صريحة لسياسات فرنسوا هولاند ومانويل فالس بقيام بعض السياسيين بتوزيع عريضة ساندها أكثر من 660 الف مناضل اشتراكي .
ونشرت الوزيرة السابقة مارتين أوبري وعدد من كبار قادة الحزب في جريدة لوموند نصا لاذعا ضد سياسة الحكومة مما أصبح يهدد وحدة الحزب ويقلل من إمكانية المحافظة على قصر الإيليزي في الانتخابات الرئاسية القادمة في ماي 2017. ولقد أشرنا في عديد المناسبات إلى تدني شعبية الرئيس الفرنسي جراء سياساته خاصة تجاه البطالة التي استفحلت إلى حد أن كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد منها كان مآلها الفشل. وأصبحت فرنسا استثناء في أوروبا حيث ان جل البلدان الأعضاء في الإتحاد، خاصة تلك التي مرّت بأزمات خانقة مثل اسبانيا وأيرلندا والبرتغال، وجدت طريقها نحو النمو وتقليص حدة البطالة.
لكن الأزمة في فرنسا تحولت من أزمة حكومة غير قادرة على تنمية الإقتصاد وإيجاد الحلول للحد من البطالة إلى أزمة داخلية، من نوع ايديولوجي، يتصارع فيها جناحان: الجناح اليساري الذي لا يزال يدافع عن «الحلول اليسارية» للأزمة وجناح الرئيس هولاند الذي ينعته الإعلام الفرنسي بالليبرالي الاجتماعي أي ذلك التوجه الذي قبل بالنظام الليبرالي الرأسمالي والذي يحاول الحفاظ على «النموذج الفرنسي» بإدخال جوانب تعديلية لصالح الطبقات الضعيفة والمتوسطة.
انقسامات سياسية
أول الانقسامات كانت بين الحزب الاشتراكي وأحزاب اليسار الأخرى التي رفضت عام 2012 المشاركة في الحكومة. ثم تلا ذلك الخروج من الحكومة لكل من حزب الخضر والوزراء الإشتراكيين المحسوبين على التيار اليساري مثل بونوا هامون وأرنو مونتبورغ. لكن ذلك لم يمنع الحكومة من مواصلة أعمالها وبالمحافظة على دعم الحزب الإشتراكي. لكن أول انقسام مهيكل جاء من كتلة «المنتفضين» داخل البرلمان وعددهم لا يتجاوز الثلاثين. كانوا يصوتون على مشاريع القوانين الحكومية بالرفض أو بالإمتناع عن التصويت. وتفاقمت هذه الظاهرة بعد الهجمات الإرهابية عند إعلان الرئيس هولاند عن عزمه سحب الجنسية من كل الإرهابيين الفرنسيين حاملي جنسيتين أي الفرنسيين المسلمين الذين تورطوا في أعمال إرهابية. وتفاقمت الأزمة مع «المنتفضين» داخل الحزب إلى حد تصويت 100 من نائبي الحزب الاشتراكي ضد هذا القانون. وكان ذلك مؤشرا واضحا على تحول الرأي العام الاشتراكي من نقد سياسات الحكومة إلى رفضها.
آخر المستجدات التي عمقت الهوة بين الجناحين تقديم وزيرة التشغيل مريم الخمري، من« أصل مغربي»، مشروع قانون يهدف إلى تعديل قانون الشغل في اتجاه التخلي عن نظام 35 ساعة شغل بفرض اللجوء إلى الاستفتاء داخل المؤسسات التي يمكن أن تسمح بتشغيل العملة في حدود 60 ساعة اسبوعيا. وهو ما اعتبره البعض تراجعا على مكاسب الطبقة الشغيلة ورجوعا إلى قوانين القرن التاسع عشر. ويمكن القانون تسهيل عمليات طرد الشغالين وتقليص نسب التعويض المالي. مما هيّج الشق المعادي للسياسات اللبرالية للحكومة .
مظاهرات لعمال وفلاحين وطلبة
ساد المناخ السياسي الفرنسي منذ أسبوع صراع في الأفق مثل الذي رواه أحمد فؤاد نجم عن «عمال وفلاحين وطلبة» في مواجهة سلطة غير عادلة. هذه الصورة الكاريكاتورية ليست في الواقع بعيدة عن الحقيقة. إذ تعددت منذ ثلاثة أسابيع مظاهرات الفلاحين منتجي الحليب ضد تدهور أوضاعهم التي أصبحت تهدد مؤسساتهم جراء القوانين الأوروبية المشجعة على الإنتاج والتي جعلت أسعار الحليب تنهار هذه السنة دون أخذ الإجراءات اللازمة في الحد من الإنتاج وتعويض الضرر للمنتجين.
في نفس السياق، اجتمعت النقابات المهنية ووافقت 10 من بينها، وهو رقم قياسي في تاريخ الحركة النقابية الفرنسية، على تنظيم مظاهرة موحدة يوم 9 مارس الجاري في باريس و كل المدن الفرنسية للتنديد بقرار «تفكيك مجلة الشغل» لصالح رجال الأعمال و المطالبة بسحب قانون مريم الخمري. وواكب هذا التحرك توقيع أكثر من 660 ألف شخص على عريضة تندد بالقانون وتطالب بسحبه. ولا يزال منظمو العريضة يسعون الى توقيع مليون فرنسي عليها. وكما كان متوقعا في الأوساط الصحفية التحقت النقابات الطلابية والتلمذية بالحركة. وأعلنت كل النقابات الطلابية اليسارية مساندتها للمظاهرة ومشاركتها فيها.
هذا التحرك، وإن لم يكن مساندا لموقف السياسيين المنتفضين داخل الحزب الاشتراكي فإنه أعطى دفعا واضحا للجناح اليساري داخل الحزب مما جعل الأمين العام جون كريستوف كومباديليس يعبر عن تحفظه على مشروع القانون في خطوة جريئة تشير إلى ما قاله بعض الرموز في الحزب أن السياسة الحكومية تخبز بعيدا عن هياكل الحزب في قصر الإيليزي ودواوين الوزارات وأن الحزب أصبح وعاء فارغا لا علاقة له بتخطيط سياسات الدولة. هذا الوضع الحاد أثر سلبا في توجه الحكومة مما جعل الرئيس هولاند يؤجل النظر في القانون حتى يأخذ الحوار مع النقابات ومع الحزب مكانه لصنع نص توافقي. لكن كل هذه التحركات لم تجد إلى الآن مرتكزا يوحد وجهات النظر بين المعارضين للسياسة اللبرالية المتبعة. وتبقى التحركات بين الاشتراكيين والخضر واليساريين رهينة أجندات الزعماء والتحالفات الممكنة في السباق على الرئاسة.