احداث برزت فيها الجبهة الشعبية كقوة مضادة للتيار، فقد حافظت على موقعها كمعارضة للحكومة في البرلمان، كما سعت لمنع تمرير القانون، في ظل قراءة جديدة تتبناها الجبهة ويعبر عنها المتحدث الرسمي باسمها حمة الهمامي في حوار لـ«المغرب» شدد فيه على ان اصل مشاكل تونس هو رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة.
• كيف تقرؤون الوضع العام في ظل التطورات الجديدة، حكومة جديدة، تأجيل انتخابات بلدية، تمرير قانون المصالحة وبوادر أزمة قانون المالية؟
في ظل المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما نستنتجه ان البلاد غارقة في أزمة حكم عميقة وشاملة المسؤول عنها هو الائتلاف الحاكم، برأسيه حزب النداء والنهضة، هذا الائتلاف وعد بان ينجز ما نص عليه الدستور من هيئات حكم ورقابة وان يعالج الوضع الاجتماعي المتأزم وقد وعد بإيجاد حلول لأزماتها، اليوم وبعد 3 سنوات نجد أنفسنا في وضع أكثر تدهورا في كل المجالات، لم يقع وضع أسس الهيئات الدستورية، لم يقع سن منوال تنموي يلبي تطلعات الشعب.
واذ أردنا التدقيق أكثر في تحديد المسؤول عن هذه الأزمة، فإننا نعتقد ان رئيس الدولة له دور كبير فيها إضافة الى الأغلبية في البرلمان والحكومة أيضا.
إن الأغلبية لم تشتغل على تقييم منوال التنمية القديم الفاشل وتغييره بآخر شعبي وناجع. هي أتت ذات السياسة التي مارسها بن علي وأدت إلى الثورة. ما هو جديد هو حضور مكثف للأتراك في السوق التونسية بعد صعود النهضة إلى الحكم. وفي المستوى السياسي لم تسع الأغلبية إلى تركيز مؤسسات الدولة الجديدة وفقا للدستور بل ظلّ همها الحفاظ على الموجود والسيطرة عليه وتوظيفه حزبيا. هذه الأغلبية لم تفكر ولا تفكر في بناء دولة تونسية عصرية، مدنية وديمقراطية قوية.
• ما هو دور رئيس الجمهورية الذي تشير إليه؟
من الواضح ان الشغل الشاغل لرئيس الجمهورية هو العودة الى نظام رئاسي فهو يريد ان يحكم وحده كما قال في 2011، لذلك فانه قبل ان يقع تنزيل النظام السياسي قيد التطبيق طالب بان يقع تغيير منظومة الحكم. وهو المخطط الرئيسي للانقلاب على الثورة والدستور وهو عنصر رئيسي في الأزمة التي نعيشها منذ حكومة الحبيب الصيد. وهنا اشير الى ضرورة التعاطي مع مسألة التوريث بجدية فالواضح ان قائد السبسي يحاول تمهيد الطريق لابنه.
• قادة من النداء اشاروا إلى هذا أيضا معتبرين ان النظام السياسي غير ناجع؟
الباجي قائد السبسي منذ وصوله الى الحكم لم ينتظر ان يقع ترسيخ آليات الحكم وهيئاته ليقيّم النظام السياسي، انما من يوم وصوله جعل النظام السياسي محل سؤال وتشكيك، ثانيا الثقافة السياسية للباجي قائد السبسي هي ثقافة الحزب الواحد والحاكم الواحد، فهو لم يقبل توزيع السلطات في عدة مستويات ومؤسسات، كما أنه لم يقبل ان توزع السلطة التنفيذية بين رأسين، هذا رفضه قائد السبسي وما نلاحظه اليوم ان هناك خطة عامة للانقلاب على الثورة التونسية، في مستوى سياسي الانقلاب على الدستور والعودة للنظام الرئاسي الذي يمارس في الواقع حيث ان صاحب القرار هو الرئيس، ثانيا العفو عن اذرعة بن علي.
• نعود للحديث عمّا جدّ في البرلمان يوم الأربعاء في جلسة المصادقة على قانون المصالحة؟
ان ما حصل في البرلمان من خرق للدستور ومن الإجراءات القانونية وخاصة منها الاستشارة الوجوبية للمجلس الأعلى للقضاء وتحريف لأحكام الدستور الخاصة بتنظيم الدورات الاستثنائية لتبرير قانون يبرر الفساد ويشجع عليه سيبقى وصمة عار ولعنة لكل الذين صوتوا لفائدة هذا القانون.
نحن نعتبر ان الهدف من تمرير قانون الباجي قائد السبسي هو العفو عن الذين خدموا بن علي وكانوا أداته في نشر الفساد ونهب ثروات البلاد وإعادة توظيفهم واستخدامهم لتكريس الانقلاب على ثورة الشعب التونسي وإعادة النظام القديم، هذا القانون يتعلق بالاداريين فدعنا لا ننسى ان الوزير وكاتب الدولة والمديرين العامين والولاة والمعتمدين هم إداريون وأشباه موظفين سيشملهم العفو دون مساءلة ومعرفة الحقيقة لتفكيك منظومة الفساد والاستبداد.
والهدف الحقيقي ليس المصالحة ولا خدمة البلاد انما هو الاستعانة بأذرعة بن علي من الباجي قائد السبسي لتنفيذ مخطط الانقلاب على الثورة، واليوم قصر قرطاج بات بؤرة الثورة المضادة.
• هنا تلقي باللوم على الرئاسة فقط وماذا عن النهضة؟
الباجي يخطط والغنوشي يزكي، ان حركة النهضة تلعب على عامل الوقت وتعيش في مرحلة التمكين، فبالنظر لواقع الحركات الاخوانية في تونس والعالم، النهضة مستعدة لتقديم المزيد من التنازلات للباجي قائد السبسي مقابل أخونة المجتمع والتجذر في الإدارة التونسية.ان سبب البلاء في تونس اليوم ليس النظام السياسي وانما الشيخان، الباجي قائد السبسي الذي يخطط للانقلاب على الثورة والتوريث والغنوشي الذي يزكي كل الخيارات في انتظار وقت أفضل.
• هذا التقييم مشابه لما يعلنه التيار الديمقراطي والحراك، ولاحظنا ان نوابكم الثلاثة يتقاطعون في عدة مناسبات في التصويت على غرار ما حدث يوم الاربعاء؟
التكتيكات السياسية مرتبطة بظروف معينة، الوقت اختلف والمواقع اختلفت، النداء الذي كان في المعارضة بات في الحكم، النهضة والنداء اللذان كانا يتصارعان باتا متحالفين. اليوم في تونس هناك معارضات منها الجبهة الشعبية التي تتمسك بشعارات الثورة ووضع أسس ثابتة لجمهورية ديمقراطية اجتماعية تقدمية، وفي الطريق نلتقي على بعض القضايا والنقاط كما حدث مع التيار وحركة الشعب، نلتقي معهما ونختلف والالتقاء يكون حول محور يخدم تونس وشعبها، أما الحراك فان الخلاف جوهري معه، وان وقع التقاء فانه تقاطع موضوعي لا يعنى أننا متفقون معه.
• وماذا عن تأجيل الانتخابات البلدية؟
لماذا لا تؤجل الانتخابات البلدية بكل وضوح إنما تؤجل بطرق متخلفة وبطرق وضيعة وخسيسة، انه تأجيل عبر التحيّل. وهو دليل آخر على غياب مفهوم الدولة عن الشيخين.
كلاهما يفقد مفهوم الدولة الديمقراطية، فالدولة ومفهومها لدى الباجي هي دولة «الانا» دولة العائلة، فهو يريد ان يحكم بمفرده ولم يتجاوز مفهومه مفهوم الدولة القديم لدى بورقيبة وبن علي. وما نراه من خيارات هو تنزيل على ارض الواقع لفهمه للدولة. التي تنحصر في خدمة المصالح الضيقة لعائلته وابنه تحديدا. الذي يريدون ان يدخلوه للبرلمان من بوابة ألمانيا.
هناك من جانب آخر دولة الغنيمة وفق رؤية حركة النهضة، التي لا تهتم بتركيز الهيئات الدستورية فهي غير معنية بها. ما يشغلها هو ان تتجذر في الدولة وان تتصالح مع أجهزتها في انتظار وقت أفضل للحكم.
وللاسف البعض يقيّم هذا الشيء على انه دهاء سياسي والحال ان الدهاء السياسي هو كيف تخدم البلاد وشعبها وليس كيف تخدع الناس من اجل حسبة ضيقة.
• انتم كنتم من الداعين لتأجيل الانتخابات البلدية؟
كنا من أكثر الأطراف التي طالبت بالتسريع في الانتخابات، وفي المجلس الوطني للجبهة تمسكنا بموعد 17 ديسمبر، نحن اعددنا لها ووضعنا تاريخ 20 أوت الفارط لضبط القائمات وعدد هام من الجهات قامت بذلك، كنا نستعد للانتخابات ولا نزال نستعد لأي مفاجأة كأن لا يعلن التأجيل، فنحن نعلم ان السياسة خدعة.
وكلنا لاحظ ان الائتلاف الحاكم لا يبدي استعدادا لانجاز الانتخابات البلدية ولا يسرع في شروط انجازها، فالهيئة العليا المستقلة للانتخابات تعاني من شغور وسيطرح لاحقا مشكل التجديد النصفي، النقطة الثانية تعطيل مجلة الجماعات المحلية، التي بات البعض يدعو اليوم بان تناقش المجلة ويصوت عليها بابا بابا او المصادقة على الفصول المتعلقة بالبلدية فقط، وآخرون يدعون الى القيام بانتخابات واعتماد قانون 75 وهذا إجهاض للدستور والانتقال الديمقراطي.
فمن يمكنه القول انه لا يوجد في راس الحكم من لا يريد ان تجرى الانتخابات من اصله.
هناك مشكل آخر وهو حياد الإدارة فالنهضة والنداء عينوا معتمدين من الموالين لهم باتوا اليوم يشاركون في استعدادات الحزبين للانتخابات، وهناك ملف حياد الإعلام ومؤسسات سبر الآراء.
• نقيّم عمل الجبهة بعد مرور نصف المدة النيابية، هناك قول انها في مرحلة جزر بعد إشعاع التأسيس؟
بعد انتخابات 2014 الوضع مختلف عما هو عليه في السنوات الثلاث الأولى بعد الثورة، وقتها كان هناك فاشية زاحفة بعناوين دينية استفزت غالبية القوى السياسية والاجتماعية في تلك الفترة الليبرالي وضع يده مع اليساري واتحاد الشغل مع اتحاد الأعراف، بعد 2014 ونحن كنا قد قلنا اخطر ما يحدث هو تحالف النداء والنهضة وقد تحالفا، وهذا خلق وضعا جديدا في تونس وقد تقلص حجم المعارضة.
• هذا يجعل المجال فسيحا امام الجبهة؟
لننطلق من مؤشرات منها نتائج سبر الآراء التي ارتفعت نسب نوايا التصويت في الانتخابات للجبهة فمن 3.4 في 2014 ارتفعت الى 9 و12 اي ان حجمها تضاعف ثلاث مرات وقد استقرت في المركز الثالث كقوة سياسية في البلاد.
من حيث الحضور السياسي للجبهة هناك تطور وقد ثبتت مركزها كقوة ثالثة، لكن هذا لا يعنى اننا راضون فقد كان بمقدورنا القيام بما هو أفضل، فنحن لم ننجح في الظهور كبديل متميز عن الموجود وهذا ليس سببه غياب البرنامج إنما عدم القدرة على تقديم البرنامج بشكل جيد للتونسيين. وهذا يعني اننا نعاني من مشكل اتصالي وليس معناه حضورنا الإعلامي انما نقص الاتصال المباشر بالتونسيين.
عنصر النقص الآخر في الجبهة هو عدم تفعيل هياكل الجبهة وان تتقدم درجة الانصهار في الجبهة فنحن في الجهات لانزال أحزابا، في حين ان الحضور لأشغال المجلس الوطني للجبهة يجعلك تظن انك في اجتماع حزب واحد أما في الجهات فان الماضي لايزال له تداعيته.
اي انه لا بد لنا من عمل ميداني كبير ومن ان تتطور هياكلنا لنحقق ما نطمح اليه فمن يريد الحكم عليه الوصول الى قدر اكبر من الناس، حتى وان كنا نقر ان وضع الاحزاب اليسارية في العالم في وضع انحسار. واقول إن الجبهة الشعبية تبقى تجربة فريدة في العالم العربي بل في العالم.
• شككت في إمكانية تغير الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس والحال ان الشاهد قال انه قدم حكومة حرب، وقدم برنامجا مدققا بالأرقام ؟
الشاهد قال في البرلمان ما قاله قبل سنة، برنامج يتضمن 5 نقاط منها رفع نسبة النمو وحل إشكال التشغيل. ولكن الواقع يبين انه فشل، فنحن ومنذ 2011 كل الحكومات باعتنا الوهم لانها عجزت عن تغيير الخيارات الاقتصادية السابقة من ذلك برنامج يوسف الشاهد الذي لا يمكن ان نتوقف على مستوى خطابه، فعمليا برنامج الشاهد المباشر هو اتباع وصفة صندوق النقد الدولي منها خوصصة المؤسسات وتجميد الانتدابات، وهنا يعتمد على مغالطة الشعب التونسي في ما يتعلق بنسبة الموظفين العموميين، فالأرقام المقدمة وقع تهويلها، فنسبة الموظفين من عدد السكان لا تتجـاوز 5 % والحال ان ألمانيا وفرنسا تتجاوز النسبة فيها 6 % الى 12 %. اما في ما يتعلق بكتلة الاجور فان المسؤول هو الحكومة التي عجزت عن توفير موارد للميزانية لترفع من قيمتها الى اكثر من 40 مليار دينار. خاصة وان حجم الميزانية مرتبط بخيارات سياسية وليست اقتصادية.
وما تقدم به الشاهد هو مؤشرات على رفع الدعم والترفيع في قيمة الضرائب ليكون من شبه المؤكد ان موازنة 2018 هي موازنة جشع جبائي والشاهد في خطابه عبر عن وصفات جامدة لصندوق النقد الدولي الذي لم ينجح بلد في ان يخرج من أزماته بإتباع وصفاته.
والجميع يعلم أن الجبهة الشعبية قدّمت مقترحات مباشرة وبدائل مرحلية للخروج من الأزمة ولكن الأغلبية الحاكمة "ما تحبش لا تشوفها لا تسمع بيها" لأنها معنية بمصالح الأقليات التي تمثلها، لا بمصالح تونس وشعبها، لذلك نحن نعمل على التعريف بمقترحاتنا وبدائلنا شعبيا لكسب الأغلبية لها ولتصحيح مسار الثورة والتصدي لمحاولات الالتفاف عليه.