وعلى مصالح الناس. وبالرغم من أن المشهد الناتج عن انتخابات 2019 يترجم بحثا غير مكتمل عن توازنات سياسية جديدة متلائمة مع المرحلة فإن ذلك لا يبرر تعطيل مسار البلاد وتعطيل سير دواليب الدولة. أي أن المطلوب يتمثل في فك الارتباط بين تعقيد المشهد السياسي من جهة أولى ومتطلبات المستلزم الوطني من جهة أخرى. أو بمعنى آخر، تأجيل الأهداف الخاصة بالأحزاب والتحالفات وتخمينات وتوجهات وقرارات الاقتراب من هذا أو الابتعاد عن ذاك، مهما كانت مشروعية تلك المناهج والسلوكيات الفكرية والسياسية، والحكم فقط بما من شأنه أن يوفر الظروف الملائمة للحد الأدنى من الحكم الرشيد. بما يعني اعتماد تمشّ على أساس «الحد الأدنى المبدئي والعملي». ويتطلب ذلك توفير أربعة عناصر منهجية لو وقع اعتمادها لتمكنت البلاد من حلحلة أوضاعها بالرغم من تعقيداتها. العنصر الأول إلغاء «مطالبة الأحزاب بالبطاقة عدد 3 السياسية»، ليبقى المطلوب الأخلاقي الوحيد الممكن في هذه الحال هو الالتزام بما سيقع التوقيع عليه وإبقاء مسألة الحكم الأخلاقي على مختلف الأطراف للانتخابات. العنصر الثاني إعادة التنصيص، ضمن الاتفاق موضوع الجدل والبحث المشترك، على المبادئ العامة الضرورية للحكم ومطالبة الجميع بالالتزام الجماعي في شأنها، والمتمثلة في عدم الخلط بين الديني والسياسي ونبذ التكفير والعنف والتسفير واحترام الحريات وحقوق الانسان والمساواة بين المرأة والرجل والاعتراف بحقيقة ومكاسب الثورة الديمقراطية كرافد جديد ومدعم لثورة التحرر الوطني واعتماد الشفافية في مسائل الشأن العام وتطبيق القانون على الجميع. العنصر الثالث وضع مبادئ الحكم الرشيد للفترة النيابية، التي تخص السياسي والمؤسساتي والتنموي. ويهم السياسي وضع الآليات التي تحد من الفوضى الحزبية والتشرذم والتناحر والانتهازية والسلوك المنفعي والغنائمي تجاه الدولة والمحاباة الجهوية والعائلية والفئوية، كما يعنى هذا العنصر بالتمويل العمومي للعمل الحزبي ومقاومة طغيان المال على السياسة.
ويتعلق المؤسساتي بتدارك ما وقع التفطن إليه من ثغرات في الدستور وفي القانون الانتخابي للتعديل المطلوب في اتجاه تحسين فاعلية الحوكمة. ويرتبط التنموي بوضع الأسس التي سيتم عليها بناء الحل التنموي الإصلاحي، أي كيفية توفير توجه جديد لسياسات التنمية، قادر على بداية التجاوز للثغرات الهيكلية المعروفة التي عطلت المسيرة التنموية قبل الثورة وبعد الثورة. أما العنصر الرابع والأخير فيتثمل في ضبط جملة الأهداف العملية، والآليات التابعة لها، التي ستجسد مبادئ السياسي والمؤسساتي والتنموي. وهو عنصر مرتبط بأمرين: التناغم والوضوح. وهو نوع من التمشي، فيما يخص هذا العنصر الرابع والأخير والهام، الذي يكفينا مشقة نعت القرارات والإجراءات بالصعبة أو السهلة، الحلوة أو المرة، الماسحة أو الجارحة. حيث أنه انطلاقا من ضرورات تناغم عناصر التصور والتمشي والبرمجة فإن ذلك يكفي البلاد شر قتال النعوت. بصفة أوضح فإن صياغة العنصر الرابع تنبني على احتساب ما لها وما عليها بالنسبة لكل أطراف العملية السياسية والاجتماعية والتنموية على أساس توضيح مآلات مختلف السيناريوهات، حتى يكون الجميع على بينة من عواقب هذا الخيار أو ذاك ومن عواقب الكل على البلاد في مجملها. أي أن العنصر الرابع لا يرتبط بمدى الكفاءة في لعب مقابلات في الشطرنج وإنما في النفاذ نحو الحل الوطني المشترك المقنع الذي بصياغته يخلق بنفسه ولنفسه الحزام الفكري والسياسي المطلوب.