تعقيب على خالد شوكات: السقوط الأخلاقي أخطر من الهزائم الانتخابية

نشكر للسيد خالد شوكات ردّه على افتتاحيتنا الصادرة يوم أول أمس ونثني على اختياره الردّ على المقال بمقال وحبذا لو نهج كل السياسيين هذا النهج.. غير أنّ ردّ الأستاذ خالد شوكات يستوجب منا

التوضيح التالي:

1 ) جريدة «المغرب» جريدة رأي وقد سبق لخالد شوكات أن كتب فيها زمن الترويكا وهو يعلم حرص إدارة تحريرها منذ أن عادت للصدور بعد الثورة إلى أن تكون جريدة في خدمة الانتقال الديمقراطي في تونس بكل أبعاده السياسية والقانونية والفلسفية والحضارية .. و»المغرب» لم ولن تنطق يوما واحدا باسم حزب أو لوبي أو مجموعة ضغط.. «المغرب» تنطق وفق اجتهادات أسرة تحريرها فقط لا غير وترى أنه من واجبها التنبيه إلى كل المخاطر والانحرافات التي يمكن أن تمس بسلامة المسار الديمقراطي بأسره ..ولهذه الاعتبارات كنّا شديدي النقد لتجربة حكم الترويكا لما كانت تتضمنه من مخاطر جدية على تونس وديمقراطيتها الناشئة سواء بالسعي لأسلمة عنيفة أو ناعمة للمجتمع وللدولة وبتغاضيها عن الخطر الإرهابي السلفي الجهادي المعولم أو بسعيها للتحكم في المفاصل الأساسية للدولة ..

2 ) لقد رأينا في «المغرب» أن هنالك انحرافات خطيرة قد بدأت تتعمق في الحزب الفائز بانتخابات 2014 بفعل عنصرين اثنين :
• سعي محموم للتوريث السياسي قام به نجل رئيس الدولة وأعانه عليه كثيرون داخل النداء وخارجه... وهو سعي يتناقض مع مقتضيات الانتقال الديمقراطي الذي يفترض الفصل الحازم والحاسم بين السياسي والعائلي ..فالمسألة لا تتعلق بشخص حافظ قائد السبسي كما ذهب في ظن خالد شوكات بل بمساوئ الاصطفاف في الحزب الذي فوضه الشعب لقيادته بين أنصار نجل رئيس الدولة وخصومه

3 ) أما نقدنا الأكبر لنداء تونس والذي لم يتعرض له مطلقا الأستاذ خالد شوكات فهو اختراقه الكبير من قبل لوبيات الفساد..وهذا معطى معلوم للقاصي وللداني وقد بدأ يتضح تدريجيا منذ صائفة 2014..والسيد خالد شوكات يعلم قبل غيره أنه كان لهذه اللوبيات اليد الطولى في محطات هامة من حياة حزبه كتمويل مؤتمر سوسة على سبيل الذكر لا الحصر ..وكافتخار وجوه ندائية بارزة بصداقات جديدة ومشبوهة ..صداقات كان لها التأثير البين على نمط حياة المعنيين بها ..
فحزب يدعي بأنه منخرط في حملة مكافحة الفساد عليه ان يبدأ بتنظيف صفوفه من كل الذين استفادوا بصفة جلية (سيارات ..منازل..نمط حياة ) من هذه الصداقات أما لو أبقى عليهم في صفوفه فلن نصدقه كثيرا حينها في جدية ادعائه مكافحة الفساد..

4 ) يقول الأستاذ شوكات بان نداء تونس هو الممثل الرئيسي لمدرسة الفكر الوطني والنسخة المعاصرة للحزب الحر الدستوري الذي تأسس في 1920 وتجدد في 1934
لنسلّم، جدلا، بهذا التوصيف ..ولكن ينبغي أن نضيف للتوضيح وللافادة كذلك بأن هذا الحزب المكافح خلال الفترة الاستعمارية قد تحول بعد الاستقلال إلى حزب متفرد بالحكم ولم يعد فيه المناضلون الوطنيون هم العنصر الأبرز – على المستوى العددي على الأقل - بل أضحى الانتهازيون والوصوليون هم احد مكوناته البشرية الأساسية وما انفكت نسبتهم في ارتفاع على امتداد أكثر من نصف قرن تراوح بين الحكم الفردي في البداية – رغم النفس الإصلاحي الكبير جدّا –وحكم العائلات المافيوزية ..
وأخشى ما نخشاه أن يسعى نداء تونس لاحتضان كل هذه «الكفاءات» التي بزّت أقرانها في العهد النوفمبري دون غربلة وتمييز..

5 ) السقوط المدوي الذي قصدناه في الافتتاحية لا يتعلق بالانتخابات أو بالتنافس الحزبي بل بتظافر إستراتيجية التوريث مع اختراق اللوبيات للحزب الفائز بالانتخابات .. وهذا سقوط أخلاقي مدوّ ولاشك وان كنا نعلم - للأسف الشديد - أن العديد من السياسيين لا يقيمون أي وزن للأخلاق في بلادنا ..
نحن نعتقد أن هنالك العديد من الصادقين والوطنيين في حزب نداء تونس ولكن للأسف جلّهم ابتعد أو أٌبعد من الصفوف الأمامية ...
لقد كنّا نود أن نكتب عن الجهد الجدي لنداء تونس – أو لغيره من الأحزاب – في إقرار ممارسات سياسية جديدة قائمة على نزاهة القيادات والمناضلين ..وكنا نأمل أن نتحدث عن البرامج والأفكار والمقترحات التي يقدمها الندائيون لخدمة البلاد..ولكن وجدنا أنفسنا مضطرين لدق ناقوس الخطر أمام الانحرافات الخطيرة التي نشهدها يوميا أمام أعيننا، وأكبر وأخطر هذه الانحرافات هو التطبيع معها والاعتقاد بأنها أضحت قدرنا المحتوم .. فالشعب التونسي لم يقم بثورة ولم يضح بشبابه حتى تتحقق الأحلام النرجسية لبعضهم وحتى يعتقد بعض الساسة أنهم فوق المحاسبة والقانون والأخلاق وانه يحق لهم الاستفادة من «صداقات» يعرفون جيدّا من أين أتت ثرواتها ..
إن لم يكن هذا هو السقوط فما ذا تراه يكون إذن؟!

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115