منظومة الفساد بين محاولات التفكيك وخطر الإيغال (الجزء الثاني والأخير)

بقلم: محمد العيادي
القاضي الإداري وعضو مجلس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد

• ثانيا : من خلال تجربة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد
بالرغم من أنّ إحداث الهيئة يعود إلى تاريخ 14 نوفمبر 2011 كهيئة دائمة ومستقلة أنشئت لتخلف لجنة المرحوم عبد الفتاح عمر، فإنّ مقدراتها لم تكن تكفي لتنفيذ مهامها المضبوطة بموجب المرسوم الإطاري المحدث لها، فرصيدها البشري الذي انطلقت به في بداية 2012 اقتصر على 4 محقّقين و5 إداريين، أما مواردها المالية آنذاك فقد كانت ضعيفة ولم تتجاوز 312,000دينارا مخصّصة بالأساس لخلاص معاليم كراء مقرّها الرئيسي، وقد ترتّب عن ذلك غياب أي نشاط ملحوظ لهذه الهيئة وعدم إصدارها لأيّ تقرير سنوي عن نشاطها بعنوان سنوات 2012 و2013 و2014 و2015.
وقد بقي هذا الحال إلى تاريخ 6 جانفي 2016 الموافق لتعيين الأستاذ شوقي الطبيب رئيسا جديدا للهيئة، حيث تم الشروع في تحسين الوضعية الداخلية للهيئة من خلال تدعيم البنية التحتية للمقر وإثراء رصيدها البشري بالموظفين والمحقّقين، فضلا عن الشروع في فتح مكاتب جهوية للهيئة وصل عددها اليوم إلى 14 مكتبا جهويا في انتظار استكمال تركيزها في كامل جهات البلاد.

وقد أمكن للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد منذ جانفي 2016 أن تستقبل سنويا في حدود العشرة آلاف عريضة، أما عدد الملفات المحالة إلى القضاء فقد بلغ 94 ملفا بعنوان سنة 2016 و 245 ملفا سنة 2017 و200 ملفا سنة 2018، وتعلقت الجرائم موضوع الإحالات المذكورة بالاستيلاء على أموال عمومية وبالتلاعب بنتائج المناظرات والانتدابات وبالصفقات العمومية والرشوة إلى جانب ما تعلّق منها بسير المرافق العمومية الحيوية وخاصة منها الديوانة والصحة وقطاع المعادن النفيسة والقطاع البنكي والمالي والجبائي، فضلا عن عدد لا يستهان به من الملفات المتعلقة بشبهات غسل وتبييض للأموال.
ولعل ما يلفت الإنتباه، أنّ الملفات التي أحالتها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على غرار تلك المنسوبة للجنة المرحوم عبد الفتاح عمر لا تزال تعرف نفس المصير من التباطؤ في المعالجة والغياب الواضح للمحاكمات، فضلا عن تواصل تذبذب الدعم الكافي واللوجستي لها وللسلطة القضائية ولمختلف هياكل الرقابة بالرغم من التعهدات الحكومية المسجلة في هذا المجال10.

ولعل أبرز تجليات غياب هذا الدعم تتمثل بالأساس في عدم إصدار الحكومة للأمر المتعلق بتعيين أعضاء جهاز الوقاية والتقصي المنصوص عليه بالفصل 31 من المرسوم الإطاري المحدث للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد باعتبار أنه الجهاز المؤهل قانونا بالبحث والتقصي في جرائم الفساد.
كما أنه ولئن أعلنت حكومة الوحدة الوطنية حربها عن الفساد وانخرطت في النقاش الوطني حول وضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، فإنّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مازالت تكرّر من خلال البلاغات الصادرة عنها والتصاريح الصحفية الصادرة عن رئيسها، أنّ هياكل الرقابة المكلفة بمكافحة الفساد، بما فيها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتلك التابعة للسلطة القضائية، ليست سوى هياكل جوفاء تعيش تحت خط الفقر.

فضلا عن ذلكـ، فقد لوحظ تعمّد مجلس نواب الشعب عدم تفعيل أحكام الفصلين 125 و130 من الدستور فيما اقتضته من تركيز لهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد كهيئة دستورية مستقلة تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية ينتخب أعضاؤها بأغلبية معززة تتولى المساهمة في سياسات الحوكمة الرشيدة ومنع الفساد ومكافحته من خلال رصد حالات الفساد في القطاعين العام والخاص والتقصي فيها والتحقق منها قبل إحالتها على الجهات المعنية.

كما أنه ولئن توّجت مجهودات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بإمضاء الإستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، علاوة على توفقها في إعادة ملف مكافحة الفساد إلى أعلى قائمة أولويات المواطن والدولة على حدّ السواء، تماما كسائر الأولويات الأخرى كمكافحة الإرهاب والتنمية الإقتصادية ومكافحة غلاء المعيشة، فإنّ تلكؤ بارزا بان وتواصل على مستوى رصد الميزانية الخاصة بتنفيذ الخطة العملية السنوية للإستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، فضلا عن عدم إمضاء مجلس نواب الشعب على ميثاق تلك الإستراتيجية إلى حدّ الآن.
ومن جهة أخرى، تواصل عدم إصدار النصوص التطبيقية اللازمة لتفعيل القانون عدد 10 لسنة 2017 المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين وكذلك تلك المنصوص عليها بالقانون عدد 46 لسنة 2018 المؤرخ في 1 أوت 2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضاترب المصالح، دون إغفال تعنّت رؤساء الوزارات والإدارات والمؤسسات على مستوى الإنصياع والتفاعل الإيجابي المطلوب مع قرارات الحماية التي تصدرها الهيئة لفائدة المبلّغين عن الفساد بما دفعها إلى رفع شكاوى جزائية ضدّ عدد منهم طبقا لما يقتضيه القانون، علاوة عن تسجيل تواصل عدم تجاوب الجمعيات والأحزاب السياسية مع قانون التصريح بالمكاسب والمصالح بما دفعها إلى توجيه 36 شكاية جزائية إلى النيابة العمومية لتفعيل الخطايا بالنسبة للأشخاص الممتنعين عن التصريح غير المنتمين إلى القطاع العام11.

• ثالثا: تشخيص منظومة الفساد من خلال التقارير الوطنية والدولية

أ: من خلال الدراسة التي أعدّها المعهد الوطني للإحصاء والمنشورة خلال سنة 2015
بناء على هذه الدراسة والتي شملت 10600 مواطنا من الفئة العمرية التي تفوق 18 سنة، فإنّ 50% من المستجوبين أقرّوا بوجود ظاهرة الفساد في كثير من مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى وجود معاملات مشبوهة مبنية على الفساد والرشوة في مناطقهم، وبحسب ذات الدراسة يأتي قطاع الأمن في الطليعة يليه قطاع الصحة ثم العمد، كما يرى 70 % من المستجوبين أنّ المجهودات المبذولة لمكافحة الفساد قليلة الفاعلية أو هي دون فاعلية تذكر، فضلا عن أنّ 55 % منهم فقط كانوا على علم بوجود هيئة وطنية لمكافحة الفساد ، و70 % من هؤلاء يرون أنّ جهود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ليست ذات فاعلية.

ب: من خلال تقرير مؤسسة برتلسمان لسنة 2016
أبرز مؤشّر التحولات الصادر عن هذه المؤسسة لسنة 2016 ضعفا ملحوظا على مستوى التحول الإقتصادي وخاصة ضعف أداء إدارة الحكم بتونس، حيث أظهر المؤشر ضعفا في تنفيذ السياسات والبرامج (4 /10 ) وفي التصرف الأمثل في الموارد (4 /10)، بالإضافة إلى الضعف الفادح في وضع سياسة فعالة لمكافحة الفساد (3 /10)، ذلك أنه وبالرغم من التحول السياسي الذي شهدته تونس منذ ثورة 2011، فإنّ نموذجها الإقتصادي بقي على حاله ولم تتم معالجة التفاوت الإقتصادي والإجتماعي بين المناطق الحضرية والمناطق الداخلية المحرومة، فضلا عن أنّ سيطرة الشركات العمومية على الأسواق وكثرة التشاريع تمثّل عوائق للتنافسية المطلوبة بين الشركات الوطنية والدولية، كما أنّ البيروقراطية المرهقة فتحت الباب أمام الفساد والمحسوبية، وهو ما يفسّر ضعف مؤشر جودة الحكم بتونس (5.93 /10).
واستخلص «مؤشر برتلسمان» أنّ غياب آليات ووسائل المساءلة والمحاسبة لأصحاب المناصب العامة الذين يستغلون نفوذهم لم يؤثّر فقط على المؤسّسات، وإنّما مسّ أيضا وبالأساس الإقتصاد والمجتمع، وبالتالي أثّر على خلق الثروات وتحقيق النمو والرفاهية للمجتمع.
ت: من خلال تقرير مجموعة الأزمات الدولية حول الشرق الأوسط وشمال افريقيا عدد 177 والصادر بتاريخ 10 ماي 2017 تحت عنوان «الانتقال المعطّل في تونس: فساد مالي ونعرات جهوية»

تضمّن هذا التقرير تشخيصا لواقع الفساد في تونس بعد الثورة من خلال إبراز تواجد منظومة متكاملة قوامها «الفساد والزبونية» قوّضت عملية الإنتقال الديمقراطي، وبيان ذلك كان من خلال:

- ثبوت تواجد «رجال ظل» وأصحاب أعمال مستفيدين من المشاورات السياسية في أعلى السلطة وتحريكهم لخيوط اللعبة السياسية في الكواليس دفاعا عن مصالحهم الإقتصادية،
- انتشار الشعور بأنّ الدولة تعمل بطريقة «مافيوزية».

- كثرة الإجراءات الإقتصادية وضبابيتها واستخدامها من طرف موظّفي الإدارة، كلها عوامل عزّزت شبكات الحماية والزبونية،
- نزوع المواطنين بغرض حمايتهم من تعسّف الدولة، إما إلى السعي المتواصل للبحث عن أموال تمكّنهم من إنشاء شبكة علاقات أو دفع الرشاوى المطلوبة، أو إلى دعم أشكال التضامن القطاعية المهنية منها أو النقابية أو السياسية أو الجهوية أو العائلية...،

- تواصل بروز العائلات التقليدية النافذة المطالبة بالمزيد من الحرية للحصول على مشاريع في قطاعات تسعى إلى غزوها، وفي نفس الوقت من أجل إحكام سيطرتها على القطاعات المحمية أو التنافسية التي دأبت على الإستئثار بها من زمان،
- تقدّم العشرات من رجال ونساء الأعمال وانتخابهم في قائمات حزبية ليصبحوا أعضاء في مجلس نواب الشعب ويتمتّعون بالحصانة البرلمانية.

ث: من خلال تقرير مركز كارينغي للشرق الأوسط بتاريخ 10 نوفمبر 2017 تحت عنوان «عدوى الفساد في تونس: المرحلة الإنتقالية في خطر»
على غرار سابقه، لم يخل هذا التقرير بدوره من إثبات يبرز تغلغل منظومة الفساد والإفساد في مفاصل الدولة، ويمكن تلخيص أهم الإستخلاصات الواردة فيه فيما يلي:
- الفساد أضحى قوة مزعزعة للإستقرار في تونس،
- لبقاء عملية الإنتقال الديمقراطي، لابد لتونس أن تشنّ حربا لمجابهة نظام الكليبتوقراطية (حكم اللصوص)، وكذلك لمواجهة الفساد الصغير المتفشي على نطاق واسع،

- 76 % من 391 تونسيا مستجوبا في التقرير أكدوا أنّ الفساد اليوم أكثر مما كان في عهد بن علي،
- تمّت دمقرطة الفساد وأضحى هذا الأخير متاحا لأي كان وفي أي موضع (مستشفيات، شرطة، مدارس رسمية، شركات خاصة...).

- 61 % من المستجوبين يعتقدون أنه عندما يملك شخص ما «علاقات مقرّبة وجيّدة»، فإنه يحتمل للغاية أن يتوفر له الثراء الشخصي،
- بلغت ظاهرة الفساد بالمنطقة الحدودية تونس- ليبيا مستويات عالية، ممّا مكّن المهرّبين من استغلال خروج الوضع عن السيطرة من الجانبين لتوسيع مجال نشاطهم ليشمل تهريب الممنوعات وخاصة منها الأسلحة،
- تتحمّل السلطة السياسية ومنظومة الحكم في حقبات ثلاث (نظام بن علي والترويكا والنظام الحالي) مسؤولية تفشي ظاهرة الفساد.

الجزء الثاني: كيف السبيل لتفكيك منظومة الفساد؟
يستنتج من مجمل تجربتي اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وكذلك من مختلف التقارير الوطنية والدولية التي سبق استعراضها أعلاه، أنّ الفساد ليس مجرّد ظاهرة عابرة، بل أضحى متأصّلا في مؤسسات الدولة، حيث أنه يتحرك في شكل منظومة قائمة الذات.
ولعل من أهم أساب تنامي منظومة الفساد غياب السياسة والرؤية الواضحة في مجال حوكمة القطاع العام وتعزيز النزاهة به، وخصوصا في الجوانب المتعلقة بتحسين المردودية والتنافسية وضرورة اعتماد تقييم الأداء والسياسات العمومية توصّلا لضمان حسن إدارة المشاريع وتحقيقا لاستقلالية وشفافية المؤسسات، فضلا عن ضعف أداء الحكم الناتج عن ضعف بعض مؤسّسات الدولة وغياب إطار قانوني متكامل ومتجانس ومطابق للمعايير الدولية في مجال مكافحة الفساد12.
وفي تقديرنا، يقتضي الحال لمواجهة هذه المنظومة والحدّ من خطورتها على كيان الدولة تركيز منظومة نزاهة وطنية دائمة تحقّق غايتين أساسيتين: الشفافية أولا والمساءلة ثانيا.
وكل هذا، يستوجب إصلاحات عميقة وممنهجة تستهدف بالأساس الجانب القانوني والمؤسساتي، فضلا عن مراعاة مجمل التوصيات والمقترحات الصادرة في هذا المجال عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والمضمّنة بالأساس بتقاريرها السنوية.

• أولا : على المستوى القانوني:
لئن تمّ استكمال الترسانة التشريعية ذات العلاقة بالوقاية من الفساد ومكافحته بتتالي صدور قانون النفاذ إلى المعلومة وقانون حماية المبلغين وقانون هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد والقانون المحدث للقطب القضائي المالي والإقتصادي المتخصّص في جرائم الفساد المتشعبة وقانون التصريح بالمكاسب والمصالح ومكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح وقانون محكمة المحاسبات، فإنّ التشريع الجزائي التونسي في جانبيه الموضوعي والإجرائي مازال في حاجة إلى المراجعة حتى يتلاءم في أكثر من موضع مع المعايير الدولية وخاصة على مستوى التجريم والإنفاذ، وتوصلا كذلك إلى تحقيق النجاعة والفاعلية على مستوى تتبع جرائم الفساد وتوقيع العقوبات على مرتكبيها في آجال معقولة وفي إطار محاكمة عادلة تضمن بالأساس احترام قرينة البراءة وحقوق الدفاع.
في هذا الإطار، فقد ثبت من تقرير التقييم الذاتي لتطبيق الإتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، أنّ التشريع الجزائي التونسي الحالي غير متلائم على مستوى التجريم وإنفاذ القانون مع المعايير الدولية المعتمدة، وذلك في ما لا يقل عن 16 موضعا لعل من أهمها الرشوة والمتاجرة بالنفوذ بالنسبة للموظفين الوطنيين والأجانب والقضاة، وكذلك على مستوى التحقيقات المشتركة وأساليب التحري الخاصة، كما أنّ الأمر يقتضي مراجعة الأحكام المتعلقة بالتعاون الدولي وبتنظيم وإدارة الموجودات المجمّدة والمصادرة، وكذا الشأن لتلك المتعلقة بإرسال المعلومات وتبادلها وتنظيم مسألة سريتها...
كما لم يعد هنالك مبرّر اليوم إلى تعطيل إصدار النصوص التطبيقية المنصوص عليها على حد السواء بقانون حماية المبلغين وقانون التصريح بالمكاسب والمصالح حتى يتمّ تفعيل أحكام هذين القانونين على مستوى التطبيق وتتحقّق الأهداف والغايات منهما في طريق الشفافية والنزاهة على حدّ السواء.

• ثانيا: على المستوى المؤسساتي:
ينبغي العمل في هذا الإطار على إضفاء المزيد من الشفافية على مستوى طرق عمل ومعاملات المؤسسات العمومية والخاصة، ولن يكون ذلك متاحا إلا من خلال مراجعة طرق التصرف فيها وتركيز آليات المتابعة وتقييم الأداء داخلها، فضلا عن ضرورة إرساء منظومات رقابة داخلية قائمة على التصرف في المخاطر ودعم انخراط مجمل المؤسسات في المواصفات الوطنية والدولية المقرّرة في مجال الحوكمة والوقاية من الفساد على غرار المرجعية الوطنية للحوكمة.
كما يتعين في نفس السياق، الإسراع في نسق التحول الرقمي داخل الإدارة وجعله مشروعا دوليا حاضرا وثابتا في كل المجالات وخاصة منها التجاري والمالي، وهو مشروع يضمن مؤكدا سدّ منافذ الفساد ويمكّن من المعالجة الآلية للمعطيات والإحصائيات الكبيرة وتحليلها باعتبارها تقنيات حديثة تمكّن من استباق حدوث حالات الفساد وبالتالي من منعها.

• ثالثا: في ضرورة الإستئناس توصيات ومقترحات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد
لأنه ثبت أنّه لمجابهة منظومة الفساد لا يكفي الإعلان عن النوايا وسنّ النصوص ووضع المدونات وبعث الهيئات، فإنّ مجهود مكافحة الفساد يجب أن تتبناه الدولة وتقوده بجميع أجهزتها الفاعلة وبدعم من مختلف مكونات المجتمع المدني، فإنّ العمل في إطار الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد يكون السبيل للتخطيط والنجاح في تحقيق الأهداف وتحقيق الإنسجام بين مجمل المتدخلين.

وقد دأبت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، انطلاقا من الواجب المحمول عليها بالفصل 13 من القانون عدد 120 لسنة 2011 المحدث لها، ضمن تقاريرها السنوية وبلاغاتها الإعلامية ومذكراتها الموجهة إلى السلط العمومية على تقديم جملة من التوصيات والمقترحات والمبادئ التوجيهية العامة الحرية بالإستئناس والإعتماد، ويمكن تلخيص مجمل هذه المقترحات والتوصيات في النقاط التالية:

- تفعيل المجلس الأعلى للتصدي للفساد واسترداد أموال وممتلكات الدولة والتصرف فيها المحدث بموجب الأمر عدد 1425 لسنة 2012 المؤرخ في 31 أوت 2012 والذي لم يجتمع إلا في مناسبتين منذ إحداثه، وهو إطار يضمن وضوح الرؤى والسياسات ويكفل تحقيق الإنسجام المفقود بين سائر المتدخلين،
- مراجعة الإطار التشريعي المتعلق بتمويل الأحزاب السياسية والجمعيات وتوضيح مفهوم النفقات الإنتخابية وقواعدها المحاسبية واعتماد نظام عقوبات صارم بشأنها، بما يضمن الشفافية التامة في التمويل ويساعد على إرساء منظومة النزاهة في الحياة العامة.

- وضع إطار قانوني خاص بمؤسّسات سبر واستطلاع الآراء.
- مراجعة التسميات والتعيينات والترقيات بالوظيفة العمومية بخصوص من تعلّقت بهم شبهات فساد قوية ولم تتّخذ في شأنهم عقوبات تأديبية،

- تعزيز الرقابة على إجراءات الإنتدابات وإيقاف العمل بالممارسات والإتفاقيات المبرمة مع بعض الأطراف والمتعلقة بتخصيص نسبة من الإنتدابات لفائدة أبناء الأعوان.
- مراجعة النظام القانوني لتعيين كبار المسؤولين في مجالات الرقابة والتفقد والتدقيق والصفقات في اتجاه تكريس مبدأ التناوب والتداول بعد مدة معقولة،

- متابعة وتنفيذ التوصيات الواردة بتقارير التفقد، وإحالة المتورطين في الإنتهاكات والتجاوزات على القضاء أو إطلاق إجراءات تأديبية في شأنهم، كإيجاد آليات تدخل وقائية سريعة في حالات الفساد الثابتة في انتظار استكمال مسار التتبعات القضائية،
- اعتماد نظام تشهير موضوعي بملفات الفساد في الصفقات العمومية وتفعيل دور لجنة إقصاء المتعاملين الإقتصاديين ودعمها ماديا وبشريا لتحقيق النجاعة على أعمالها.

- مراجعة منظومة الصفقات العمومية وتعميم تطبيق المنظومة الإعلامية للصفقات والشراءات العمومية TUNEPS.
- تأطير سلطات النيابة العمومية لضمان سرعة ونجاعة تتبّع جرائم الفساد وذلك بتقييد سلطة إثارة التتبع والحفظ الراجعة لوكلاء الجمهورية بأجل محدّد من تاريخ تقديم الشكاية، فإذا لم يتمّ اتخاذ قرار بالتتبع أو بالحفظ في الأجل المضروب، يفتح للمتضرر باب القيام على المسؤولية الخاصة ضمانا للمساءلة وعدم الإفلات من العقاب،

- إعطاء الأولوية للبتّ في ملفات الفساد في نطاق السياسة الجزائية للدولة المنصوص عليها في الفصل 115 من الدستور،
- تقوية مدركات الجمعيات المساندة لمجهود مكافحة الفساد والصحفيين المختصين في تقفي واستقصاء ملفات الفساد.

-------
1 - الكلمة الإفتتاحية للمرحوم العميد عبد الفتاح عمر في افتتاحية تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفسادـ نوفمبر 2011 ، الصفحة الأولى.
2 - الدكتور عبد الواحد المكني: «تاريخ مقاومة الفساد بالبلاد التونسية: مقاربة تاريخية

3 - نفس المرجع السابق.
4 - كلمة المرحوم العميد عبد الفتاح عمر الواردة في افتتاح تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد المنشور في نوفمبر 2011.

5 - مقال بعنوان «تفكيك منظومة الفساد» منشور بجريدة الشعب التونسية بتاريخ 29 سبتمبر 2012.
6 - نفس المرجع السابق

7 - تقرير البنك الدولي حول تونس لسنة 2014 ، الصفحة 117.
8 - تصريح منشور بجريدة المغرب التونسية بعددها الصادر بتاريخ 5 ماتي 2016.

9 - تصريح إعلامي منشور بموقع باب بنات بتاريخ 22 ديسمبر 2017 على هامش ملتقى وطني نظّمته الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بمدينة الحمامات تحت شعار» المجتمع المدني يكافح الفساد»
10 - بحسب بيان الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المؤرخ في 15 نوفمبر 2016 المنشور على موقعها.
11 - بحسب بالبلاغ الإعلامي المؤرخ في 20 أوت 2018 الصادر عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لم يتجاوز عدد المتعاونين من الجمعيات سوى 1877 جمعية من أصل 17772، فيما لم يتجاوز عدد المتعاونين من الأحزاب السياسية سوى 34 حزبا من أصل 219 حزبا، ولم يتجاوز عدد المصرحين من مسيري الجمعيات والأحزاب تباعا سوى 22884 و538 مصرّحا.

12 - التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الصفحة 92 وما يليها.

(انتهى)

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115