اعتبر القاضي الاداري السابق احمد صواب ان أداء المجلس الأعلى للقضاء أقل بكثير من صلاحياته الدستورية. وأكد في حوار لـ«المغرب» ان عدم تنفيذ الأحكام القضائية اغتصاب للقانون واهانة للقضاء وإذلال للمتقاضي.
واعتبر صواب انّه رغم وجود ضمانات فعلية وثابتة بخصوص الانتخابات المقبلة،كالقانون الانتخابي، الا انّ هناك العديد من المخاوف خاصة في ما يتعلق بمرسوم الأحزاب ومرسوم الجمعيات.
• أصبحت مسألة الامتناع عن تنفيذ الاحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية شائعة بمختلف مؤسسات الدولة ومن بينها المجلس الاعلى للقضاء، كيف ترون ذلك؟
الفصل 114 من الدستور التونسي يقتضي ان المجلس «يضمن حسن سير القضاء واحترام استقلاله»، الصمت الرهيب والمعبّر كذلك للمجلس الاعلى للقضاء بخصوص العديد من المسائل المتعلقة بالقضاء ( قضايا الفساد والبطء في حلّها، الملفات الجزائية المتعلقة بالتمويل الخارجي في الانتخابات الرئاسية وتزوير التزكيات في نفس الانتخابات خلال 2014، ملف الشهيدين بلعيد والبراهمي، أحكام قضائية صادرة على اساس الشريعة وليس على اساس القانون الوضعي، ملف الرقاب،...) يجيز القول انّ المجلس أداؤه أقل بكثير من صلاحياته الدستورية الامر الذي أدى الى اننا مازلنا بعيدين عن استقلال القضاء فعلا وممارسة.
اضافة الى ذلك، عدم تنفيذه لعديد الاحكام الصادرة عن المحكمة الادارية يشكل قرينة اضافية على انّ المجلس الاعلى للقضاء يقوّض استقلال القضاء طالما ان تنفيذ الاحكام يلزم به الدستور (الفصل 111) ويشكل احد اركان المحاكمة العادلة، وهذا منذ القدم اذ قال الخليفة عمر ابن الخطاب «لا ينفع تكلّم بحقّ لا نفاذ له» في رسالته للقاضي ابو موسى الأشعري. مما يعني بداهة ان عدم تنفيذ احكام القضاء هو اعتداء على استقلالية القضاء. وتخيلوا وقع المصيبة على المنتفعين بهذه الاحكام، وعلى القضاة الاداريين الذين أصدروها.
• كثر الحديث مؤخرا عن وجود شبهات تتعلق بـ«المحاباة» داخل المجلس الأعلى للقضاء وخاصة في ما يتعلق بمجلس التأديب، ماهو تعليقكم على ذلك؟
وجب التأكيد ان كل مجلس أعلى معني تأديبيا بـالقضاة الراجعين له بالنظر. ان التمثل السائد ، خاصة بتواتر الحديث عن الملفات المخصوصة، هو ان المجلس الأعلى للقضاء تعاطى مع هذه الملفات بعقلية «جمهورية القبائل»، أي حماية القضاة المخالفين للقانون بما فيها الفساد، ويجسم ذلك التعتيم الغالب وغياب كلّ شفافية، والحال ان القضاء يشكل مسألة وطنية ومقيّد بواجب الشفافية ( الفصل 15 من الدستور)، من ذلك ما انا عارف به في ما يتعلق بقاض إداري متهم أساسا بالتحيّل منذ أكثر من سنة ورفعت عنه الحصانة من قبل مجلس القضاء الاداري، الاّ انه والى اليوم لم يبت في ملفه جزائيا ولا تأديبيا من قبل هذا المجلس، والمعنى الخفي لهذا الملف الأخير وللدلالة على حجم الفساد في القضاء أنه أصبح يعني حتى القضاء الإداري الذي لم يثبت ضدّ قضاته ولمدة عقود وحتى تحت فساد بن علي أي ملف من هذا القضاء.
• هل ترون انّ القوانين الموجودة حاليا قادرة فعلا على مقاومة الفساد في هذا المجال؟
القوانين في هذا الموضوع وفي غيره شيء أساسي، اّلا ان العنصر البشري المعني بتطبيقها له نفس الأهمية إن لم نقل انّ أهميته تعلو القوانين. مثال المحكمة الادارية زمن الاستبداد في عهد بورقيبة وزمن الاستبداد والفساد في عهد بن علي أصدرت عديد الاحكام الحامية للشرعية ولحقوق الأفراد وللمال العام بالرغم من قلة الأدوات القانونية. أمّا المثال المعاكس فيتعلق بالعدالة الانتقالية وهي مفهوم نبيل ومؤطرة بقانون يحصر أهدافها ومضامينها، الّا أن العنصر البشري المكلف بتطبيقه لم يحقق شيئا يذكر وصولا الى المصالحة الشاملة.
وان كانت مسؤولية الدولة ثابتة في عرقلة هيئة الحقيقة والكرامة، فان مسؤولية هذه الأخيرة أعظم بكثير، فهي تصادمت مع الكل وخرقت كل الخطوط الحمراء واهمها على الاطلاق بالنسبة لي عدم تنفيذ احكام المحكمة الادارية، مع استثناء تلك التي تخدم مصالحها أو الالتجاء اليها عند الحاجة (جواز سفر الرئيسة).
ما يمكن ملاحظته انّ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قامت بمجهودات جبارة في التقصي في ملفات الفساد وفي خلق راي عام مساند لإيديولوجية مكافحة الفساد (خاصة مع مكونات المجتمع المدني والطلبة بالكليات)، يضاف الى هذا كذلك تحسن ملحوظ لأداء القضاة المعنيين بهذه الملفات وخاصة القطب القضائي الاقتصادي والمالي.
والأمل يبقى معقودا بالأساس في أعضاء هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، المنتظرة والدائمة، وسيكون دورها مفصليا في مقاومة الفساد، وعلى مجلس النواب أن يختار هؤلاء بعيدا عن المحاصّصة والقرب الإيديولوجي من الكتل وكل ما هو على مشارف قبائل الجمهورية.
• لو تقدمون لنا توضيحا حول القضية التي رفعتموها في حق عائلات شهداء وجرحى الثورة لدى المحكمة الادارية؟
أصدرت هيئة النفاذ للمعلومة قرارا جريئا ومؤسسا وعادلا يقضي بتمكين عائلات الشهداء والجرحى من القائمة الاسمية لهؤلاء (مع الإشارة الى فقه قضاء ثري ومدافع عن الحقوق ومتواتر من هذه الهيئة الناشئة)، الا ان الغريب ان الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الأساسية التي يرأسها الحقوقي توفيق بودربالة استأنف هذا القرار لدى المحكمة الإدارية والحال انه كان بإمكانه لا فقط عدم الاستئنافت المذكور، بل وكذلك قانونا النشر لان الامر الذي يخصّ هذه المسألة يبيح له هذا النشر باي وسيلة كانت وحتى في ظل اعراض رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية عن هذا العمل، في المحصلة من العار ان لاتتحصل عائلات الشهداء على هذا الحق البديهي والأساسي والأولي بعد 8 سنوات من الثورة، مقابل تسوية وضعية وزراء بن علي وادماج البعض منهم في حكومة الشاهد، فالمضحك والمبكي انّه لو بعثوا من جديد وشهدوا هؤلاء الوزراء لقالوا :«ان الثورة لم تحصل « أو «اننا متنا من أجل لا شيء».
والملف معروض حاليا على المحكمة الإدارية استئنافيا منذ الصائفة، ورغم قيامي كمحام لهذه العائلات بالرد على الطعن ومطالبتي بعدم الرد على رد محامي الهيئة تجنبا لمزيد إضاعة الوقت ومراعاة لتأكد هذه المسألة الوطنية، ومع ذلك ما زلنا في انتظار تعيين المحكمة لجلسة المرافعة الختامية والتصريح بالحكم.
• تحدثتم سابقا عن الرهانات والمخاوف حول الانتخابات المقبلة، كيف ذلك؟
هناك ضمانات ثابتة ومنها قانون انتخابي مقبول في مجمله، وخاصة الانتهاء من ازمة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وأنا متأكد من ان التركيبة الجديدة للهيئة جدّ متميزة ( خاصة رئاسة بفون لها واعرفه جمّاعا ويحسن إدارة الخلافات وله حضور شخصي وإعلامي متميز ومطمئن، إضافة للقيمة التي ستزيدها القاضية الإدارية حسناء بن سليمان لما اعرفه فيها من جدية في العمل واستقلالية وقوة شخصية ومعرفتها الجيدة والدقيقة بالتشريع الانتخابي).
وبخصوص المخاوف فهي عدّة، ولكن لا يمكن تبديدها الا بعد 2019 لصعوبة القيام بذلك خلال الشهور القليلة المتبقية، وهي خاصة ثلاثة: مرسوم الأحزاب (بالأساس التمويل والمتابعة القضائية النافذة والناجزة) ومرسوم الجمعيات (نفس الإشكاليات، مع خصوصية إضافة أنشطة بالتحيّل ولنا مثال مدرسة الرقاب التي دخلت عبر بوابة جمعية، إضافة الى القنوات المالية الافقية في الاتجاهين بين الجمعيات والاحزاب). واخيرا هناك مسألة لم تأخذ حجمها حيث انه لا يوجد وعي بمفعولها خلال الفترات الانتخابية، واقصد بذلك «مقاولات» سبر الاراء، وفي الموضوع كثير من المال وكثير من توجيه الراي العام.
وهذه الملفات الثلاثة تعدّ رئيسية وحاسمة في الفترة السياسية اللاحقة، وتتطلب الاولوية في النصف الثاني لهذه السنة البرلمانية، وأقصاه في السنة البرلمانية القادمة، فالخطر الاول لكل مكونات الانتقال الديمقراطي هو المال السياسي الفاسد، والخطر الثاني هو الفساد الاقتصادي والاجتماعي.
لكن بالنظر لما عشته كقاض اداري انتخابي (2011 و2014)، لدي قناعة شخصية انّ الانتخابات في 2019 ستكون ناجحة وقريبة مما عشناه في 2011 و2014.
فالانتقال السياسي بدأ يترسّخ ويتدعم، مقابل فشل ذريع ومجحف وظالم في ما يتعلق بالانتقال الاقتصادي والاجتماعي.
• وفي ما يتعلق بتنقيح «العتبة»؟
انّ هذا الامر مرفوض مبدئيا لانه يتناقض مع الممارسات الفضلى وكذلك المعايير الدولية في المادة الانتخابية التي تقتضي عدم تغيير قواعد اللعبة قبل سنة، وهو السبب الذي بني عليه منع تغيير الدوائر الانتخابية قبل هذا الاجل. أما بخصوص العتبة في حدّ ذاتها ، فهي فكرة مقبولة نظريا، لكن مع مراعاة التدرج بما يعني جواز القبول بعتبة 3% لكن في انتخابات 2024، سيّما وان النظام الحالي يعتبر غير عادل وسأكتفي بمثال بسيط (الحزب الاول يتحصل على 13500 صوت والحزب الثاني يتحصل على 3600 صوت لا غير ، وفي صورة أن كل 10000 صوت يعطى مقعدا ، يتحصل الأول على مقعد والثاني على نفس العدد، بناءا على قاعدة النسبية مع اعتماد اكبر البقايا وهي النافذة حاليا)، مع التأكيد على أن اغلب الديمقراطيات المترسخة في اروبا تعتمد العتبة (ألمانيا وهولندا والدنمارك ...)
• هل تمّ إدراجكم فعلا بجدول المحاماة؟
انا الآن بصدد ممارستي لمهنة المحاماة الشريفة، وذلك بمقتضى حكم قضائي. واقول دوما اني محام إلا ربع، فالربع الأول هو حكم قضائي لمصلحتي ، والربع الثاني هو ا داء اليمين ( شكلية جوهرية للممارسة) أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، أما الربع الثالث فهو تمكيني من قبل مصالح الجباية من معرّف جبائي (بهذا أصبحت انا كذلك صاحب باتيندة)، وبقي الربع الرابع وهو راجع لعميد المحامين كجهاز تنفيذي للإحكام القضائية (أظن المسألة لا ترجع للمداولة داخل المجلس) وذلك بإدراجي ضمن جدول المحاماة وتمكيني من البطاقة المهنية، وهذا لم يحصل الى حدّ الان وبعد مرور أكثر من سنة على مطالبتي بحقي.
وإيمانا مني بان عدم تنفيذ الأحكام قصديا يشكل اولا اغتصابا للقانون وثانيا اهانة للقضاء وثالثا إذلالا للمتقاضي ( مما ينفي عنه ادنى درجات المواطنة)، ومؤدى كل هذا خرق فادح للدستور (الفصل 111 من الدستور) وتنكّر فاحش لدولة القانون.
لذا، قدمت ملفا في الصائفة في هذا الخصوص الى العميد شوقي الطبيب كرئيس للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (قانون الابلاغ عن الفساد وحماية المبلغين جعل من عدم تنفيذ الأحكام حالة من حالات الفساد)، كما قدمت قضية استعجالية ضد العميد الحالي للهيئة الوطنية للمحامين امام المحكمة الادارية وذلك منذ أكثر من شهرين ، وأخيرا تقدمت في الأسابيع الاخيرة بملفات فاصلة في هذا الخصوص وضد نفس العميد لدى العميد عبد الستار بن موسى بصفته موفقا اداريا، ولدى الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الأساسية التي يرأسها الاستاذ الحقوقي توفيق بودربالة، واخيرا لدى الرابطة التونسية لحقوق الانسان.
وبقيت قضية في المسؤولية ضدّ الهيئة الوطنية للمحامين من أجل التعويض المعنوي والمادي بسبب رفضها ترسيمي من الاول بصفة غير قانونية، اضافة الى الامساك عن تنفيذ حكم القضاء.
مع التذكير انّ المخجل في كل هذا انّ المحاماة أضحت في الدستور الجديد مدرجة في باب السلطة القضائية.
ويبقى يوم الحساب عند انعقاد الجلسة العامة الانتخابية في الاشهر القادمة، والتي سأحضرها بكامل حقوقي بما فيها الانتخابي، وذلك بقوة القانون ( الحكم القضائي الذي قضى بترسيمي بجدول المحاماة رغم عداء العميد ومن لفّ لفّه بدون أسباب مقنعة الا اذا كانت سياسية).