، المصادق عليه من قبل مجلس نوّاب الشعب بتاريخ 13 سبتمبر 2017 والوارد على الهيئة بتاريخ 19 سبتمبر 2017 ، إلى رئيس الجمهورية، وذلك لعدم حصول الأغلبية المطلقة لاتخاذ قرار في الغرض طبق ما يقتضيه قانونها الأساسي عدد 14 لسنة 2014. وصدر هذا القرار عن الهيئة في جلستها المنعقدة بباردو يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2017».
تذكير بالأصل. ظل مشروع القانون الأساسي عدد 49 - 2015 مدة سنتين تقريبا في جدل قسم الحقوقيين والسياسيين والمجتمع المدني، ولم تحظ المبادرة الرئاسية حتى بمساندة من الحلفاء السياسيين من شأنها ضمان 109 صوتا في مجلس نواب الشعب اللازمة لتمريره، مما استلزم مراجعات وتوافقات سياسية مسترسلة. وأخيرا وبعد تعثر كبير وصل المشروع إلى الجلسة العامة..لكنه دخل ضعيفا للمجلس لتواصل الاقتناع من طرف العديد، داخل المجلس وخارجه، انه غير دستوري من أصله، ومهما كانت التعديلات المدخلة عليه، وأن لا مصالحة ممكنة إلا في ظل قانون العدالة الانتقالية ومبادئها التي تم إقرارها في الدستور. ولذلك كان منتظرا، منذ انطلاق النقاش، بان الطعن لعدم دستوريته آت لا ريب فيه.
تذكير بالشكل. تم تقديم مؤاخذات جدية في الشكل، كعدم استيفائه شرطا أساسيا وهو رأي المجلس الأعلى للقضاء اللازم وان كان استشاريا وغير ملزم، وهو من الشروط الشكلية الجوهرية. لكن وفي المقابل، تحرك المدافعون عن مشروع القانون، لصد هذا الطعن المقدم من طرف 38 نائبا وإسقاطه، مستدلين بأن بعض الموقعين على عريضة الطعن فندوا قيامهم بذلك، بل ذهبوا إلى حد التصريح في بيان رسمي انه وقع تدليس إمضاءاتهم. كما أعلم نائبان آخران الهيئة بانسحابهما من عريضة الطّعن. وقد أثار تبادل هذه المستندات والاتهامات جدلا جديا بل خطيرا وغير مسبوق والذي خصصت له الهيئة شديد العناية بمراسلة الطاعنين في خصوصها وتلقت من معارضي الدعوى بيانات إضافية وإجابات للطاعنين. هذا ما يفيده قرارها الذي لم يفصح عن فحوى كل هذه التقارير، والذي لم يجب على هذه الطلبات والادعاءات المتعلقة بقبول الدعوى، رغم أن الهيئة استخدمت الأسبوع الإضافي المتاح لها وأعلنت أنها ستستمع إلى ممثل عن كل طرف.
منطوق القرار. في تقديري ما وقع هو تأكيد أن الهيئة مصرة على تأويل عبارة « تتخذ الهيئة قراراتها بالأغلبية المطلقة لأعضائها» الواردة في الفصل 21 من قانونها لا يترك أمامها إلا فرضية واحدة ألا وهي إحالة الملف لرئيس الجمهورية دون الإعلان عن أي موقف وهو تأويل مريح لها. فعلا هذا الموقف يؤكد الموقف السابق للهيئة في قضية المجلس الأعلى للقضاء، وبذلك يؤكد فرضية نكران العدالة، بهروب الهيئة من الحسم، و التملص من المسؤولية، و برمي الكرة وللمرة الثانية في ميدان رئيس الجمهورية، ومنعنا من فقه قضاء دستوري كم أهل القضاء ، والحقوقيون، والطلبة، والمواطنون في حاجة إليه. جاء هذا القرار صامتا في صياغته، في حين أن اللجوء للقضاء ينتظر منه الكلام المفيد ولا الصمت الرهيب، في حاجة للإجابات على الأسئلة القانونية المطروحة، و بكل وضوح، وبتعليل مناسب ثم الحسم. انه قرار صامت إذ أن لا أحد يعرف اليوم هل أن هذا الموقف يستند إلى الطعون المتعلقة بالشكل. من ذلك لا أحد يعرف ما هو موقف المحكمة من الطعن المتعلق بفقدان رأي المجلس الأعلى للقضاء المتعلق بمشروع القانون، وما هو موقفها في آثار المعارضة لأربعة موقعين على عريضة الطعن بأنهم لم يوقعوا عليها وذهبوا إلى اتهام مقدمي العريضة بالتدليس، وهل أنه يجوز سحب التوقيعات بعد ترسيم الدعوى كما تم من طرف موقعين اثنين.
بعد سنتين من التجربة والممارسة كنا ننتظر من الهيئة الوقتية بأن تجعل من قرارها هذا ، المتعلق بقانون بهذه الأهمية لما طاله من تجاذبات، وتغييرات، وصراعات قانونية وسياسية وبين الهيئات القضائية في غاية من الأهمية، قرارا نموذجيا في شكله، في مضمونه، في تعليله، في نتيجته، وهذا ما لم نلمسه في هذا القرار في المحصلة هذا القرار في تقديري يبرز أن القضاء الدستوري قضاء يخيف قضاته، وحتى يقع «التسليك» اختاروا هذا المخرج فلو تسألهم على ماذا فعلوا ستكون الإجابة لقد طبقنا القانون ،لكن القانون والحساب يقول أن التساوي في الأصوات ليس أغلبية ويحتم نتيجة معينة وهي التي تم اعتمادها من طرف المشرع. لكنها تبدو مقلقة للهيئة وتفضل عدم ترجيح كفة عن الأخرى وتتمسك بهذا الموقف ويصبح بذلك موقفها هو جعل رئيس الجمهورية القاضي النهائي في دستورية القوانين التي لم تتحصل على أغلبية أعضاء الهيئة حسب تأويلها.
ان بقرارها هذا فوضت الهيئة النظر إلى رئيس الجمهورية، وسيبقى له أن يختار بين الرد إلى المجلس للمصادقة عليه بأغلبية مميزة، أو بختمه ونشره. لكن لا يجب أن نغفل على أن هذا القانون سيبقى مهددا حتى بعد دخوله حيز النفاذ إذ يجوز الدفع بعدم دستوريته في يوم من الأيام أمام المحكمة الدستورية التي ستتعهد النظر فيه من جديد وان كان في حدود الدفع.