حول المساواة بين الرجل والمرأة

بقلم: حسنأحمد جغام
كثيرا ما نسمع شعارات راقية، أقلّ ما نقول عنها إنّها في حياتنا «قول بلا فعل» من هذه

الشعارات «أن الإسلام أعطى للمرأة حقوقها»، والمراد من هذا القول: «أنّها متساوية مع الرجل في الحقوق»..
أجد نفسي أتساءل؟؟
أيّ مساواة يتحدّثون عنها والمرأة منقوصة في الإرث!!
أيّ مساواة والمرأة شهادتها ناقصة!!
أيّ مساواة والمرأة معدومة في تقرير المصير!!
أيّ مساواة والطلاق في يدّ الرجل وحده!!
أي مساواة وتعدد الزوجات حلال على الرجال، حرام على المرأة تعدّد الأزواج؟
أيّ مساواة وزواج التسرّي للرجال جائز، وعلى النساء ممنوع!!...
في الوقت الذي كانت تدور هذه التساؤلات في خاطري، أثير هذا الموضوع الخطير في الساحة الوطنيّة وعلى نطاق واسع وعلى المستوى الرسمي والاجتماعي والبرلماني..
في هذه الحالة لم أستطع أن أحتفظ بوجهة نظري حول ما يدور من جدال ونقاش في كواليس الحكومة ومجلس الشعب، عن المساواة بين الرجل والمرأة، ورغم أن هذه العبارة تعني معنى ديمقراطيًّا وحضاريًّا، لا يعترض عليه أحد، ولكن الإسلاميّين المتطرّفين، يحترزون عليها ويقفون في وجهها، خوفًا من أن تصل المساواة إلى «الإرث» وهو ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية في نظرهم...
إما إذا أردنا أن ننظر إلى هذه المسألة بأكثر عمق، وبالمعطيات الاقتصادية لهذا العصر، علينا أن نعود إلى العصر الذي تمّ فيه هذا التشريع، أعني الرجوع إلى أربعة عشر قرنا، لنرى ما هي أهم مصادر الأموال، سيما أنّ العرب في عهدهم الأوّل لم يعرف عنهم أنهم أصحاب حرف، كالنجارة والحدادة وما إلى ذلك من المهن.. ولعلّهم أطلقوا عبارة «المهنة» على أنّها مُهِينةٌ، بل وكانوا معروفين بغاراتهم على بعضهم، وبعد انتشار الإسلام تطوّرت الغارات وأصبحت تُعرف بالغزوات، وكان من أهم أهدافها الغنائم، وكان هناك نظام دقيق يضبط تقسيم تلك الغنائم، ما هو لبيت المال، وما هو فئّة لرسول الله، وما هو للقادة، وما هو للجندي صاحب حصان، وما هو للجنديّ المترجّل(1).
وتلك الغارات أو الغزوات كان يقوم بها الرجال لا النساء، ومن هذه الحقيقة شرّع الإسلام للرجل ضعف نصيب المرأة. وهو تشريع عادل وموضوعي في مثل تلك الظروف والأحداث...
ونذكّر بأنّ موضوع الميراث، في العهد الإسلامي الأول كان يشمل: «ملك اليمين، والجواري والإماء والعبيد والغنائم». وأسباب هذه المكاسب انقضت كما انقضى الزمن بتغيير عوامل الكسب، وبالتالي أصبح موضوع «الميراث» تاريخيًّا يمثّل مرحلة أوضاع اجتماعية معيّنة.
كذلك كان مبرّر قسمة «الميراث» مبيّنا على فكرة مسؤولية الرجل في الإنفاق، «إنّ الرجال قوّامون على النساء» وبالتالي فليس على المرأة سوى الطاعة، ويقال أن المرأة في العصر الجاهلي لم تكن ترث أي نصيب، أي أن المرأة انتقلت من اللاشيء إلى النصف منذ ظهور الإسلام حتى الآن، ولكنّها في هذا العصر أصبحت تتمتّع باستقلالها الاقتصادي. فطبيعي أن يتحوّل النصف إلى حقّ كامل.. سيما وهي اليوم في كثير من الحالات نجدها المسؤولة وحدها عن الانفاق..
ولما كان موضوع «الميراث» يعتمد على الاجتهاد بدليل أنّ بعض الأنظمة الإسلامية الشجاعة غيّرت قوانين «الميراث» فأصبحت البنت ترث مثل الولد. وفي ذلك يقول أحد الفقهاء المجتهدين: «إذا تعارض النص مع المصلحة غلبت المصلحة على النص..» وبالتالي من المنطق السليم أن يكون التعامل مع «الميراث» طبق الظّروف والأزمان رعاية للمصلحة العامة.
سيّما ونحن في هذا العصر وأسلوب الحياة تغيّر تماما بنسبة 360 درجة.. ولو كان النبي حيًّا بيننا لنسخ آية «الميراث»، كما نُسخت في عهده بعض الآيات التي أصبح يقال عنها «بقي نصّها ونسخ حكمها»(1).
أما حقيقة الوضع الحالي، فالمال مصدره مختلف عمّا كان في الماضي، فمن المنطق أن يتقاسمه الأبناء بالتساوي، بل في كثير من الحالات نجد أنّ المرأة أولى به للأسباب التالية: أوّلا: إنّ للرجل حظوظًا أوفر في كسب المال.
ثانيًا: في كثير من الحالات يتزوّج الرجل بزوجة ثانية متخلّيا عن مسؤولياته نحو الأطفال، فنجد الأم هي التي تقوم بمختلف التضحيات في سبيل تربية صغارها، نجدها تعمل في جميع المجالات، بما في ذلك الأشغال الوضيعة، وبذلك فهي تساهم في مصدر المال، مثلها مثل الرجل، وبالتالي من حقّها المساواة في الإرث.
ثالثا: عادة ما تكون البنت أكثر حنانا على والديها، وهي التي تقف إلى جانبهما حين يشرف أحدهما على العجز.. وبالتالي فهي أحقّ بالإرث من أخيها...
وأذكر على سبيل المثال: أنا شخصيًا لي ثلاثة أولاد وبنت وهي أصغرهم، والآن هي أم لثلاثة أطفال، ومع ذلك قلّ وندر أن يأتي يوم لا تراني فيه وتتفقّد أمّها، وهي لا تنام حتى تطلبني بالهاتف، وتسأل إن عدتُ إلى البيت أم مازلت في العمل. وأحد أبنائي يشتغل معي في المؤسسة نفسها، أحيانا لا أراه ليومين أو ثلاثة...
لذا وباتفاق مع أبنائي قلت لهم: أختكم هي الوريث الرابع بينكم بالتساوي في الإرث، وتلك هي وصيتي لهم منذ سنوات وليس في هذه الأيام. وهم مقتنعون بقراري هذا، بل يشاطرونني الرأي فيه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115