التي ترصد غضبه وطموحاته وكذلك احباطاته ، وان كانت هذه التقارير لا تشي بكثير من التفاؤل ، نظرا لاستمرار تجاهل صناع القرار لهذه الفئة العمرية ولدورها في صناعة المستقبل ، فان الشباب الذي كان له الفضل في كسر جدران الخوف في العقد الاخير لازال يحافظ على حيويته ولايزال يؤمن بان الاحتجاج والتظاهر وافتكاك الفضاءات العامة التي حرمت منها اجيال قبله هي السبيل لإرساء بديل سياسي يؤسس الى مجتمع عادل يكون له فيه الدور المحوري .
في صيف 2016، نشرت مجلة «الايكونوميست» الصادرة باللغة الانجليزية تقريرا مهما حول الشباب والمستقبل تحت عنوان: «النظر الى المستقبل بغضب» جاء فيه ، اساسا، ان هناك مفارقات غريبة في المنطقة العربية من بينها :
- ان ارتفاع نسبة الشباب في التركيبة السكانية في أي منطقة من العالم يعتبر عاملا ايجابيا ومحركا للإنتاج ودافعا بالاقتصاد نحو التطوّر، ما عدا في المنطقة العربية فهو لعنة وعبء يسعى الكل الى التخلص منه،
- ان في مناطق العالم الاخرى ، كلما ازدادت سنوات دراستك ، كلما تحسنت فرص تحصلك على عمل ، الا ان في المنطقة العربية يحصل العكس، اصحاب الشهائد الجامعية هم الاكثر عرضة من غيرهم للبطالة.
ويستشهد التقرير بأوضاع الشباب في مصر مثلا ، حيث تصل بطالة الحاصلين على مستوى جامعي الى 34 ٪ ، في حين لا تتجاوز الـ2 ٪ لدى اولئك الذين لهم مستوى تعليمي لا يفوق الشهادة الابتدائية، ثم يخلص التقرير الى تقديم رؤية قاتمة حول مصير هذا الشباب ،المرغم على خيارات لا تليق بما يحمله من طاقات ولا بما قدمه من تضحيات خلال الانتفاضات : مواجهة الفقر في بلده الام أو الهجرة، بما تحمله من مخاطر احيانا، أو القتال في بؤر التوتر.
تقرير التنمية الانسانية الصادر في نفس السنة عن برنامج الامم المتحدة الانمائي، وهو أول تقرير يركز على الشباب في المنطقة ، لا يقل تشاؤما ، حيث يرى ان الشباب الذي يمثل ثلث سكان المنطقة العربية ، والذي كان في طليعة التحركات الاحتجاجية المنادية بالديمقراطية والعدالة خلال سنتي2010و 2011، يعيش «اكثر من وقت مضى» الفقر والاوضاع الاجتماعية الصعبة والاقصاء ، وانه اذا ما تواصلت هذه الاوضاع ، فإننا سنرث مجتمعات عاجزة ، تعاني الركود والفشل، ثم تخلص مديرة المكتب الاقليمي للدول العربية في برنامج الامم المتحدة، صوفي دوكاين، الى انه ، «إثر موجات الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة العربية منذ 2011، لم يعد بإمكاننا معاملة الشباب العربي في المنطقة على انه عالة سلبية على المجتمع أو جيل ينتظر دوره.»
طبعا ، مثل هذه التقارير المفزعة التي تنبه الى المخاطر التي تعيشها الاجيال المقبلة والتي من المفروض ان تكون مصدر الهام للسياسيين وصناع القرار ، يتحسسون عبرها المخاطر ويرسمون على ضوئها مستقبل بلدانهم ، توضع على رفوف المكاتب ولا يقرأها الا قلة قليلة من المثقفين المهمشين الذين لا يمتلكون اية سلطة قرار.
تقرير اخر لا يقل تشاؤما صدر عن مؤسسة فريديريش التي قامت باستطلاع اجرته مع شباب من ثماني دول في منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط (بين سنتي 2017 و2018) وذلك بغاية تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئة في المنطقة وخلصت الى ان الشباب الذي يسعى الى تحمّل المسؤولية في المجتمع كثيرا ما يصطدم بمقاومة وقيود تزيد من احباطه وتبرمه.
و في تونس ، يمثل الشباب بين 16 و30 سنة حوالي ثلث السكان ورغم انه يعتبر من المشاركين بقوة في احداث الثورة التونسية محاولة منه للوقوف «ضد اليأس والتفاوت الاجتماعي» ، الا ان الاغلبية منهم سرعان ما يتملكهم احساس بان «الثورة قد سرقت منهم» وينبه التقرير الى ان الاستمرار في اليأس لدى الشباب يمكن ان « يزعزع مسار تونس وينزع عنها شرعية التغيير.» وبصفة عامة ، يعيش الشباب في تونس حالة من الغموض حول مستقبله ، غموض يحمل خطرا كبيرا ويتمثل في رغبة جامحة لمغادرة البلاد، ليخلص التقرير إلى انه «اذا ما اردنا تجنب هذه الهجرة التي تستنزف قدرات البلاد فيجب «التخفيف من احباطهم» لان الهجرة المتصاعدة تعني بالضرورة فشلا مبينا لمسار الانتقال الذي دشنه هذا الشباب الطموح ذات سنة 2010.
ان تواصل احتجاج الاجيال الصاعدة حتى بعد ما سمي بالربيع العربي ليطال بلدانا اخرى في المنطقة مرده مواصلة تهميش الذي يتعرض له الشباب ، المتعلم خاصة ، وتؤكد مختلف التقارير الى ان المظاهرات المتواصلة في العراق ولبنان وغيرها من بلدان العربية لها قواسم مشتركة ، اهمها غياب الثقة في انظمة فشلت كليا في تلبية طموحات شعوبها، وخاصة الشباب الذي بدأ يتطلع الى اصلاح سياسي يكون مدخلا اساسيا للعدالة الاجتماعية والكرامة.