ويبدو واضحا ان اختزال مسألة الإطار القانوني الجديد للتعديل في هذه المسائل سببه نظرة السياسيين وحتى المهنيين إلى الميديا باعتبارها سلطة تعطي لمن يمتلكها القدرة على التحكم في الرأي العام وفي مصائر السياسيين، في حين يجب النظر إليها باعتبارها مؤسسة من مؤسسات الديمقراطية يجب أن تتوفر فيها شروط مخصوصة حتى تقوم بأدوارها وخاصة تلك المتصلة ببناء مجال عمومي متنوّع يتيح للمواطن المشاركة فيه كفاعل اجتماعي وسياسي يحتاج إلى مضامين ذات جودة تسمح له بفهم عالمه الاجتماعي وقضايا الشأن العام في إطار نقاش عمومي متنوّع يحتضن كل الأفكار. ومن هذا المنظور فإن منظومة التعديل حارسة هذا المجال العمومي إذ أنها تحمي الميديا من خطرين أساسين:
• سيطرة السلطة السياسية بشكل عام على النقاش العام الذي تديره الميديا . وهذا الخطر لا يزال ممكنا جدا في تونس لأن السياسيين ينظرون إلى الميديا والمؤسسات المتصلة بها باعتبارها أداة ووسيلة لا بد أن تخضع إلى سلطتهم.
• سيطرة المؤسّسات الاقتصاديّة الكبرى على الميديا التي تلعب دون المستشهر (المعلن) في إطار هيمنة الإعلان كمصدر أساسي للميديا السمعية البصرية. ففي السياق التونسي يشجع المستشهرون بطريقة غير مباشرة نموذج ميديا ترفيهية تبحث فقط على تحويل المشاهدين إلى مستهلكين للمواد الإشهارية بشكل فج أحيانا وتصميم البرمجة وفق غاية واحدة فقط تتمثل في تجميع المواطنين أمام الشاشة وتحويلهم إلى مستهلكين.
في منهجية تقييم منظومة التعديل في تونس
لم تخضع تجربة التعديل منذ إصدار المرسوم 116 إلى تقييم منهجي شامل أو حتى جزئي حتى نتبين الإصلاحات التي يجب إدخالها على المرسوم ليصبح قانونا أساسيا ينظم القطاع السمعي البصري بشكل فعّال، خاصة وأن عدة أحكام من هذا المرسوم بقيت حبرا على ورق.
إن التفكير المنهجي في تقييم منظومة التعديل أمر اساسي لتجاوز مقاربتين محدودتين. المقاربة «الانطباعية» من جهة أولى التي لا تستند إلى منطلقات رصينة وتكتفي بإطلاق الأحكام الانفعالية من نوع: التعديل لا فائدة منه ولا يصلح لشيء ولم يحقق شيئا.... والمقاربة الدفاعية من جهة ثانية التي تكتفي بالدفاع عن التعديل (مبدأ) دون النظر في فعاليته ومخرجاته (out-put) وهي مقاربة تكاد تكون إيديولوجية بما أنها تحوّل التعديل إلي غاية لذاتها دون النظر إلى مخرجاته النهائية أي حوكمة قطاع الميديا السمعية البصرية بشكل مستقل عن السلطة السياسية وعن التأثيرات السياسية الظاهرة والخفية والمساهمة في تطوير ميديا مستقلة وشفافة تخدم الثقافة الوطنية والنقاش الديمقراطي وحق المواطن في أخبار ومضامين جيدة.
يتمثّل البديل عن المقاربتين الانطباعية والدفاعية في مقاربة تقوم على منظورين: المنظور المعياري الذي يقيم منظومة التعديل من زاوية ما يجب أن تكون عليه الميديا في مجتمع ديمقراطي والمنظور الإجرائي الذي يقيم منظومة التعديل من جهة فعاليتها ومخرجاتها وقدرتها على ضمان حق المواطن في ميديا جيدة وعلى تحقيق الوظائف التي أوكلت إليها.
المنظور المعياري لتقييم منظومة التعديل
يستند المرسوم 116 إلى عدد من المعايير والقيم المتصلة بشكل وثيق بالنموذج الديمقراطي كحرية التعبير والمساواة والتعددية واحترام حرية المعتقد واحترام كرامة الإنسان والحياة الخاصة. هذه المعايير الأساسية ذات طبيعة ديمقراطية بها أنها تحيل إلى نموذج مجتمعي ديمقراطي قائم على المساواة بين المواطنين وعلى التعددية والتنوّع بما أن المجتمع الديمقراطي قائم على علوية الفرد / المواطن المستقل بذاته الذي يحظى، بالقانون، بحق التعبير الحّر.
ويمكن النظر أيضا إلى كراسات الشروط التي أصدرتها الهيئة التعديلية باعتبارها نصا معياريا وليس إجرائيا فحسب لأنها تتضمن أيضا عددا من المعايير التي أشار إلى المرسوم 116 كحرية التعبير والصحافة والمساواة وعدم التمييز وتعددية الأفكار وحرية المعتقد وعدم التحريض على العنف والكراهية وهذه المعايير مرتبطة بالميديا في علاقتها بالمجال العمومي الذي يظهر فيه الأفراد باعتبارهم مواطنين يشاركون في النقاش العام.
يبدو جليا إذن أن المرسوم 116 وكراسات الشروط ذات مرجعية ديمقراطية تحيل على نموذج مجتمع تعددي تقوم فيها الميديا بتمثيل التنوع السياسي والإيديولوجي.
المنظور الإجرائي لتقييم منظومة التعديل
يشمل هذا المنظور تنوع الميديا وشفافيتها وقابليتها للحياة اقتصاديا وقدرتها على خدمة الثقافة الوطنية وحماية المشاهد من الإشهار. وهذه المؤشرات اساسية إذا أردنا أن نتبين مخرجات منظومة التعديل الفعلية.
1 ) هل الميديا السمعية البصرية ميديا متنوعة؟
يتميز المشهد التلفزيوني بالمركزية فكل القنوات ذات الترخيص القانوني موجودة في تونس العاصمة. كما يتّسم المشهد التلفزيوني بانعدام القنوات التلفزيونية المتخصصة باستثناء قناة الإنسان التي تبدو من برامجها أنها قناة دينية دعوية. في المقابل فإن التنوع الجهوي موجود بشكل جلي في المجال الإذاعي. كما يتسم المجال السمعي البصري بتعايش الميديا العمومية والخاصة والجمعياتية وهي خاصية تونسية.
وبالاستناد إلى آخر تقرير عن التعدّدية السياسية في وسائل الإعلام السمعية البصرية الخاصة بالسداسي الأول لسنة 2016 نلاحظ أن القنوات الإذاعية والتلفزيونية (باستثناء قناة الإنسان التي تستأثر فيها حركة النهضة بـ %99 من الحيز الزمني للبرامج) تحترم بشكل عام مبدأ تمثيل التنوع السياسي، دون أن يعني ذلك أن النقاش السياسي في التلفزيون يخضع إلى معايير النقاش الديمقراطي المنفتح الذي تحول قي الحقيقة إلى مشهد منمّط يحتكره السياسيون يتصارعون فيه ويتبادلون فيه الشتائم مما ساهم في تعزيز الملل من السياسة لدى المواطنين.
2 ) هل تحمي منظومة التعديل المشاهد من الإشهار ؟
تحمي كراسات الشروط الجمهور من الإشهار عبر تحديد المدة القانونية المتاحة للإشهار ( 8 دقائق في الساعة بشكل عام و12 دقيقة في الساعة في شهر رمضان). لكن القنوات التلفزيونية لا تحترم هذه المعايير وتتجاوز مدة الإشهار المتاحة في الساعة الواحدة وتخلط بين الإشهار والمضامين في البرامج. فمع تراجع السوق الإشهارية تبحث مؤسسات الميديا السمعية البصرية على تعزيز مصادر تمويل عبر الإشهار مما أدى إلى انحرافات خطيرة تتمثل خاصة في إدماج الإشهار في البرامج حتى أن برامج بعينها (كبرامج الطبخ في شهر رمضان) تحولت إلى برامج تجارية. ويمثل هذا الخلط بعدا من أبعاد عملية سلعنة الميديا السمعية البصرية التونسية المتواصلة.
وتمثل برمجة شهر رمضان مثالا جيدا عن خضوع التلفزيون لمنطق السلعة وتصميم البرامج لاستقطاب الإشهار إذ نلاحظ هيمنة المسلسلات التي تتخللها الفواصل الإشهارية الطويلة دون أن تكون البرمجة قادرة على توفير التنوع المطلوب في شهر يتعاظم فيه استهلاك التلفزيون. وعلى هذا النحو فإن التنوع الذي تحدثنا عنه يكاد يصبح لا معنى له عندما يسود نموذج واحد منمطا لتلفزيون ترفيهي واستهلاكي يتكرر في كل القنوات : برامج حوارية مع مسلسلات تركية مع كرة قدم إذا توفرت حتى أن برامج الأطفال قد تم إخضاعها أيضا إلى منطق السلعنة والفرجة حيث تحول فيها المشاركون الأطفال إلى مقلدين لفناني الموسيقي النمطية.
3 ) هل الميديا السمعية البصرية قابلة للحياة اقتصاديا ؟
يوجد في تونس 13 قناة تلفزيونية: قناتان عموميتان و9 إذاعات خاصة و35 إذاعة (23 إذاعة خاصة وإذاعتين مصادرتين و10 إذاعات وطنية). وتعتمد الميديا التلفزيونية والإذاعية التونسية على نموذج اقتصادي يقوم على الإشهار وعلى مصادر أخرى محدودة جدا على غرار مداخيل الإرساليات النصية SMS وتعيش أغلب المؤسّسات الإذاعية والتلفزيونية أزمة حادة في مصادر تمويلها فهي تتنافس مع مؤسسات أخرى من الصحافة الالكترونية والورقية على سوق إشهارية ضيقة مما أدّى إلى تأثيرات حاسمة على طبيعة البرمجة التي أضحت تتسم بالنمطية وعدم التجديد وهيمنة إستراتيجية الاستقطاب عبر الترفيه والمشهدة. كما أن بعض القنوات تفتقد إلى برمجة خاصة بها كما تقتضي ذلك كراسات الشروط التي تحصلت بمقتضاها على رخصة البث وتكتفي ببعض البرامج المستوردة في حين اكتفي البعض الأخر بنسبة قليلة من البرامج المحلية وجزء كبير من البرامج المستوردة.
وفي هذا الإطار فإن سوق الإشهار التونسية لا تزال تشتغل بطريقة غير مطابقة للمعايير الدولية التي تستند إليها الصناعات السمعية البصرية في العالم إذا لا يوجد في تونس مؤسّسة مستقلة تؤسّسها صناعة الميديا السمعية البصرية والمؤسّسات الاقتصادية لقياس الجمهور (mesure d’audience)يشكل مستقلّ وعلمي وذي مصداقية مما يسمح للقنوات والمؤسسات الاقتصادية ووكالات الإشهار بالحصول على مؤشرات موضوعية ونزيهة عن الجمهور التي يضفي بعدا عقلانيا على الاستثمار الاشهاري رغم أن المرسوم 116 قد أعطى للهيئة التعديلية (الفصل 16) صلاحيات «للعمل على سن المعايير ذات الطابع القانوني أو التقني لقياس عدد المتابعين لبرامج منشآت الاتصال السمعي البصري».
وبشكل عام يمكن أن نقول، في سياق محدودية السوق الاشهارية وغياب آلية لإضفاء بعد مهني على آليات قياس الجمهور واعتماد المؤسسات على نموذج اقتصادي أحادي وغير متنوع، إن عددا لا يستهان به من مؤسّسات الميديا قد تكون غير قابلة للحياة (non viables). وستكون لذلك نتائج وخيمة في المدى القريب والمتوسط. فعلى المدى القريب ستؤدى هشاشة مؤسسات الميديا إلى إضعاف قدرتها على الإنتاج وعلى أداء وظائفها وعلى احترام كراسات الشروط التي تحصلت بمقتضاها على الترخيص القانوني. كما أن الهشاشة الاقتصادية ستجبر المؤسّسات على البحث عن مصادر بديلة للتمويل قد تكون مصادر خفية وغير معلنة.
أما على المدى المتوسط فسيؤدى هذا الوضع إلى اندثار عدد من القنوات الإذاعية والتلفزيونية وهذا ما بدأ يحصل مما يعني هيمنة بعض القنوات الإذاعية والتلفزيونية على المشهد السمعي البصري.
وفي هذا الإطار فإن تقييم منظومة التعديل تقتضي النظر في صعوبات ومعوقات تفعيل دور «تعزيز القدرة المالية والتنافسية لمنشآت الاتصال السمعي البصري في الجمهورية التونسية» (الفصل 15 من المرسوم 116) الذي أوكل للهيئة التعديلية.
4 ) هل الميديا السمعية البصرية شفافة ؟
كثيرا ما نسمع عن علاقة «الإعلام بالمال الفاسد» وتأثير رجال الأعمال على مؤسسات الميديا... ويبدو أن الذين يكررون هذا الكلام يجهلون أن قوانين البلاد المرسوم 115 (الباب الثالث الخاص بالشفافية من الفصل 23 إلى الفصل 30) وكراسات الشروط (الفصل 30 من القسم الخامس المتعلق بالعلاقة بالمشاهدين والضيوف) تتضمن عدة آليات لضمان شفافية الميديا التي تمثل مقتضى أساسيا من مقتضيات الميديا الديمقراطية حتى يعلم المواطن هوية الجهات والأطراف التي تملك الميديا كمؤسسة توفر الإخبار والأفكار والآراء التي يمكن أن تساهم بشكل أو بآخر في تشكيل آرائه ومعارفه عن المجال السياسي والاجتماعي ثم إرادته عند التصويت وحتى لا تعمل أطراف خفية على التحكم في الميديا بطريقة غير معلومة.
وفي هذا السياق فإن المواطن التونسي لا تتوفر لديه اليوم معلومات عن ملكيّة القنوات التلفزيونية والإذاعية وعن نشاطها الاقتصادي وعن مصادر تمويلها. وتمثل محدودية (أو انعدام ) شفافية الميديا السمعية البصرية مشكلة حقيقة عندما يتعلق الأمر بقدرتها على مساءلة السلطة والأحزاب والقوى السياسية.
5 ) هل تخدم الميديا السمعية البصرية الثقافة الوطنية والإبداع ؟
تمثل الميديا السمعية البصرية مجالا رحبا يمكن أن يزدهر فيه الإنتاج الثقافي الوطني وينشط فيه المبدعون ويكون في خدمة الفكر والثقافة عبر الإنتاج السمعي البصري الدرامي والوثائقي وخدمة الموسيقى والذاكرة الوطنية. وفي هذا الإطار فإن أدوار الميديا التونسية محدودة جدا في خدمة الكتاب والتراث الثقافي، إذ نلاخظ ندرة البرامج الثقافية والتاريخية ومحدودية حضور النخب الفكرية والأكاديمية بسبب نموذج الميديا الترفيهية وطغيان التسلية والفرجة ومنطق المشهدة والتنميط الفعلي الشامل للبرامج وهيمنة منطق الربح والسلعنة.
هكذا نلاحظ أن برنامج «جمهورية الثقافة» الذي تبثه القناة الوطنية الأولى هو البرنامج الوحيد المخصص للنقاش الثقافي ولحضور المثقفين والأكاديميين في المجال التلفزيوني.
كما تتسم جودة البرامج بمحدودية الجودة التي تحيل على تنوع البرامج (ثقافة، ترفيه، سياسية...) وعلى قدرة الميديا على تقديم مضمون ثري وعميق وذي جاذبية جمالية يرتقي بذائقة الجمهور الموسيقية ومعارفه الفكرية دون أن يتحول التلفزيون بالضرورة إلى مدرسة تلقن الناس بطريقة مملة. ففي مجال الأخبار على سبيل المثال فإن شروط المضامين الإخبارية ذات البعد التحليلي والتفسيري والاستقصائي غير متوفرة.
• خلاصة: من أجل منظومة تعديلية قوية وفعالة
لقد سعينا في هذا المقال إلى إبراز مفارقة مخصوصة غائبة عن النقاش في مسائل التعديل : من جهة أولى منظومة تعديلية متناغمة بشكل عام مع المعايير الدولية، يفخر بها التونسيون، قادرة نظريا على حماية الميديا السمعية البصرية من تدخل السلطة السياسية ومن جهة ثانية مشهد تلفزيوني إذاعي يتسم بهنات عديدة: تنميط فعلي متعاظم ومحدودية الجودة وغياب الشفافية وهيمنة نموذج برامجي يقوم على الترفيه على حساب البرامج المتنوعة التي تلبي حاجات الجمهور إلى الثقافة والمعرفة ومؤسسات تواجه صعوبات اقتصادية جدية تجعل العديد منها غير قابل وعدم رضاء الجمهور على ما يشاهده وهيئات تحريرية لا تتوفر لديها شروط الابتكار والتجديد واحتكار فعلي غير معلن لبعض القنوات للسوق الإشهارية وللمشهد السمعي البصري وغياب هيئة مستقلة لقياس الجمهور....
وبتعبير آخر فإن ما يدعو إلى التفكير هو هذا التباين الصريح بين مدخلات نظام الميديا السمعية البصرية (قوانين وأطر تنظيمية متناغمة مع المعايير الدولية والتجارب الديمقراطية) ومخرجات ضعيفة جدا (ميديا هشة ومحدودة الجودة....).
وعلى هذا النحو وجب علينا أن نقر بأن منظومة التعديل الحالية لم تفلح في تأسيس مجال سمعي بصري يخدم الحياة الديمقراطية والثقافة الوطنية ويلبي حاجات المواطن باعتباره كائنا متعدد الأبعاد لا يمكن اختزال حاجاته في الترفيه.
هكذا يصبح من الضروري أن ننظر إلى التعديل من منظور شامل فلا معنى لتعديل جيد وميديا غير جيدة. كما أن التعديل لا يمكن اختصاره في عملية إسناد رخص البث وتوجيه العقوبات دون أن يكون لمنظومة التعديل دورا اساسيا في تأمين ميديا سمعية جيدة ومتنوعة تقوم بأدوارها في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. ففي السياق التونسي حيث ليست للدولة وهياكلها سياسة عمومية لدعم الميديا فإن أدوار التعديل يجب أن تكون شاملة ومتعددة حتى تكون مخرجاته ذات فعالية ونعني هنا بالمخرجات الميديا نفسها ومضامينها وأدوارها وما يراه وما يستمع إليه التونسيون على شاشاتهم .
يجب أن ننظر إلى هذه المفارقة بين المدخلات (القوانين) والمخرجات ما نراه ونسمعه حتى نكف عن الاعتقاد أن النصوص القانونية الجيدة تفرز لوحدها ميديا وصحافة جيدة وحتى لا نظل نصمّم قوانين غير فعالة أو ذات فعالية محدودة جدّا كما حصل مع المرسوم 116 التي ظلّت العديد من آلياته غير مفعّلة وبقيت حبرا على ورق...
وعلى هذا النحو فإن النقاش في القانون الجديد الخاص بتعديل المجال السمعي البصري يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن الميديا السمعية البصرية التونسية تشتغل في بيئة متغيرة ومتقلبة بسبب تحولات تكنولوجية (تعاظم استخدامات الهاتف الذكي والمنصات المحمولة) وثقافية وبسبب ظهور أشكال جديدة من استهلاك الميديا لدى الشباب خاصة. ولهذه التحولات نتائج بالغة الخطورة على عدد من مؤسسات الميديا التي تعاني من صعوبات متزايدة للحصول على الإشهار مما سيؤدي إلى إغلاقها أو إلى مشاكل تمويل ودفع أجور وحقوق العاملين فيها وإلى تدهور ظروف عمل الصحفيين الذين لا يتمتعون بالشروط الأساسية لممارستهم لمهمتهم.
وإذا تواصلت الأمور على ما هي عليه فإننا سنجد أنفسنا في وضعية خطيرة جدا تتمثل في سيطرة بعض القنوات التلفزيونية أو حتى قناة واحدة، وكذلك الأمر في الإذاعة، على المشهد السمعي البصري مما سيؤدي إلى نتائج وخيمة على مبدإ التنوع الذي سيتحول نهائيا إلى تنوع شكلي لا معنى له وإلى احتكار فعلي للمشهد من طرف عدد قليل من الفاعلين بشكل جديد وفريد ومقبول قانونيا.
• خلاصة القول أننا لا نحتاج فقط إلى التعديل فقط بل إلى سياسة تعديل Politique de régulation فعلية تتجاوز مقاربة الحد الأدنى السائدة اليوم والتي اختصرت التعديل في إعطاء الرخص والعقوبات (بعض) دون النظر إلى أدوار التعديل الضرورية في تأمين ميديا سمعية بصرية جيدة.
بقلم: د. الصادق الحمامي - أستاذ محاضر بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار