موقفه دفع النّاس إلى الإفطار بموجب ما أشيع عن إضعاف الصّوم لمناعة الإنسان الصّحيح، ممّا يهدّد بالإصابة بفيروس كورونا، فقد ثبت أنّها ى دعوى عارية عن الصحّة. فقد نفى المتخصّصون في المجالات الطبّيّة وجود أيّ دليل علميّ يُثبت تأثيراً سلبيّاً للصّوم في الجهاز المناعيّ، بل حكموا بأنّه يُسهم في تقويته. ولذلك فإنّ الأخذ بمثل هذه الأقوال يعتبر من التقدير الفاسد والاحتياط المُتوهّم. وبالتالي لا يلتفت إلى هذه الادّعاءات المتهافتة.
والحاصل فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يفكّر في ترك هذا الركن العظيم إلا بعذر مشروع أذن الله به وتقول الدراسات العلميّة والطبيّة بشمولية قوله تعالى « وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ » سورة البقرة الآية 184، ما لم يقل الطبّ خلافا لذلك ، والمهمّ اغتنام النّفحات الربّانيّة في الشّهر المعظّم .
2 ) صلوّا التراويح في بيوتكم:
لا شكّ أنّ تعلّق القلوب بالمساجد هو من العواطف المقدّرة والتي يثاب الإنسان عليها بأعظم الأجر والثواب ، وقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أنه من السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة في ظل عرشه: «رجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه»، ولا شكّ أنّه من المؤلم أن لا تقام صلاة التراويح خلال شهر رمضان يشعر بالمرارة لكنّ اكتظاظ المساجد في الجُمَع والتراويح بالمصلّين فكان من الواجب الشرعي الذي لا يخالف فيه أحد أن يتمّ تعليق التجمّعات في المساجد في الوقت الراهن.. وما دام قد تمّ تعليق فرض الجمعة والجماعة وهي سنّة مؤكّدة فمن اليسير رغم مرارته القبول بتعليق صلاة التراويح في الجوامع فهي سنّة أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم في بيته ، ولذلك لنا سعة أن نقيمها داخل بيوتنا بما أنّ صلاة التراويح ليست فرضا عينيا ولا إلزاميّا بل هي شعيرة قيام الليل في ليالي رمضان حكمها السنيّة وعند السادة المالكّية هي مندوبة ندبا أكيدا لكلّ مصلّ وتسنّ فيها الجماعة عينا لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه».
وكأنّنا نرى فيروس «الكورونا» يساعدنا اليوم على تصحيح المفاهيم وتخليص صلاة التراويح من تحوّلها من عبادة رمضانيّة إلى عادة رمضانيّة لا تختلف كثيرا عن عادات التبضّع والطبخ والسهرات وغيرها وما يحيط بها من سلوكات تخرج الصلاة من إحدى أدوارها التربويّة التهذيبيّة..
وكأنّنا بفيروس الكورونا يقول لنا «سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى» سورة طه- 21 .
ليست عصا موسى من عاد لسيرتها الأولى بل صلاة التراويح ستعود لسيرتها الأولى فهي عبادة بيتيّة بإمتياز بداية فها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما روت السيّدة عائشة رضي الله عنها أنّ النبيّء سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلّى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم، فصلّى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله فصٌلِّي بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عَجَزَ المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: «أما بعد فإنه لم يخف عليِّ مكانكم، ولكني خشيتٌ أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها، فتوفي رسول الله والأمر على ذلك».
ثمّ طرأت على صلاة التراويح تحوّلات في كيفتها وعددها من بعد عند ساداتنا الصحابة ومن تلاهم لنشهدها اليوم بطرق مختلفة في جوامعنا .
وثمّة عديد الأحاديث النبويّة الشريفة الثابتة والداعيّة لتعمير البيوت بالصلاة فهاهي الفرصة متاحة لتطبيق هذه الأحاديث والعمل بتعاليمها وخاصة في هذه الظرفية التي تستوجب منّا حذرا وتغليب الضروري الحياتي على كلّ شيء ..
ومن هذه الأحاديث ما رواه سيّدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبيء صلّى الله عليه وسلم قال: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» متفق عليه، وفي حديث سيّدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا»رواه مسلم . والحديث الثالث يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة».
وهي أحاديث يعود معناها ومضمونها لصلاة التراويح وغيرها من السنن والنوافل فليغتنم كلّ منّا ولا يحرم أحد من صلاة التراويح في بيته مع عائلته علما وأنّه تجوز صلاة التراويح سواء بقراءة كامل القرآن حفظا أو من المصحف أو بما تيسّر منه أو بقصار السور وكلّ حسب طاقته وجهده وفي الأمر اتّساع ويسر واختيار ..فلنعمّر بيوتنا بكلّ عبادة فالله يجيبنا ولا تمنعه الحواجز ولا تضيق على رحمته مساحة ولا فضاء ولا زمان ..
3 ) قدّموا وقدّموا زكاة الفطر :
ومن النفقات التي شرّعها ديننا الحنيف زكاة الفطر، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر طهرة للصائم مـــــن اللغو والرفث وطعمة للمساكين ، وقال صلّى الله عليه وسلم : « أغنوهم عن المسألة ( أي السؤال ) في هذا اليوم « أي يوم العيد .
ومن حكمتها أنّها تزيد في أجر الصائم وتكفّر عنه ما صدر منه مما يشغله أثناء صومه عن التفكر في ملكوت الله وما يلهيه عن ذكر الله وما قد يصدر عنه من صغائر الأمور كاللغو والجدل والخصام . وهي تساعد المسكين والمحتاج على أن يجـــــد قوته وقوت عياله في يوم العيد الذي هو يوم الفرح والحبور ، يوم يفرح الصائم بفطره ، فلا يبقى بين أفراد المجتمع من هو في خصاصة وكآبة في ذلك اليوم الأغر .
أما حكمها فهي فريضة واجبة على كلّ مسلم فيما يزيد عن قوت عياله يوم العيد .وتجب على المسلم وعلى أفراد أسرته من زوجة وأولاد صغار وأبوين فقيرين .
والمقدار المالي الواجب إخراجه يحدّد سنويا من دار الإفتاء ووقت إخراجها وجوبا بطلوع فجر يوم العيد وقبل التوجـّه إلى صلاة العيد . ويجوز إخراجها قبل يوم العيد بيومين أو ثلاثة عند الإمـام مالك ويستحق زكاة الفطر الفقير المسلم الذي ليس له قوت عياله في يوم العيد . ويمكن دفعها لفقير مسلم واحد أو توزيعها على فقراء متعددين . كما يجوز دفعها لأقاربه من الفقراء والمحتاجين غير أبويه أو إخوته أو أولاده الذين هم في كفالته . وفي جائحة الكورونا بالإمكان الزيادة حسب الإمكان عن المقدار المحدّد وتقديم موعد إنفاقها لتسهيل نفقات الفقراء والتخفيف من حدّة الوضعية التي يعيشونها في زمن الكورونا بكلّ تبعاتها.