تداعيات الاتفاق الروسي التركي في سوريا: موسكو تحيّد إيران لتمرير الاتفاق الثلاثي

تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء القمة الذي جمعه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان

في أستانا يوم 17 سبتمبر، من فرض حل وسط مع تركيا لتحرير مدينة إدلب السورية من الجهاديين و الثوار الذين تم نقلهم إليها خلال معركتي حمص و حلب بإرساء «منطقة غير عسكرية» يتم نقل المقاتلين إليها بعد تخليهم عن أسلحتهم الثقيلة.

قمة أستانا سبقتها قمة طهران الثلاثية في 7 سبتمبر بين روسيا و إيران و تركيا و التي انتهت بدون التوصل إلى حل نهائي في شأن استرجاع إدلب من قبل القوات السورية التي تطوق المدينة. رفض الحل العسكري من قبل أردوغان، و الذي يدافع عنه الرئيس الإيراني روحاني، فتح الباب أمام المناورة الروسية التي نجحت في «تحييد» إيران من المفاوضات مع تركيا لحماية نتائج الإتفاق من الخطر الغربي الذي يصنف إيران في «محور الشر» و يفرض عليها عقوبات و يطالبها بعدم التدخل في الشأن السوري تقارب روسي تركي غير طبيعي بين موسكو و أنقرا أكثر من موضوع خلافي في الشأن السوري و في جملة من المواضيع الأخرى: رفض تركيا للحل العسكري و رغبتها في رحيل بشار الأسد و دعمها المالي و العسكري للمجاهدين التابعين لجبهة النصرة، ومقاومتها للأكراد و استحواذها على شريط حدودي داخل التراب السوري.

على صعيد العلاقات الثنائية هنالك تنافس على النفوذ في المنطقة مع ركون أنقرا إلى سياسة برغماتية تجاه موسكو بعد أن وقف الرئيس بوتين «إلى جانب الشعب التركي» ورئيسه في محنة محاولة الإنقلاب. التقارب الروسي التركي يخضع إلى تفاهم حول المصالح المشتركة. تركيا تحتاج إلى الخبرات الروسية في قطاع البناء والبنية التحتية وإلى أفواج السياح الروس.
وروسيا تسعى إلى تثمين دورها في المنطقة مع إصلاح علاقاتها مع تركيا التي لا تزال ثاني قوة عسكرية في الحلف الأطلسي. و اغتنم بوتين فرصة تدهور العلاقات بين أنقرا و واشنطن من ناحية و تركيا و أوروبا من ناحية أخرى لتسهيل التوصل إلى اتفاق بقبول «تحويل» منطقة اللجوء من إدلب إلى «منطقة غير عسكرية» تحت إدارة مشترك من روسيا وتركيا.
بذلك تتمكن القوات السورية في الأيام المقبلة من استرجاع إدلب واستكمال مشروع بسط سيادتها على أراضيها في وجه فيالق الجهاديين والمقاتلين الذين تم تجنيدهم من قبل دول الخليج و قوات التحالف الدولي وتركيا.

تجليات الاتفاق
يقضي الاتفاق بين بوتين وأردوغان أن يترك المقاتلون أسلحتهم الثقيلة ويتم إعادة نشرهم في منطقة معزولة على خط التماس خارج المدينة. وصرح بوتين عقب القمة قائلا «إتفقنا على بعث منطقة غير عسكرية من 15 إلى 20 كم عرضا على طول خط التماس، وذلك ابتداء من 15 أكتوبر تحت إدارة وحدات من الجيش التركي ومن الشرطة العسكرية الروسية» على أن «تتخلى كل مجموعات المعارضة عن كل الأسلحة الثقيلة» قبل موعد 10 أكتوبر.

نص الاتفاق يوحي بأن المقاتلين يمكنهم أن يحتفظوا بأسلحتهم الخفيفة كما حصل في حلب وهو تنازل روسي لتسهيل الإتفاق. يفتح الباب هذا الاتفاق إلى تمكين دمشق من بسط نفوذها على مدينة إدلب، آخر معقل للمقاتلين والجهاديين المدعومين ماليا وعسكريا من قبل دول الخليج وتركيا وباقي دول التحالف الدولي ضد ‘’داعش’’. من ناحية أخرى، نقل المقاتلين سلميا من إدلب إلى المنطقة المعزولة لا يغضب تركيا وحلفاءها بقدر ما يبعد شبح التدخل العسكري الغربي لتفادي «الكارثة الإنسانية» التي بشرت بها منظمة الأمم المتحدة و جل العواصم الغربية في حالة شن حرب على إدلب. هكذا نجحت الدبلوماسية الروسية في نزع فتيل غضب الدول الغربية و إبعاد «الحل الأممي» المتمثل في إحياء مفاوضات جينيف.

وتدخل زيارة بوتين إلى برلين في هذا المخطط حيث حصل الزعيم الروسي على موافقة أنجيلا ميركل التي أصبح لها يقين، أعلنته أكثر من مرة، أن الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب لا تخدم مصالح أوروبا بل هي نعتت بـ«العدو» من قبل نزيل البيت الأبيض. و تلتقي هكذا أول قوة في أوروبا في نفس الخندق مع روسيا التي تربطها بها علاقات اقتصادية متينة منفتحة على تطورات جديدة خاصة في ميدان استغلال الطاقة. عقبات في وجه الحل النهائي إلى حد الان سياسة الشطرنج الذي يلعبها الزعيم الروسي أظهرت نجاحات حقيقية في تدعيم نفوذ موسكو في منطقة الشرق الأوسط عبر مد قنوات تواصل مع سوريا و إيران و العراق و تركيا. تبقى ثلاث عقبات أمام الحل النهائي للملف السوري. العقبة الأولى تتمثل في الوجود العسكري التركي على الشريط الحدودي مع سوريا بدعوى مقاومة المجموعات الكردية. الثانية تتعلق بالقوات الخاصة الأمريكية وبمجموعات من القوات الأوروبية المتواجدة على الأراضي السورية لمناصرة الأكراد وبعض المجموعات المقاتلة التي جندتها الدول الأوروبية للإطاحة بالأسد. العقبة الثالثة هي ملف إعادة اعمار سوريا الذي تم تقديره بمائتي مليار دولار على الأقل.

وهي «الكعكة» التي تريد الدول الغربية اقتسامها. الطريق لا تزال طويلة حتى تدخل القوات الفاعلة في سوريا، على اختلاف مشاربها و أهدافها، في تحضير الحل السياسي النهائي الذي سوف يصبغ مستقبل سوريا في محيطها الجديد. لكن مع تواجد القوى الأجنبية على التراب السوري، فإن إمكانية إشعال النزاع مجددا لا تزال واردة خاصة أن بعض الدول الخليجية تطرح على نفسها منذ مدة قصيرة إعادة صياغة إستراتيجيتها القتالية في المنطقة على ضوء تطور النزاع مع إيران.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115