المبشّرين والمستشرقين ومنها من المسلمين أنفسهم سواء شخصيات أو تنظيمات وجمعيات بأساليب تفوق أسلوب الغزو العسكري لأنّها تجمع بين الخداع والخطورة والبساطة، وتصوّب ضرباتها نحو القضاء على الإسلام في نفوس المسلمين مع خلق نوع من الهزيمة النفسية بين المسلمين والقضاء على وحدة العالم الإسلامي ومحاولة وقف انتشار الإسلام وتشويه الإسلام في نظر الشعوب الأوروبية.
يقول القسّ سيمون : «إنّ الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد على التملّص من السيطرة الأوروبية، والتبشير عامل مهمّ في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحوّل بالتبشير اتجاه المسلمين على الوحدة الإسلامية « ويقول المبشّر براون «إذا اتّحد المسلمون في امبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً، أما إذا بقوا متفرّقين فإنّهم يظلّون حينئذٍ بلا وزن ولا تأثير لذلك يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرّقين ليبقوا بلا قوة ولا تأثير».» كتاب «جذور البلاغ» ص 202.
ويقول توينبي - وهو مؤرخ بريطاني شهير- في كتابه «الإسلام والغرب والمستقبل «ص 73 « إنّ الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ» ... في حين نجد نصوص القرآن تؤكّد على الوحدة وتحذّر من كلّ فرقة قال تعالى:» إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» الأنبياء:92 ويقول سبحانه « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا» آل عمران:103 ويقول: « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ « الحجرات:10 ويقول: « وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا» الأنفال:46
والثابت أن أكبر معاول تقويض هذه الوحدة وضرب خصوصيات العالم الإسلامي كان ولا يزال إلى اليوم بصناعة شخصيات وتنظيمات تلبس جبّة الإسلام وعمامته وتموّل بملايين الدولارات لكنّها ترمي إلى غير ما ترتديه وتوظّف للفعل المشبوه ولنا شاهد على ذلك مثالان ناطقان الأول هو «جمعية علماء المسلمين في الجزائر» ورأسها عبد الحميد ابن باديس و «اتحاد علماء المسلمين» ورأسه يوسف القرضاوي ..
• الجزائر و أكذوبة «جمعية علماء المسلمين» وإصلاحات ابن باديس الواهية ..
عاشت الجزائر فترة من الزمن طالت تحت أكذوبة «جمعية علماء المسلمين» وأكذوبة المصلح «عبد الحميد بن باديس» 1889 - 1940 وشريكه «البشير الإبراهيمي» 1889 - 1965 ..قد يبدو غريبا الحديث عن هذه الجمعية وعن هاتين الشخصيتين باستعمال لفظة «أكذوبة» وقد يثير هذا الاستعمال كبير الجدل وردود أفعال ...لكن سحب الغرابة تنقشع حين نعلم أنّ العديد من الحقائق التاريخية التي برزت للعيان وتحيلنا للتشكيك في هذه الجمعية وهذه الشخصيات التي أسستها وفي خفايا دواعي نشأتها ومضامين أدبياتها فلأوّل مرّة يجرؤ أحد مناضلي الحركة الوطنية الجزائرية اسمه بلعيد عبد السلام على كشف المستور حول الدور السلبي للشيخ البشير الإبراهيمي – من أبرز مؤسسي جمعية علماء المسلمين الجزائرية - تجاه القضيّة الوطنية وحرب التحرير الوطني وذلك في كتاب بعنوان»كتابات وتحليلات غير منشورة،حول قضايا ماضي غير بعيد» كشف فيه الدور المهادن والمتصالح سياسيا مع الإدارة الاستعمارية بل انتقد بلذاعة دور الشيخ الابراهيمي تجاه ثورة التحرير لأنّه كان مواليا للأنظمة العربية الملكية الموالية للاستعمار البريطاني التي كانت تكيد لجمال عبد الناصر الذي أطاح بالملكية المصرية وناصر الثورة الجزائرية،وهذا ما شكّل عقدة للإبراهيمي الذي احتفظ بكراهية لأحمد بن بلّة الذي وجد الدعم من عبد الناصر خلال الثورة وبعدها»
بهذه الشاكلة بدأت الإطاحة بصنم جمعية العلماء وبشيخها الابراهيمي ثمّ بالعودة إلى إستقراء التاريخ نجد أنّ «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين» تأسست سنة 1931 بالعاصمة الجزائرية على يد الشيخ عبد الحميد ابن باديس الذي حرّك خيوط اللعبة من بعيد عبر من ينوبه ولم يحضر فعاليات التأسيس والانتخاب بدعوى خشية السلطات الفرنسية وفي الحقيقة كان يخشى من أصحاب الطرق الصوفية أساسا فقد اكتشفوا مراميه لزرع الوهابية في الجزائر وهذا ما صرّح به الشيخ خير الدين - من أصدقاء ابن باديس - قائلا «وأسرّ إلينا ابن باديس أنه سوف لا يلبّي دعوة الإجتماع ولا يحضر يومه الأوّل حتى يقرّر المجتمعون استدعاءه ثانية بصفة رسمية ، لحضور الإجتماع العام فيكون بذلك مدعوا لا داعيا ، وبذلك يتجنّب ما سيكون من ردود فعل السلطة الفرنسية وأصحاب الزوايا ، ومن يتحرّجون من كلّ عمل يقوم به ابن باديس». وهكذا تأسست الجمعية ، وتشكّل مجلسها الإداري المنبثق عن الإجتماع العام فكان رئيسها عبد الحميد بن باديس ونائبه محمد البشير الإبراهيمي..
وهنا مربط الفرس ... فإلتقاء الشخصيتين كان في واقع ديني وثقافي واجتماعي للجزائر في عهد الاستعمار الفرنسي، يشهد بداية تغذية «تناطح» بين مشايخ الطرق الصوفية ومريديهم وزواياهم وأوقافهم المتغلغلين في جميع الحياة الجزائرية اجتماعية كانت أو تربوية أو ثقافية أو حتى ما ارتبط منها بالجانب السياسي والعسكري وبين بعض العلماء أو طلبة العلم الذين تبنوّا الفكر الإصلاحي التنويري لكنّه فكر وهابي في حقيقته فقد كان في ذلك الحين في أوج نشاطه في نجد وأرض الحجاز.
وهنا مربط الفرس ... إلتقاء الرجلين كان في تاريخ سابق لتاريخ سنة 1931 - تاريخ تكوين هذه الجمعية - فقد كان اللقاء بينهما في المملكة العربية السعودية معقل الوهابية سنة 1913 فرغم أن ابن باديس كان من خرّيجي جامع الزيتونة المعمور لكنّه تنكّر لهذا المعلم ولما درسه فيه فقد بلغ حدّ الطعن في شهائده العلمية بقوله « هذا هو التعليم الديني السني السلفي، فأين منه تعليمنا نحن اليوم وقبل اليوم منذ قرون وقرون؟ فقد حصلنا على شهادة العالمية من جامع الزيتونة ونحن لم ندرس آية واحدة من كتاب الله ولم يكن عندنا أي شوق أو أدنى رغبة في ذلك، ومن أين يكون لنا هذا ونحن لم نسمع من شيوخنا يوما منزلة القرآن من تعلم الدين والتفقه فيه ولا منزلة السنة النبوية من ذلك» الآثار 4/76...وتحوّل لحامل لفكر تبديعي جهادي تكفيري وتهجّم على شيوخه خصوصا على الشيخ العلاّمة الطاهر بن عاشور حدّ تفسيقه في عدّة مسائل خلافية أثارها المذهب الوهابي ولا يزال إلى يوم النّاس هذا وقد قال بلسانه كلاما خطيرا ترهيبيا في مقال موسوم ب»شيخ الإسلام بتونس يقاوم السنّة، ويؤيد البدعة، ويغري السلطة بالمسلمين» قال فيه حرفيا « وإن كان القارىء يودّ أن يعرف من هو هذا الذي تحلّى بهذا اللقب وأتى بهذه الشنع التي لا يأتي بها من ينتمي إنتماء صادقا للإسلام من عامة المسلمين فكيف بشيخ الإسلام؟ نعم كلّ أحد يتعجّب نهاية العجب أن يصدر هذا من شيخ الإسلام. ويزيد كاتب هذه السطور عجبا آخر فوق عجب كل أحد أن شيخه وأستاذه وصديقه الشيخ الطاهر بن عاشور هو الذي يأتي بهذا الباطل ويرتكب هذا الذنب....إنني امرؤ جبلت على حبّ شيوخي وأساتذتي وعلى احترامهم إلى حد بعيد، وخصوصا بعضهم، وأستاذي هذا من ذلك الخصوص، ولكن ماذا أصنع إذا ابتليت بهم في ميدان الدفاع عن الحق ونصرته ؟ لا يسعني وأنا مسلم أدين بقوله تعالى:»قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ «التوبة:24، إلاّ مقاومتهم وردّ عاديتهم عن الحق وأهله...»
أمّا الابراهيمي فهو دون شكّ خرّيج المدرسة الوهابية بالمدينة المنوّرة وهذا ما يقوله بلسانه» فأنا لم أتخرّج في جامع الزيتونة، ولم أقرأ فيه حرفًا، ولكنّي تخرّجت، بالمدينة المنوّرة،... المصدر جريدة «البصائر»، السنة الأولى، العدد 20، 22بتاريخ ماي 1936م.
وتلقّى الثنائي أبجديات المذهب الوهابي وقد أقاما معا مدّة تعارفا فيها وتحاورا معا في شأن الخطة «الإصلاحية» التي يجب أن تضبط لعلاج الأوضاع المتردّية في الجزائر، واتفقا على خدمة بلادهما متى عادا إليها وخدمته هي ضرب هويته الدينية ونشر الوهابية فيه .. وقد ذكر محمد البشير الإبراهيمي أنّهما لم يفترقا مدة إقامة عبد الحميد بن باديس بالحجاز، فكانا يقضيان الليل كلّه يحللان أوضاع الجزائر، ويحدّدان شروط و وسائل نهضتها».
ورغم رغبتهما في المكوث في المدينة المنوّرة إلاّ أن أصحاب المشروع الوهابي ورغبة منهم في نشره في دول المغرب العربي عبر هذا الثنائي فنصحوهما بضرورة العودة إلى الجزائر بدعوى خدمة بلادهما ومحاولة إنقاذها مما هي فيه والخفي نشر المذهب الوهابي فعاد ابن باديس إلى الجزائر عام 1913 م والتحق به الإبراهيمي سنة 1920 وشرعا في نشر ما تعلّماه في السعودية داخل المساجد حتّى سنة 1924 بداية فكرة إقامة جمعية العلماء لتكون واجهة لنشر المدّ الوهابي وقد ضبطا أصولها لتكون جمعية سلفية بامتياز في قوله « الأصل الخامس: سلوك السلف الصالح الصحابة والتابعين وأتباع التابعين مع تطبيق صحيح لهدي الإسلام . والأصل السادس: فهوم السلف الصالح أصدق الفهوم لحقائق الإسلام ونصوص الكتاب والسنة … والأصل السابع عشر: ندعو إلى ما دعا إليه الإسلام ، وما بيناه من الأحكام بالكتاب والسنة وهدي السلف الصالح من الأئمة «. الآثار 3 /155.وما يزيد تأكيد هذا اعتبار رئيس الجمعية الحركة الوهابية حركة تطهير للدّين خلال إجابة ابن باديس لمّا سئل : من هم الوهابيون ؟ فأجاب بقوله : « قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوة دينية ، فتبعه عليها قوم فلقبوا بالوهابيين ، لم يدع إلى مذهب مستقل في الفقه ، فإن أتباع النجديين كانوا قبله و لا زالوا إلى الآن بعده حنبليين ، يدرسون الفقه في كتب الحنابلة، ولم يدع إلى مذهب مستقل في العقائد فإن أتباعه كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن سنيين سلفيين ، أهل إثبات و تنزيه ، يؤمنون بالقدر و يثبتون الكسب و الاختيار ، ويصدقون بالرؤية ، ويثبتون الشفاعة ، و يترضون عن جميع السلف ، و لا يكفرون بالكبيرة ، و يثبتون الكرامة ...إنما كانت غاية دعوة ابن عبد الوهاب تطهير الدين من كل ما أحدث فيه المحدثون من البدع ، في الأقوال و الأعمال و العقائد ، والرجوع بالمسلمين إلى الصراط السوي من دينهم القويم بعد انحرافهم الكثير و زيغهم المبين» الآثار 5 / 32 - 34 .
فهل تكفي هذه القرائن التاريخية والشهادات الحيّة والفكرية لتثبت «أكذوبة» جمعية علماء المسلمين « والحركة الإصلاحية لابن باديس ؟
ألم تكن هذه الجمعية ومضامين أصولها من أسباب ما عاشته الجزائر في العشرية السوداء من إرهاب وتشددّ وإسلام سياسي فاشل ؟
وهل يمكن اعتبار هذه الجمعية في الماضي القريب وجها أول لعملة واحدة لما يسمّى اليوم ب»الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين» اتحاد القرضاوي ومن لفّ لفّه وما يقوم به من أدوار مشبوهة ؟
• الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ...باب القرضاوي والإخوان للإرهاب ...
قد تحتاج «جمعية علماء المسلمين» لإبن باديس ودورها وأصولها لقراءة تاريخية أكثر عمقا لكنّ القرضاوي بإتحاده لا يحتاج إلى كثير من التأريخ لأنّنا نرى كلّ شئ رأي العين بما حام حول دواعي نشأته منذ سنوات ومكان نشأته ومراميه وتمويلاته وبما عرف عن مسيرة يوسف القرضاوي بكثرة الاضطراب و الفوضى وتحديدا في صناعة الفتنة في العالم العربي منذ إندلاع ثورات الربيع العربي وحتى قبلها من ليبيا ومصر وسوريا إذ ساهم في عدة مواطن ومواقف ولعب عدة أدوار بارزة في صبّ الزيت على النار و إشعال الفتنة الكبرى لأنّ فتاوى القرضاوي لا تستند إلى القرآن ولا لسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر ما تتحرك بايعاز من أوامر الدواوين والسلاطين والملوك والأمراء ..ورغم أن بعض الدول منها دولة الإمارات اعتبرت هذا الاتحاد من جملة ً التنظيمات الإرهابية، فإنّه لا يزال ينشط وفي الحقيقة لم يستغرب المتابعون للشأن العام هذا القرار لأن لديهم شبه اليقين أن القرضاوي ومن ورائه وعبر هذا الاتحاد المزعوم لعلماء المسلمين لن ينفك عن السعي لزعزعة الأنظمة الديمقراطية والدول المدنية ..ولن ينفك عن التدخّل فيما لا يعنيه... ولن ينفك عن إثارة الفتن والأحقاد والجميع يتذكر مواقفه حيال الشيخ الشهيد البوطي رحمه الله /حيال القذافي وليبيا /حيال مصر /حيال تونس وثورتها /وحيال سوريا وأزمتها ... والجميع كذلك يعرف صمته المأجور حيال الأنظمة القطرية الملكية وكذلك شطحاته الإفتائية الغريبة مثل مباركته للعمليات الانتحارية وغيرها وكان القرضاوي أصدر في الآونة الأخيرة العديد من الفتاوى، التي اعتبرت مسيئة إلى الإسلام الحنيف وتسامحه.وكان لها عميق التأثير في ثورات الربيع العربي بشكل سلبي وخطير..
كما ثبت لدى العديد من أهل الفكر خاصة أن ما يسمّى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مؤسسة تثير الجدل والشك انطلاقا من ترؤس القرضاوي لها وصولا إلى انتماءات الشخصيات المكوّنة لها إذ تحمل أغلبها الفكر الوهابي وتتبنّى نشره إضافة إلى حملها للمشروع الاخواني العالمي والذي تجلّت مخاطره وبان فشله على جميع المستويات ...ما عدا النجاح في استمرار الفتن بين الشعوب العربية المسلمة واستمرار تخلفها وتبعيتها المطلقة للوبيات العالمية وإذا اقتصرنا على أسماء مثل القرضاوي في رئاسته والغنوشي وعبد المجيد النجار والخادمي نفهم التركيبة ونفهم الأهداف والتبعات والنتائج ..وإذا نظرنا إلى مرامي هذا الاتحاد من خلال تعداد أهدافه المنشودة والمنشورة في موقعه نتأكد أنه تنظيم يسعى للهيمنة على المجال الديني في العالم .
كما يحق لنا أن نتساءل من يمول هذا الاتحاد ؟ هل أن تركيبته تضم جميع علماء المسلمين ؟ من يعيّنهم ؟ من ينتخبهم ؟ ما هي مقاييس الانتماء لتركيبة الهيئة ؟
الثابت أن كل هذه الأسئلة تنتظر الإجابات و يكتنفها الغموض بشكل كبير ثم يحقّ لنا أيضا العودة إلى الملابسات التاريخية لتأسيس هذا الاتحاد منذ سنة 2002 حصل الإتفاق بين القطريين والإنقليز على إنشاء «اتحاد عالمي للمسلمين» في لندن ... تمامًا كما أنشؤوا من قبل محطة «الجزيرة» .... وكان الإعلان عن هذا المشروع العالمي الكبير عام 2004 ..
فالشكوك والريبة التي تحوّلت إلى يقين تتضاعف مع مرور الأيام إزاء دور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ودور القرضاوي خاصة ... وهاهو الاتحاد ومن خلاله القرضاوي قد لعبا الدور المطلوب منهما وهو مد العون للغرب حتى يتمكن من الهيمنة والتحكّم في أحوال المسلمين وفق استراتيجيات محبوكة هدفها مزيد تأجيج نيران الحروب والتقاتل بين المسلمين ..
والخطر من هذا الإتحاد على بلادنا وجود مكتب يمثّله بمنطقة مونبليزير بالعاصمة التونسية تنضوي تحته شخصيات نهضاوية إخوانية وهابية تدّعي قيامها بالمراجعات الفكرية وبالفصل بين السياسي والدعوي لكن إنضواءها تحت هذا الإتحاد يكشف تناقضها وعدم انسلاخها الحقيقي من الوهابية الإخوانية ويقوم هذا المكتب بدور مشبوه عنوانه «التعليم الموازي» نشر دعاية لدورات في التكوين التأهيل الشرعي وتخريج الدفعات وتوزيع الشهائد العلمية وغير ذلك من أنشطة الدمغجة ونشر ثقافة الوهابية ..
وإذا نظرنا إلى مرامي هذا الإتحاد من خلال تعداد أهدافه المنشودة والمنشورة في موقعه نتأكد أنه تنظيم يسعى للهيمنة على المجال الديني في العالم بدعوى أن بقية المؤسسات القائمة في العالم الإسلامي تقوم بأنواع مختلفة من الأنشطة العلمية والدعوية والخيرية، وبعضها يقتصر نشاطها على الجانب العلمي الأكاديمي، مثل المجامع الفقهية المعروفة.. مجمع
البحوث الإسلامية بالأزهر، ومجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.وبعض هذه المؤسسات يتبع الدولة التي نشأ فيها، وهي التي تعيّن أعضاءه، وهي التي تنفق عليه، وتتحكم إلى حد -يقل أو يكثر- في تصرفاته، أو توجهاته، أو هكذا يتصوّر الناس.وبعض هذه المؤسسات إقليمي بحكم تكوينه، فهو يخدم بلدًا معينًا، أو منطقة معينة، مثل المجمع الفقهي للهند، والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث. ولكن هذا الإتحاد مفتوح لكلّ علماء الإسلام في المشارق والمغارب،...وهنا يطرح السؤال الكبير هل أن تركيبته تضمّ جميع علماء المسلمين بمختلف مشاربهم ام وقع الإقتصار على أحباب القرضاوي فحسب ؟ طبعا الإجابة الثانية ..
ومن هنا تبدأ الشكوك والريبة ..كما تتضاعف هذه الاستفهامات كلّما تناولنا بقية الخصائص ..حيث تمت تغطية الإتحاد بأنه إتحاد إسلامي خالص- وفي هذا ترسيخ لفكرة الإتّجار بالدين واللعب على هذا الوتر للسيطرة على العالم إعلاميا عبر الجزيرة وغيرها وعبر هذا الاتحاد وتوظيفه لبرامج مستقبلية وذلك ما تم فعلا وهاهو الاتحاد ومن خلاله القرضاوي قد لعبا الدور المطلوب منهما - وبأنه يستمد من الإسلام منهجه، ويستهدي به في كل خطواته؛ وهو يمثّل المسلمين بكل مذاهبهم وطوائفهم...وفي الحقيقة ما هذا إلا غطاء ..
ومن المبادئ الثانية التي ارتكز عليها تأسيس هذا الاتحاد .. العالمية أي أنه ليس محليا ولا إقليميًا، ولا عربيًا ولا عجميًا، ولا شرقيًا ولا غربيًا، بل هو يمثل المسلمين في العالم الإسلامي كله، كما يمثل الأقليات والمجموعات الإسلامية خارج العالم الإسلامي.وفي هذا ايضا مدعاة للهيمنة والتحكّم في أحوال المسلمين وفق استراتيجيات محبوكة ..
إضافة إلى انتحاء صفة الشعبية أي أن هذا التنظيم ليس مؤسسة رسمية حكومية، وإنما يستمد قوته من ثقة الشعوب والجماهير المسلمة به. ولكنه لا يعادي الحكومات، بل يجتهد أن يفتح نوافذ للتعاون معها على ما فيه خير الإسلام والمسلمين...وهذا أيضا تلاعب وتهرّب وتغطية تظاهرا بالاستقلالية في حين أن الجهات المسيطرة والمموّلة والمحرّكة معلومة ومراميها أيضا مكشوفة ..
أمّا المضحك في كل هذا ادعاء أعضائه أنهم ينادون بالوسطية وأنهم لا يجنحون إلى الغلو والإفراط، ولا يميلون إلى التقصير والتفريط، وإنما يتبنون المنهج الوسط للأمة الوسط، وهو منهج التوسط والاعتدال...في حين أن جميع تصريحاتهم وخطبهم وكتبهم ومواقفهم وممارساتهم تدعو لعكس هذا ..بل كلها دعوات عنف وتكفير وتقتيل وإجرام ودعوات للتسفير وسردها يتطلب صفحات وصفحات ..
لن نطيل الخوض في الإخلالات الكبرى لهذه المؤسسة و»انجازاتها» خلال الأعوام القليلة في مزيد تأجيج نيران الحروب والتقاتل بين المسلمين بل نكتفي مبدئيا بالتطرّق إلى خبر استقالة العلامة عبد الله بن بيه من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين..وهي استقالة تحمل الكثير من الدلائل والاشارات لعلّ أبرزها إلى بداية انهيار هذه المؤسسة المشبوهة ..وبداية التفكير في التخلّص من هذا الاتحاد بعد أن تمّ توظيفه في فترة معينة للقيام بمهمات محددة واليوم وإزاء التحولات السريعة والأحداث الكبرى قد يصبح من الضروري سحب البساط من القرضاوي واتحاده والاستغناء عن شطحات طالت وتيرتها وأفسدت ما أفسدت ..