2 ) يستوجب عن ذلك الإقرار بأن النتائج غير معلومة ولكنّها ستكون لامحالة طويلة الأمد وعميقة الأثر.
3 ) عديد الدول استجابت بتحويل الجهد الوطني نحو مقاومة الوباء. وشمل ذلك الموارد المالية والنشاط الاقتصادي.
4 ) سُلّم أمر قيادة السياسة والمجتمع إلى العلم وخاصة الطب.
5 ) أحيلت المجتمعات على سجن إجباري وإرادي في نفس الوقت.
6 ) انتقلت الحياة كلّيًا تقريبًا إلى العالم الافتراضي.
كل ما سبق هو نتيجة حالة طارئة استوجبت حلولا طارئة واستعجالية. لكن هناك مجالات للنشاط الإنساني تتطلب تفكيرًا يجمع بين حالتي الطارئ والمستدام. ومن هذه المجالات نخص بالذكر التعليم بكلّ أصنافه .
سارعت أغلب الدول إلى إيقاف التدريس العادي باعتباره نشاطًا جماعيًا وإطارًا مناسبًا لانتشار المرض. وانصبّ التفكير مباشرة على أمرين: العملية التعليمية والامتحانات. وعكس الحال زمن الأوبئة السابقة وجد العالم في التكنولوجيا الحديثة حلولا غير مسبوقة. ولكنّه ووجه بما يعرف بالفجوة الرقمية. طبعا يطول الحديث في هذا المجال ولكنّ لنعد إلى مبدأي الطارئ والمستدام وكيفية التوفيق بينهما.
برأيي تتكون العملية التعليمية في اغلب الحالات من جزئين، التكوين والتقييم . ويتفرّع التقييم إلى أقسام وآليات عديدة ليس هنا مجال تفصيلها. هذا التلازم بين العمليتين اصبح من المسلّمات، ولذلك ما يبرّره بيداغوجيا. والسؤال الراهن هو هل يمكن الحفاظ عن العمليتين في الحالة الاستثنائية التي نمرّ بها؟
لنأخذ مثال بريطانيا حيث أنّ العمليتين متلازمتين بشكل قوي ومحدّد في كلّ مراحل التعليم تقريبًا وحيث يخضع التعليم في أغلبه إلى المجال العمومي. يبدو أنّ التفكير مرّ مباشرة إلى فصل التكوين، بما في ذلك التقييم التكويني، عن التقييم التلخيصي أو الامتحانات الرسمية. وهنا تأتي مسألة سلطة القرار. فباعتبار أنّ امتحانات ختم الدرورس الثانوية وامتحانات الدخول إلى الجامعات امتحانات وطنية وقع إصدار قرار مركزي بإلغائها تماما. أمّا في الجامعات حيث القرار محلي ومستقل لكل جامعة، في إطار تشاور وتنافس بين الجامعات، فقد ألغيَ الجانب الحضوري من الامتحانات وتمّ تحويلها إلى امتحانات عن بعد. واستوجب ذلك التخفيف في عدد الإختبارات أو إعادة هيكلة الإختبار للتماشي مع الإمكانيات التقنية ، كما تمّ إلغاء الإمتحانات القبل نهائية وغيره.
أمّا التكوين فقد انتقل بصورة كاملة، وفي جميع مراحله، إلى التعليم عن بعد. وتجنّدت الموارد لتقليص الفجوة الرقمية داخل البلاد ومعالجة عدم تكافؤ الفرص الناتج عن الاختلافات الكبيرة في الحالة الاجتماعية للطلبة. وهي محاولات لا غير وليست ضمانات. وهنا كان دور النقابات الطلابية والمهنية التي لم تعترض على هذا التمشّي وإنّما حصرت دورها في دفع الجامعات وأصحاب القرار باتجاه ضمان حقوق الطلاب والأساتذة ضمن الإطار العام الجديد.
لا يخفى أنّ هذا التمشي غير مضمون العواقب ولكنّه برأيي جمع بين الطارئ والمستدام. فالمهم هو ضمان مواصلة العملية التعليمية، لا فقط لأسباب تربوية وإنّما أيضا لأسباب نفسية واجتماعية تضمن تواصل الزمن المدرسي والإحاطة والتأطير في فترة صعبة جدا على المستوى النفسي. بل هي فترة محاولة البقاء على قيد الحياة ولذلك تصبح الأولوية إعطاء معنى للحياة اليومية الاستثنائية المحبِطة، على المستوى العاجل، وضمان نشر المعرفة والتعلّم على المستوى المتوسط، بانتظار عودة الحياة الطبيعية. وهي فترة تتطلب استنباط أساليب جديدة والتخلّي عن المصلحة الضيقة وضيق الأفق في التفكير.
وفي هذا لا تختلف بريطانيا عن غيرها. بل لعلّ تواصل العملية التعليمية في بلدان أكثر فقرا وأقل إمكانيات، كتونس مثلا، يصبح أكثر إلحاحا. وأيّ تعطّل لن يزيد الفجوة المعرفية والتنموية إلاّ اتّساعا وتعميقا.