و يتحرر تناولها من الجزئي و الانفعالي و العاطفي الى دائرة العقلاني .
تتجاور في التناول الخلفية المواطنية المسكونة باليومي، مع الخلفية السياسية المسكونة بالمناكفات والتكتيكات و حرب المواقع مع العمق الفكري التحليلي الذي يركز على البحث في المسارات . وهذا التحول كاف بحد ذاته لاعتبار الثورة حدثا فارقا.
زاوية النظر الواسعة: سياق التاريخ والجيواستراتيجيا
• ثانيا:
حصيلة الثورة مقبولة جدا بمقياس هذا الصنف الخاص من الثورات غير المكتملة و التي تتحول الى مسارات انتقال ديموقراطي (اسبانيا /البرتغال /اليونان /بولونيا /اروبا الشرقية و الوسطى /امريكا اللاتينية /افريقيا جنوب الصحراء ) .الخاصية الاساسية هنا هي أن المعركة طويلة النفس بين جديد يتولد و قديم يرفض التسليم والاستسلام بل يستميت في استعادة المواقع .
• ثالثا:
حصيلة الثورة مقبولة جدا أيضا بمقياس المنطقة التي وقع فيها زلزال ربيع 2011.
كل الثورات المشابهة في الفضاءات الحضارية والجغرافية المغايرة حظيت بحواضن مالية و سياسية ومعنوية دعمت القوى الجديدة و حاصرت القوى القديمة .
ثورات الربيع العربي كانت استثناء في هذه الصورة العامة لاسباب عميقة ،حضارية و ثقافية و استراتيجية، كانت هي الاكثر تاثيرا من تدافع القوى الداخلية، ورجحت في الغالب ميزان القوى لصالح القديم فالقوى الجديدة لم تكن كلها تتمتع بمقبولية معقولة وهذا المعطى في غاية الاهمية.
• رابعا:
حصيلة الثورة مقبولة قياسا بمآلات المسارات الشقيقة (خمسة زائد واحد: مصر وليبيا واليمن وسوريا /زائد المغرب).
نسجل هذا. ولكن نشير ان اختلاف المآلات مرتبط بحجم الرهانات الدولية والاستراتيجية اكثر من ارتباطه باداء القوى الداخلية، دون غمط حق هذا العامل.
زاوية نظر من الداخل :تفاوت المنجز حسب المسارات
• خامسا:
الثورة كانت في العمق اعلانا على فشل مسارات الاصلاح الهاديء المتكررة لتجاوز التهميش الاجتماعي والتهميش السياسي اللذين تفاقما في دولة ما بعد الاستقلال .
لذلك كان المؤسسون موفقين حينما اسموها ثورة الحرية-لتجاوز التهميش السياسي -و الكرامة-لتجاوز التهميش الاجتماعي.
• سادسا:
المنجز السياسي مهم جدا :التاسيس القانوني/الاليات /الانتخابات /توزيع السلطة في المركز و خاصة بين السلطة و الجهات /فتح الباب امام تجديد الطبقة السياسيةو اهم ما حدث هو الانتخابات المحلية /التمكين للمرأة /مناخ الحريات /انطلاق عدد من مشاريع الاصلاح .
ابناء الدولة الديموقراطية واستحقاق الحرية في الطريق الصحيح رغم كل شيء.
• سابعا:
بالمقابل تعثر في:
- بناء الدولة الاجتماعية و استحقاق الكرامة.
- تكريس الحوكمة الرشيدة.
- قدرة الدولة.
• ثامنا :
من المسؤول عن الفجوة بين المنجز و الممكن ؟
المشكل في البلاد ظاهره اقتصادي اجتماعي و عمقه سياسي قيادي.
البرنامج المطلوب انجازه واضح باقدار كبيرة ولذلك حصل توافق سريع على النقاط ال 63في مفاوضات قرطاج الثانية.
السؤال المركزي هو من ينجز؟
• تاسعا:
أهم هدية تقدم للثورة و الثوار هو التقييم و النقد الذاتي.
يجب ان نكون صرحاء :لقد فشلت منظومة انتخابات 2014.
يحسب لها انها حافظت على الدولة وضمنت اقدارا من الاستقرار السياسي ،و هذا مهم جدا .و لكنها لم تحقق شيئا كثيرا في اهم وعود انتخابات 2014:الانتقال الاقتصادي .
نداء تونس لم يقدر ان يتحول الى حزب فاصبح عبءا على البلاد تحملت مؤسسات الدولة نتيجة صراعاته الداخلية .
النهضة سايرت ازمته واعطت انطباعا بخوف مبالغ فيه و كأنها كانت تبحث عن التأمين الذاتي .ربما قراءتها لما حصل في المنطقة لم تكن دقيقة .
والمعارضة لم تغادر مربع الاحتجاج لتقدم نفسها بديلا امام ازمة الحكم .اهدرت الفرصة ولذلك من عزف عن انتخاب الحزبين الاولين في ماي الماضي اتجه للمستقلين .
واتحاد الشغل استفاد من هشاشة المشهد الحزبي و السياسي ولم يبلور رؤية نقابية تتماشى مع اوضاع الانتقال.
والأعراف اعتبروا الدولة -الضعيفة -بقرة حلوبا .
هي مسؤولية مشتركة و لكن المسؤولية الاكبر تقع على النداء والنهضة اللذين لم يقدرا على التحول الى قاطرة للبناء.
ان المناورات التكتيكية قد تحقق مكاسب جزئية ومؤقتة لاصحابها و لكنها لا تبني الاوطان.
المستقبل
• عاشرا:
رغم كل شيء لا يزال امام التونسيين فرصة لتدارك الفجوة بين السياسي و الاقتصادي /الاجتماعي ،بين استحقاق الحرية واستحقاق الكرامة.
وتدارك طريقة ادارة مرحلة 19-14.
الوضع الدولي و تقلباته الكثيرة غير ضاغط على الحالة التونسية بل هو محتاج الى استقرارها .
والوضع الاقليمي منشغل بملفات اكثر الحاحية من محاصرة الثورة التونسية
و ملامح المشروع الوطني واضحة.
وكسب التونسيون خبرة في ادارة الازمات .
• الحادي عشرة:
هل تكون المرحلة القادمة فرصة لحل اشكال القيادة الوطنية؟
- من خلال الاشتغال على تمثيلية حزبية و مؤسساتية حقيقية وعقلانية للكتل الاجتماعية و الانتخابية الكبرى .
- ومن خلال تلمس ملامح مشروع وطني جامع يثبت السياسي و يدفع الاقتصادي ليكون له ريعه الاجتماعي.
مشروع وطني يجمع بين اصلاح الادارة والتعليم وموارد المالية و اصلاح المنظومات الحزبية ذاتها لتكون في مستوى يليق بالثورة و بالعصر
و لن يكون ذلك من دون العمل على كتلة سياسية و اجتماعية و مدنية وازنة.
ومن خلال جهد كبير تعبوي و ثقافي واتصالي مع القوى المجتمعية و خاصة الشباب و التاكيد على قيم الجهد و العمل و الاتقان.
الفرصة متوفرة
هناك حراك عقلاني وتقييمات هامة هنا وهناك في كل الأحزاب والعائلات والفعاليات .
نرجو أن نكون جميعا في مستوى المسؤولية وفي مستوى الوفاء لدماء الشهداء ولنضالات اجيال من التونسيين .
كل عام و الثورة بخير