ولا اريد ان اذكر العديد من الامثلة في هذا المجال لان هذا الموضوع لا يمكن طرحه عن طريق الصحافة والإعلام بصفة دقيقة ومكتملة ومن الافضل ان يعالج من طرف مختصين في كتابة التاريخ والعلوم السياسية والذين لهم معرفة حول الدلالات السياسية والإيديولوجية التي تحرك هذه النظرية
والمعلوم انه يمكن تقديم كيفية توظيف هذه النظرية في مثالين اثنين تمكن القارئ من فهمها فان توظيف هذه النظرية ينطلق عامة من مرجعيات عرقية دينية ،... أصولية عنصرية ايديولوجية
فعلا كل من درس التاريخ المعاصر والحديث يعلم ان الحركة النازية بررت اعادة كتابة التاريخ من منظور عرقي وعنصري حيث ذهبت النازية الى اقصى حد في توظيف هذه النظرية (العرق الآري حقيقة تاريخية مطلقة في التميز على بقية الاجناس) وكذلك الامر بالنسبة للصهيونية التي وظفت هذه النظرية لفسخ كل مظاهر الانسانية في فلسطين والشام و ذهبت لتؤسس منظومة فكرية وايديولوجية تنطلق من مسيرة الشعب المختار.
من خلال هذا التوضيح اتصور ان كل توظيف لهذه النظرية(اعادة كتابة التاريخ) سواء كان ممثلا لهيئة الحقيقة والكرامة او من خارجها فان ذلك ناتج عن عدم معرفة وإلمام بالدلالات التاريخية الخطيرة لها وارجوا من هؤلاء التخلي عن هذه النظرية علما ان التاريخ يكتب كل يوم ويحين ويراجع كل يوم ولا احد يملك اي شرعية لإقرار اعادة كتابة التاريخ وخاصة ان تأتى ذلك ممن ليس لهم اي اختصاص في هذا المجال.
ولكن هذا لا يعني التخلي ايضا عن اعادة قراءة التاريخ الذي يمكن اعادة قراءته من زوايا مختلفة ومن مرجعيات متعددة لان في تعددية قراءة التاريخ يمكن افراز رؤية شاملة لأي حدث او حقبة تاريخية معينة.
أما فيما يخص موضوع علاقة اليوسفية بالبورقيبية فهي تندرج في اطار حرب اهلية شملت كل فئات الشعب التونسي واذ اعتبرنا ان هذه الحقبة تتميز بخصوصيات الحروب الاهلية فاني اذكر ومن خلال التجربة التي خبرتها من خلال الشأن الاسباني (ملف الحرب الاهلية الاسبانية 1936 - 1939 ) فان تحليل وتقييم هذا النوع من الصراع يتطلب منهجية دقيقة لها صلة بكل من المرجعيات الفكرية والسياسية والتاريخية والدينية والطبقية الى غير ذلك وبدون هذه المنهجية الخصوصية فان الدارسين والمحللين معرضون الى الخطأ من ناحية والى اعادة فعلا كتابة التاريخ من خلال ايديولوجيات مسقطة على الوضع التاريخي.
وأخيرا ان اعتماد فقط الذاكرة في هذه الحالات لا يؤدي الى معرفة الحقيقة ولو كانت نسبية ويبقى حسب اعتقادي انه يجب ان تبقى هذه المواضيع بين ايدي المختصين في التاريخ المعاصر ومن لديهم معرفة سوسيولوجية انطروبولوجية وحتى بسيكولوجية للفاعلين في تلك الحقبة التاريخية.