شروط ورهانات المصالحة بين سوريا وتركيا ..

رغم إختلاف وجهات النظر بينهما في الكثير من الملفات المعقدة، أثار تغير المواقف الدولية بشأن الأزمة السورية سؤالاً مفاده:

هل ثمة حوار سياسي وشيك سيجمع بين دمشق وأنقرة على مائدة تفاوض واحدة؟، هذا السؤال وبرغم صعوبة التكهن بإجابته، بات مهماً وضرورياً خصوصاً بعد تصريحات أردوغان بعد أسبوع من مصافحته للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والذي قال إن تركيا يمكن أن «تضع الأمور في مسارها الصحيح مع سوريا»، في إطار ذلك فإن المراقبين ذوي الشأن اختلفوا حول الإجابة، فهناك من أكد على إمكانية التوصل لحلول في ظل التطورات الأخيرة وما أفرزه لقاء الرئيس أردوغان مع بوتين والحديث عن تفاهمات سياسية بشأن المنطقة يعزز هذا الأمر، بينما أكد آخرون أن الأمر ليس ممكناً في الوقت الحالي.
اليوم يقف أردوغان وحيداً، فلا ندوات ولا مؤتمرات أصدقاء سورية باتت تعقد، ولا الحليف الأمريكي مستعد لإقامة مناطق آمنة وحظر جوي، والأهم من ذلك وجود تفاهم روسي- غربي -عربي لحل الأزمة السورية واجتثاث الإرهاب من جذوره في المنطقة، فالخطأ الأكبر الذي أرتكبه أردوغان يتمثل في أمرين أساسيين، الأول هو حساباته وتقديراته الخاطئة بأن هذه الحرب في سوريا لن تدوم أكثر من أسابيع معدودة وبعدها يسقط النظام، والثاني الاعتقاد بأن التحالف العربي الغربي الذي تكون بمبادرة تركية يمكن أن يسقط الحكومة السورية مثلما أسقط النظام الليبي ومن قبله العراقي.
فبعد أكثر من 10سنوات من الحرب على سوريا سجّل الرئيس أردوغان إنعطافة غير مسبوقة بقوله إنه مستعد لإجراء محادثات سياسية مع دمشق، والمتتبّع للتصريحات التركية إزاء سوريا منذ بداية الأزمة يستغرب من حقيقة هذا الإنحراف التركي المفاجئ نحو إقتراح الحلول، وهي الدولة التي راهنت كثيراً على قدرتها على عزل القيادة السورية وتدمير سوريا ولم تدّخر جهداً على كل الصعد للوصول إلى هذه الغاية، هنا نتساءل عن أسباب إنقلاب أردوغان في موقفه تجاه سوريا، ويمكن إيجازها بـ: تعزيز موقف الرئيس التركي قبل الانتخابات في العام المقبل، خاصةً إذا تناول هدف أنقرة بإعادة بعض من 3.6 مليون لاجئ سوري من تركيا.

كما تريد أنقرة إبعاد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية السورية عن الحدود، هذا بالإضافة إلى ان الرأي العام التركي يضغط باتجاه عودة العلاقات مع دمشق، فهو يريد بأي شكل إنهاء الانخراط التركي في المشكلة السورية على النحو الذي يجري الآن، وهناك مراجعاتٌ أميركيةٌ وأوروبيةٌ بشأن سوريا، لذلك فإن كل هذه الأسباب والمتغيرات العربية والإقليمية والدولية كان طبيعياً أن ويحاول أردوغان اللحاق بالركب الغربي والعربي كي لا يجد نفسه وحيداً في مواجهة بوتين خاصة بعد فشل عاصفة الجنوب وحصول تفاهمات أردنية وخليجية روسية بشأن الأزمة. ولا شك إن دمشق ترى أن التقارب أو الاجتماع بين سوريا وتركيا عديم الجدوى إذا لم يأت بشيء ملموس، لذلك لا بد من الانسحاب الكامل للقوات التركية من الأراضي السورية بأسرع وقت ممكن.

كما ترى دمشق بأن التفكير التركي بشأن الهجوم على الشمال السوري مغامرة كبيرة ونتائجه أكبر وأخطر في التورط في المستنقع السوري. وانطلاقا من كل ذلك، يجب على تركيا إعادة النظرة في الرهانات السياسية الخاطئة قبل فوات الأوان لنعُد بشريط الأحداث إلى الوراء قليلاً حيث يعلم جميع المراقبين السياسيين أن تركيا منذ بداية الأزمة عملت بكل الوسائل والإمكانات المالية والإعلامية والعسكرية في سبيل تجنيد مقاتلين وتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم وإرسالهم إلى سوريا، أما اليوم ووفقاً للوقائع التي أخذ يفرضها الميدان السوري، فإن تركيا باشرت مرحلة حصر الأولويات، فبدأ همّها الوحيد يتحول إلى الحرب على الإرهاب، وبدأت تعيد حساباتها بالنسبة للأزمة السورية، وتخشى من توتر خطير في علاقاتها مع طهران وبغداد وموسكو وبكين، كما باتت قلقة من انزلاق السلاح المتطور الذي يجري تهريبه عبر الأرض التركية إلى الأراضي السورية إلى أيدي المقاتلين الأكراد، وتخوفاً من جبهة قتال جديدة ضد تركيا، لقد أدرك أردوغان متأخراً أن سقوط الدولة السورية لن يكون لمصلحة تركيا، كما كان يعتقد، بل إن انهيار الدولة سيؤدي بالتبعية إلى حدوث اضطرابات كبرى داخل تركيا ويدفع بالأكراد إلى إعلان دولتهم على الحدود مع تركيا، مما ستكون له تبعاته الحظيرة على وضع الأكراد داخل تركيا .

في هذا السياق نحن مع الجلوس على طاولة المفاوضات ولكن على أساس وقف العدوان والانسحاب الكامل من الأراضي السورية، فأي مفاوضات أو حوارات بدون وقف الحرب لا جدوى منها وليس لها اي مدلول ولا تعكس حسن النوايا لدى تحالف العدوان بقيادة تركيا وحلفاؤها لإنهاء الحرب على سورية، بل إنها عملية مراوغة تحاول تحقيق مكاسب لم تستطع أن تحققها على الأرض ميدانياً وعسكرياً.

مجملاً.....الكل يبذل الجهود في المشاورات والمباحثات الإقليمية والدولية لإيجاد حل سياسي في سوريا، لذلك أرى أن هناك تحول كبير بالساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على تضييق الأزمة السورية، خاصة أن هناك دول غربية بدأت تعيد حساباتها وتغير موقفها تجاه الأزمة السورية.
واستكمالا لكل ما سبق نقول: أن سورية ستبقى موحدة أرضاً وشعباً مهما اشتدت وكبرت المؤامرات، وسيحافظ الشعب السوري على وحدته، مهما بلغت التضحيات، وبالتأكيد سيخرج المتآمرون مهزومين وسيفشلون أمام إرادة صمود سورية وشعبها وجيشها، وها هي الانتصارات في سورية تلوح في الأفق، حيث يتم تحرير مناطق طالما راهن الإرهابيون على احتلالهم لها، وسيكون العام 2023م بداية نهاية الإرهاب وأدواته ...وإن إنتصارات سورية تحمل بشائر متغيرات إقليمية ودولية لصالح استعادة سوريا والمنطقة بأكملها الأمن والاستقرار والسلام.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115