قامت تريزا ماي الوزيرة الأولى البريطانية بجولة في أهم البلدان الأوروبية، آخرها فرنسا، حتى تتمكن من تغيير المواقف التي تتعرض للمشروع البريطاني الذي تقدمت به للمفوضية الأوروبية.
قبل اللقاء الذي جمعها بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في برج بريغانسون ، مقر إقامته الصيفية، قامت تريزا ماي بلقاء المستشار النمساوي سباستيان كورتز يوم 27 جويلية لضمان مساندته في توجهها الجديد المبني على «الكتاب الأبيض» الذي أعدته و حصلت في شأنه على موافقة مجلس العموم. وأرسلت وزراءها لبعض العواصم الأوروبية مثل برلين وستوكهولم و فيينا وبراغ ولاهاي لتوضيح الموقف البريطاني و جلب الدعم.
لكن ماي تشاطر رأي فريقها في التفاوض الذي يعتبر أن الرئيس الفرنسي و كبير المفاوضين الأوروبيين، الفرنسي ميشال بارنيي، هما حجر عثرة أمام تصورها لمسار خروج بريطانيا من أوروبا بأقل ضرر ممكن. و تحاول ماي مراوغة كبير المفاوضين بلقاءاتها المتعددة مع زعماء الدول و كذلك رئيس المفوضية جون كلود يونكر الذي اجتمعت به يوم 3 أوت قبل أن تنتقل إلى فرنسا للحصول على ليونة في الموقف الفرنسي يؤثر على موقف بارنيي الصلب. وهي طريقة تقليدية تتبعها بريطانيا منذ القدم و تتمحور حول مفهوم فرق تسد.
خطورة «عدم التوافق»
كررت تريزا ماي و فريقها خطورة «عدم التوافق» حول البريكسيت وخروج بريطانيا من أوروبيا يوم 29 مارس 2019 بدون اتفاق. وهو السيناريو الذي أصبح أكثر حظا مع اقتراب موعد القمة الأوروبية ليوم 20 سبتمبر القادم الذي سوف يقدم فيها ميشال بارنيي تقريره النهائي للزعماء الأوروبيين حول تقدم المفاوضات مع بريطانيا. تعتبر بريطانيا أن كبير المفاوضين تمسك بمشروعه دون أن يعطي الطرف البريطاني أي اعتبار لما تقدم به من مقترحات. وتريد تريزا ماي إرضاء معارضيها في الداخل قبل موعد مؤتمر حزب المحافظين الذي سوف يقرر مصيرها السياسي على رأس بريطانيا.
حجر الزاوية هو وضع الحدود المشتركة في أيرلندا و جبل طارق الذي يمثل مشكلة بدون حل لأن الأيرلنديين لا يرغبون في إعادة الحدود و الجمارك من ناحية، ولا يريد الأسبان إرجاع الحدود بين إسبانيا وجبل طارق الذي يعتبرونه جزءا من مملكتهم. الموضوع الثاني الشائك هو خروج بريطانيا من السوق المشتركة. وهو الملف المتعلق بالضرائب وتنقل الأشخاص والبضائع والأموال. في هذه المواضيع لم يحصل تقدم بعد.
السيناريو النكبة
لوح فريق بريطانيا في التفاوض أن أسوأ سيناريو هو الذي أصبح قريب التحقيق في صورة عدم التوصل إلى اتفاق مع بروكسل. و يتمثل في تدهور فوري للوضع الاقتصادي في بريطانيا مع إمكانية نقص في الموارد الغذائية و مواد الاستهلاك و الدواء لما للاقتصاد البريطاني من حاجة تفوق 690 مليار يورو من التبادل التجاري مع السوق الأوروبية. و كذلك إرجاع الحدود و الجمارك سوف يكون له انعكاس سيئ على التشغيل و نسق التبادل مما يهدد بريطانيا بمجاعة. الكتاب الأبيض البريطاني أقر، لأول مرة منذ انطلاق المفاوضات، أن بريطانيا ترغب في شراكة قوية مع أوروبا و تعاون استراتيجي متطور في ميدان الأمن و الحرب على الإرهاب.
هذه المقترحات الجديدة التي اعتبرها ميشال بارنيي غير كافية مع إقراره بأن أوروبا تشاطر بريطانيا رغبتها في إرساء علاقات متميزة هي التي سوف تبنى عليها المقترحات الأخيرة لختم المفاوضات. و أضاف بارنيي «لقد توصلنا إلى اتفاق حول قاسم مشترك : يرغب الطرفان في اتفاق طموح حول التبادل الحر و ضمان للمنافسة الشريفة». من ذلك أن اقترح الجانب البريطاني الإبقاء على تبادل البضائع في السوق المشتركة – وهو ما يحل المشكلة الأيرلندية – مع فرض رقابة على السوق المالية. لكن ذلك لن يرضي الأوروبيين. لذا اعتبرت تريزا ماي أن الحل لا يمكن أن يكون إلا سياسيا، بعيدا عن التقنيين ، أي عن المفوضية الأوروبية التي لا يكن لها البريطانيون أي تقدير.
هل حصلت تريزا ماي شيئا من لقائها بالرئيس الفرنسي؟ لا شيء تم تسريبه من الدوائر المطلعة في الرئاسة الفرنسية. وهو ما يعني أن تقدما ما قد حصل و أن الكواليس شرعت في شغلها مع كبير المفاوضين الذي يحظى بثقة و مساندة كل الدول الأعضاء. المفروض اليوم أن تأخذ بروكسل بعين الاعتبار المقترحات الجديدة لختم الملف نهائيا بعد أن قبلت الوزيرة الأولى بالمقترحات الأساسية الأوروبية المتعلقة بسداد ميزانية الخروج و ضمان التنقل بين شقي أيرلندا و اسبانيا و جبل طارق و التمسك بالسوق المشتركة كقاسم مشترك للتبادل الحر.