ندّدت جمعية القضاة بما آل إليه مسار تركيز المجلس الأعلى للقضاء من أزمة مستفحلة نتيجة الانحياز البيّن لوزير العدل إلى شقّ أقلّي من أعضاء المجلس ولهياكل فاقدة التّمثيليّة الأمر الذي حوّل ذلك المسار إلى حلقات متتالية من الاستجابة للطلبات والرّغبات الخاصّة لتلك الأطراف الأقليّة وعلى مقاسها بدءا بعدم إمضاء رئيس الحكومة لأوامر تسمية القضاة الذين تكتمل بتسميتهم تركيبة المجلس وانتهاءا بالمبادرة التّشريعيّة لتنقيح قانون المجلس كمدخل لوضع اليدّ على القضاء من خلال هيمنة السّلطة السّياسيّة على المجلس.
التمسك برفض المبادرة التشريعية
عبّرت جمعية القضاة التونسيين عن رفضها للتدخل التّشريعي لتنقيح قانون المجلس الأعلى للقضاء لإنعدام شروطه وضوابطه ولمخالفته للدّستور ولدولة القانون بالنّظر لمساسه بإستقلال القضاء والمجلس الأعلى للقضاء ويؤكدون على دعمهم للمبادرة القضائية ومساندتهم لها ويطالبون كل السلط المعنية بالتسريع في تفعيلها حماية لاستقلال المجلس وتسريعا بتركيزه.
كما عبرت، خلال مجلسها الطارئ المنعقد السبت الفارط بنادي القضاة بسكرة، عن شديد استنكارها لما جوبهت به دعوات القضاة فتح باب الحوار لطرح الحلول العاجلة بخصوص تردّي الوضع القضائي العام والأوضاع الماديّة للقضاة وظروف سير العدالة بالمحاكم من تجاهل الحكومة ووزارة العدل. ونبهت السّلطة التّنفيذيّة إلى الظّروف الصّعبة التي يمارس فيها قضاة النّيابة العموميّة والتّحقيق حصص الاستمرار بعد دخول القانون عدد 5 لسنة 2016 المتعلّق بتنقيح مجلّة الإجراءات الجزائيّة حيّز النّفاذ، ويدعونها إلى إصدار الأوامر المتعلّقة بضبط المنحة الخصوصيّة المستحقّة من القضاة المؤمّنين لحصص الاستمرار بعد التشاور مع جمعية القضاة التونسيين على أن يكون صرفها بصفة رجعيّة بداية من تاريخ دخول القانون المذكور حيّز النّفاذ.
«قرارات منقوصة»
حذّرت الجمعية من العواقب الوخيمة لاحتقان الأجواء داخل الوسط القضائي بسبب استعادة السّياسات الانفراديّة والإقصائيّة في التّعاطي مع أوضاع المحاكم ومشاغل القضاة الماديّة والمعنويّة وإدارة الشّأن القضائي بشكل عام من ذلك إصدار الأمر الحكومي عدد 345 لسنة 2017 المؤرخ في 9 مارس 2017 المتعلق بتنقيح شروط انتداب الملحقين القضائيين بالمعهد الأعلى للقضاء خارج أي أطر أو لجان تشاركيّة تساهم فيها الهياكل والمؤسسات القضائية وكل الأطراف والهيئات المهنية المعنية بالشأن القضائي.
واعتبرت انّ القرارات التي اتخذها المجلس الوزاري المنعقد السبت الفارط بخصوص دعم القضاء العدلي والإداري والمالي قد جاء نتيجة لتحركات القضاة ونضالاتهم في اطار جمعيتهم. ولاحظت بانّ تلك القرارات بقيت منقوصة من عديد المسائل في الجانب المادي ومنها مراجعة مرتبات القضاة والمنح المستوجبة بما يتلاءم وتضخم أحجام العمل والأعباء القضائية وتشعبها في القضاء العدلي والإداري والمالي وبما يتطابق والمعايير الدولية في هذا المجال.
واشارت في السياق نفسه الى أن القرارات المذكورة اتخذت في اطار استمرار التعاطي الأحادي من جانب وزارة العدل ومن الحكومة المقصي لهياكل القضاة من التشاور والتحاور بشأنها ويدعون إلى تشريك المسؤولين القضائيين الأول عن المحاكم في ضبط الحاجيات وتحديد الأولويات في التصرف في الإعتمادات المرصودة لصيانة المحاكم.
قرارات المجلس الوزاري
تجدر الاشارة في هذا الاطار الى انه خصص مجلس وزاري السبت الفارط للنظر في الإجراءات الكفيلة بتدعيم وتعزيز إمكانيات القضاء العدلي والإداري والمالي في التعهد بملفات الفساد ومكافحة الإرهاب وتفعيل مختلف النصوص القانونية التي صادقت عليها الحكومة في هذا المجال، من جهة وتسخير جميع الإمكانيات المادية واللوجستية الضرورية لتنظيم الانتخابات البلدية قبل موفى سنة 2017، من جهة أخرى. وقد قرر المجلس دعم الموارد البشرية بانتداب 20 قاضيا جديدا بدائرة المحاسبات و60 قاضيا جديدا للمحكمة الإدارية خلال سنة 2017 اضافة الى انتداب 500 قاض عدلي خلال سنتي 2017 و2018.
كما تقرّر تعزيز المحاكم بعدد إضافي من الإداريين والكتبة والعملة. اضافة الى تمكين دائرة المحاسبات من الاستعانة الظرفية بعدد من المراقبين من هياكل الرقابة والمختصين في المحاسبة بمناسبة تنظيم الانتخابات البلدية. ذلك اضافة الى إحداث اثنتي عشرة دائرة ابتدائية جهوية بالمحكمة الإدارية وتوفير وتهيئة المقرات المناسبة لتركيزها. وإحداث أربع دوائر استئنافية بالمحكمة الإدارية. واستحثاث نسق إنجاز المقر الجديد للمحكمة الابتدائية بتونس. كما تمّ تخصيص اعتمادات قدرها 10 م.د لصيانة محاكم القضاء العدلي. وإحداث 5 إدارات جهوية جديدة للقضاء العدلي بكل من القيروان والقصرين وسيدي بوزيد وجندوبة وباجة.
وقفة احتجاجية
من جهة أخرى ثمنت جمعية القضاة التونسيين كل مواقف مكونات المجتمع المدني والسياسي والفروع الجهوية للمحامين الرافضة للمبادرة التشريعية دفاعا عن استقلال القضاء ويدعون مكوّنات العائلة القضائيّة والمجتمع المدني والهيئات المهنية المدافعة عن استقلال القضاء ودولة القانون للتصدّي لهذه المبادرة وتأكيد دعمها ومساندتها للمبادرة القضائيّة وما توصّلت إليه من حلّ وفاقي حاز على موافقة أكثر من ثلثي أعضاء المجلس حماية لاستقلال المجلس من أيّ تدخّل من السّلطتين التّنفيذيّة والتّشريعيّة وللتعجيل بوضع حد لأزمة تركيزه. وقررت في هذا الإطار استئناف التحركات الاحتجاجية على تردّي الوضع القضائي العام وظروفهم الماديّة وتقهقر مستوى تأجيرهم وتدهور ظروف العمل بالمحاكم وانسداد آفاق التّحاور مع الحكومة ووزارة العدل. وأعلنت الدّخول في إضراب عام بكافة محاكم الجمهوريّة العدليّة والمحكمة الإداريّة ودائرة المحاسبات وذلك لمدّة ثلاثة أيّام بداية من الاثنين المقبل الموافق لـ 27 مارس 2017 إلى غاية يوم الاربعاء 29 مارس 2017 مع بقاء التحركات متواصلة بحسب تطور الأوضاع. كما قررت تنفيذ وقفة احتجاجيّة بالزيّ القضائي أمام مجلس نوّاب الشّعب يوم الشروع في مناقشة المبادرة الحكومية بالجلسة العامة للمجلس النيابي تصديّا لتلك المبادرة المخالفة للدستور، داعية بذلك نواب الشعب ومكونات المجتمع المدني والهيئات المهنية والقوى الحية المدافعة عن استقلال القضاء ودولة القانون إلى مساندة القضاة في هذه القضية المصيرية.