فقد أوردت مصادر إعلامية متواترة أنّ الحكومة أوكلت المهمّة إلى جهاز المخابرات الداخلي شن بيت ووكالة الإستعلامات موساد، وذلك في حالة فريدة من نوعها. فكان أن قام الجهازان بعمليتين على غاية من الخطورة. أولاهما، كما أوردت تصحيفة البريطانية الإندبندنت بتاريخ 16 مارس الجاري، تتمثل في تطوير وسائل التجسّس على المواطنين الإسرائيسيين لتقصّي أعراض المرض وتاريخهم الصحي عبر هواتفهم الذكية. أما العملية الثانية، كما ذكرت جريدة تايمز أوف إسرئيل بتاريخ 26 مارس في مقال بعنوان «الموساد تجلب 400،000 وحدة إختبار إلى إسرائيل»، فتتمثل في القيام بعمليات مخابراتية دولية سرّية للغاية للحصول على أكبر عدد ممكن من أدوات الإختبار ووسائل الوقاية الطبّية. فكان أن أدخلت الموساد إلى اسرائيل 100000 جهاز اختبار بسرعة ملحوظة ومن مصادر رفض رئيس الوزراء الكشف عنها. ولكنّ الجدير بالذكر أنّ وكالة أنباء رويترز كانت قد كشفت يوم 19 مارس أنّ الوحدات الإختبارية متأتية من الخليج العربي وأن العملية تمّت بسرية مطلقة إلى درجة أنّ وزير المخابرات نفسه لم يكن على علم بها. وحسب الجريدة الإسرائيلية نفسها فقد بلغ عدد الوحدات المستجلبة إلى غاية يوم الخميس الفارط 400000 وحدة. ويشار إلى أنّ إسرائيل سجلت إلى غاية نفس اليوم 2693 إصابة بالفيروس وسبعة وفيات.
من المعلوم أنّ لبجامين نتنياهو حساباته السياسية الملحّة خاصة بعد أن فشل في تكوين حكومة إثر الانتخابات الأخيرة ولمينجح في التخلص من الملاحقات القضاءية التي تلاحقه في قضايا فساد واستغلال نفوذ. ومن المعروف أنّ الموساد والجيش الاسرائيلي روّاد في مجالات الأمن السيبيرني وأنّ تقنيات التجسّس عبر الهواتف الذكية شكلت سلاحا فتّاكا ضد النشطاء الفلسطينيين وحتى قيادات عسكرية وعلمية مهمة في إيران ولبنان وسوريا. ولكن درجة القدرة على التجسّس على أجساد المواطنين الإسرائليين أنفسهم وعلى حياتهم بلغت حدودًا غير مسبوقة جعلت أحد الكتاب الإسرائليين يسمّي حكومة نتنياهو بالدكتاتورية الأولى لفيروس كورونا.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
هذا التسخير للعلم والجوسسة يهدف أساسا إلى الحفاظ ليس فقط على حكومة نتنياهو بل على إسرائيل كدولة احتلال قوامها حماية هويتها العرقية والدينية والعسكرية وإحكام هيمنتها على الشعب المستعمَر. وهو طبعا خرق صارخ لوهم الديمقراطية التي تتباهى بها الدولة المحتلّة. إذ يقابل هذا الجهد الشامل الذي أصبح يشكّل سياسة وبائية وسياسة هيمنة في نفس الوقت محاصرة خانقة لقطاع غزة وحرمان أكثر من مليون فلسطيني من أبسط الخدمات الطبّية وبذلك وضعهم في مواجهة كارثة حقيقية محتملة قد تصل حدّ الإبادة.
أما بصورة أشمل فإنّ ما تقوم به اسرائيل حالة تحتاج تأمّلا عميقا وتعرية إعلامية شاملة. وهو أيضا لا يعدو أن يكون مقدّمة لما يمكن أن يؤول إليه العالم في خضمّ حربه على الوباء في عصر الرقمنة الغير متكافئة.
بقلم: محمد صالح عمري
(أساذ الأدب العربي والمقارن بجامعة أكسفرد)