أسلوب أمريكي جديد… ما السر وراء قانون قيصر؟

أسلوب جديد من الحرب تفرضه الإدارة الأمريكية ضد كل من يخالفها أو يواجه مشاريعها في المنطقة،

وهذا الأسلوب دخل على خط موجة العقوبات الاقتصادية التي بدأت تظهر ملامحها في الإقليم، فأصدرت قانون قيصر على الشعب السوري والذي يفرض عقوبات طويلة الأمد على مختلف الجوانب الاقتصادية وخلق طرق بديلة لتحقيق أهداف أمريكا وأدواتها في المنطقة.

إن الهدف من قانون قيصر الأمريكي هو تهيئة الأرضية المناسبة لتغيير الجغرافية السياسية السورية و محاصرة سورية وحرمانها من موارد إضافية في استخدام الطريقين الدوليين m4,m5 اللذين يربطان الأردن ودول الخليج العربي بالبحر الأبيض المتوسط ، حيث فرض هذا القانون على جميع الدول والشركات التي تتعامل مع سوريا عقوبات اقتصادية وخاصة الشركات الأردنية والشركات في دول الخليج، مما سيؤدي إلى إجبار هذه الشركات أو دولها بالامتناع عن التعامل التجاري والاقتصادي مع سوريا، مع عدم استخدام هذين الطريقين الدوليين، بما يؤدي إلى حرمان سورية من موارد إضافية، كانت قائمة قبل عام 2011.

ومن جهة أخرى استثنى هذا القانون منطقة الإدارة الذاتية في عين العرب، وهي منطقة للإدارة الذاتية الكردية وذلك من أجل تعزيز الحوارات التي تقام من تحت الطاولة بإشراف أمريكي والتي تتلخص في جعلها دولة اتحادية، أي إقامة فدراليات في سورية، وبمعنى آخر فإن الولايات المتحدة تسعى إلى فدرلة سورية كما هو سعيها وتخطيطها لفدرلة بقية دول المنطقة العربية في العراق وفي اليمن وفي ليبيا وفي وقت لاحق السودان .

إن اعتماد قانون قيصر يشير إلى مدى إحباط الولايات المتحدة من فشل خطتها التي نفذتها تحت اسم Timber sycamore، والتي سعت عن طريقها إلى تمويل وتسليح جماعات إرهابية مختلفة في سوريا لتقوم بالوكالة بتفتيت وتقسيم سوريا، وبالتالي تكريس هيمنة أمريكا على سوريا، بما يخدم أمن إسرائيل الإرهابية.

هنا لا بد من التذكير بأن مشروع قانون القيصر هو نسخة سورية للطبعة العراقية التي سمّيت بـ«قانون تحرير العراق» عام 1998، والذي استند فيه إلى «منطقة الملاذ الآمن»، بالقرار الذي اتخذته واشنطن عام 1991، بالترافق مع تشديد الحصار على العراق والذي امتد لأكثر من 12 عاماً تمهيداً لإطاحة نظامه واحتلال البلاد بالكامل وتركها لفوضى خلاقة ما زالت تأثيراتها وتداعياتها قائمة ومستمرة حتى يومنا الراهن.

لنكن أكثر صراحة ووضوحاً إن هذه العقوبات الأمريكية إجراءات اقتصادية أحادية الجانب من خارج إرادة المجتمع الدولي وتمثل سلوكا منافيا للشرعية الدولية، وتجعل منها واحدة من أكثر مظاهر الإرهاب الاقتصادي، وإن الحكومة السورية تستطيع مواجهة قانون قيصر والمخطط الأمريكي بأكمله من خلال علاقاتها مع الدول الصديقة مثل روسيا والصين وبعض دول آسيا وأفريقيا ودول الجوار كالعراق والأردن ولبنان، كما يمكن إطلاق شعار الاعتماد على الذات الذي يؤسس للاعتماد على الإمكانيات السورية، ومن جهة أخرى تدعيم المواجهة والمقاومة الاقتصادية، عبر استراتيجيات تنقسم بين ما هو ضروري وعاجل، وهو توفير كل مصادر الطاقة لاستمرار عجلة الإنتاج وتوفير البدائل من بضائع في الأسواق، وتحريك الاقتصاد، بالتزامن مع محاولات ضبط أسعار الصرف ومواجهة التذبذب بسعر صرف الدولار، والاستمرار في التخطيط ودراسة وتنفيذ إعادة الاعمار.

ومما يثير السخرية، إن الإدارة الأمريكية تزعم إن هذه العقوبات تأتي حسب وصفها، لمصلحة الشعب السوري وحماية المدنيين، وهم يدركون تماما إن هذا القانون يستهدف كامل الشعب السوري وستنعكس نتائجه على حياة كل السوريين وخاصة الطبقات الأكثر فقراً منهم وهو ما يناقض بشكل كلي أهداف القانون المعلنة بأنه لحماية المدنيين السوريين بينما يستهدف في الحقيقة تدمير كل مقومات حياتهم. كما أن الإدارة الأمريكية تعتقد إنها قادرة على خداع الرأي العام الدولي والعربي، لكن إرادة الشر والعدوان الأمريكي تبقى مكشوفة لدى الشعوب، عبر حروبه المتعددة التي تستهدف الإنسان في كل بقعة من بقاع الأرض.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115