يتحدث حسون في هذا الحوار الشامل لـ “ المغرب “ عن الوضع اليوم في العراق وآخر تطورات المشهد السياسي والأمني . ويوضح ان داعش الارهابي فقد اكثر من ثلاثة ارباع المساحات التي سيطر عليها في جوان 2014 . ويرى محدثنا ان الثورات في منطقتنا لا يبقى منها سوى الانقلابات العسكرية وهي غالبا ما تنتهي الى وضع الحكم بيد فئة سياسية تقوم بفرض رأيها على الاخرين على حد قوله.
• أين وصلت معركة الفلوجة؟
كلما اقتربت الحرب من نهايتها ازدادت صعوبتها، لانها تأخذ في التركز في مناطق اصغر مساحة واكثر كثافة بالاسلحة والمقاتلين. ما انجز خلال الفترة الماضية هو السيطرة على ضواحي ومدن وقرى الفلوجة، وهي كانت تشكل نقاط امداد وحرية حركة لقوات داعش، وقد خسرتها داعش واصبحت تحت سيطرة الجيش العراقي. والدخول الى المدينة، والسيطرة عليها كليا، قد يتم في اية لحظة وقد يحتاج الى اسابيع.
اعتقد ان وجود المدنيين يتحكم بهذه النهاية بشكل استثنائي حد المبالغة. وجود المدنيين هنا عامل في غاية الاهمية، فسكان هذه المدينة هم من «السنّة» ومحاولة حمايتهم او التضحية بهم سينعكس على الوضع السياسي وعلى العلاقة بين قوى الاسلام السياسي السني والشيعي في العراق، وهي القوى السياسية الحاكمة اليوم. وهو ايضا سيؤثر على معركة الموصل.
• ما هي المناطق التي ما زالت تحت سيطرة داعش في العراق وما مساحتها؟
فقدت داعش اكثر من ثلاثة ارباع المساحات التي سيطرت عليها في جوان 2014 وبعد الفلوجة ستنصرف الانظار الى المحطة الاكبر والاخطر: الموصل. ويمكن للمتابع ان يرى نموذجا مصغرا لمعركة الموصل في معركة الفلوجة، بانعكاساتها السياسية والحزبية والطائفية.
داعش الان في موقف دفاعي وقد فقدت المبادرة الاساسية التي امتلكتها قبل عامين عندما سيطرت على اكثر من ثلث مساحة العراق وكانت تهدد حتى العاصمة بغداد.
• معركة الفلوجة هل وحدت العراقيين؟
من الصعب الاجابة بنعم او لا على مثل هذا السؤال، فالجمهور العراقي منقسم حول اشياء كثيرة واقل حجما من معركة الفلوجة. لكن ما يمكن تأكيده هنا ان معركة الفلوجة وحدت سنة وشيعة في العراق كما لم يحصل من قبل. (اود التأكيد على انها وحدت سنة وشيعة وليس السنة والشيعة) السبب المباشر في هذا التوحد يعود الى وقائع على الارض وليس على افكار مجردة. فلأول مرة هناك اكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون سني يعيشون في المخيمات وهم قد هربوا هذه المرة من قوى «سنية» تزعم تمثيلهم والدفاع عنهم وهي داعش. هذا لم يحصل سابقا في العراق حتى مع سيطرة «القاعدة» سابقا على مدن سنية بالكامل.
لقد كنا نرى مهجرين سنة او شيعة هربوا من بعضهم ايام الحرب الطائفية عام 2005 - 2006 لكننا لم نشهد من قبل شيعة يهربون من قوى شيعية مسلحة، او سنة يهربون من قوى سنية مسلحة بهذا العدد الهائل من السكان. ونعم.. هناك نوع من الوحدة ولكن عند اصحاب المصلحة المباشرة والعاجلة في الخلاص من «داعش».
• من يشارك في عملية الفلوجة، وهل هناك مشاركة امريكية؟
الحرب ضد داعش والارهاب هي حرب دولية، وينبغي الاقرار بان بلدا لوحده لن يستطيع مواجهة داعش الارهابي او حتى حق السكوت عنها او التعايش مع وجودها، فداعش تنظيم يستهدف الجميع.. والجميع يحارب داعش في الفلوجة وغدا في الموصل وسوريا.
طبعا امريكا موجودة في هذه الحرب.. ايران موجودة ايضا ولا احد منهما يحاول اخفاء هذا الواقع.. اوروبا موجودة، وتركيا ستكون موجودة غدا.. بل ان السعودية ستجد نفسها في موقف اخر عندما تقترب معركة تحرير الموصل.. واذا كان ثمة انكار او استنكار يخرج من هنا او هناك فهو مجرد كلام سياسة صغيرة او مراهقة، اعني سياسة تتعالى على الواقع وتنكره. ان ثقافتنا العربية السائدة هي ثقافة فاسدة ومشوهة، وقد وضعت مقاييس للصحّ والخطإ لا تصلح للقياس، مثل العداوة المسبقة لدول بعينها وتحديد الموقف من هذه القضية او تلك بناء على الموقف من تلك الدول.
هذه سياسة القبائل ايام الجاهلية، وسياسة «عدو عدوي صديقي» وهي ان صلحت للتعامل مع قبيلة مجاورة يومذاك، فهي لا تصلح في ايامنا هذه في الموقف من الارهاب وغيره من القضايا. بعض القوى والاحزاب والدول وجدت نفسها في صف الارهاب لان الارهاب مثلا هو عدو لامريكا!
اذا لم تفلح داعش في دفعنا للصحو من تلك الغفلة فليس فينا من يستحق الصحو حتى لا اقول الحياة!
• ما مدى خطورة ان تأخذ الحرب بعدا طائفيا؟
كل شيء يأخذ بعدا طائفيا في العراق، خصوصا وان المجتمع انقسم عموديا منذ العام 2003 بصيغة طائفية. لايمكن في الواقع النظر الى الصراع السياسي في العراقي بعيدا عن بعده الطائفي، فكيف والحالة حالة حرب يقودها الشيعة وفي مدينة سنية بالكامل؟
لكن هذه قد تكون «قشرة» الاشياء، فالحرب الطائفية اندحرت في العراق وانتهت دون اعلان كبير عن نهايتها. الواقع ان هذا حصل حين اصبح الصراع الاساسي، والسياسي ايضا، هو صراع شيعي شيعي من جهة وسني سني من جهة أخرى، ودون ان ننسى انه اصبح ايضا كرديا كرديا في اقليم كردستان. لقد عبر العراقيون مرحلة الحرب الطائفية رغم وجود هذه المشاعر بشكل قوي هنا وبشكل ضعيف هناك.. لكن المشاعر الطائفية الان، وفي المستقبل، لن تعود هي المتحكمة الاساسية في الصراع داخل العراق.
• ما وضع المدنيين في المدينة؟
هو وضع في غاية الصعوبة بالتأكيد.. فالعيش تحت سلطة داعش، في حد ذاته، هو جحيم لا مثيل له ولم تختبره المجتمعات البشرية من قبل. لقد مرت البشرية بتجربة العيش تحت سلطات دكتاتورية او سلطات احتلال خارجي، وكانت المجتمعات والافراد تجد طريقها للحد الادنى من العيش بسلام، لكن العيش تحت سلطة داعش غير مسبوق.. فهو يمثل الاستيلاء الكلي على تفكير وانماط حياة الناس اضافة الى الاستيلاء على حياتهم ذاتها ومصادرة مستقبلهم (داعش لا تتحدث عن المستقبل بل تتحدث عن الاخرة فقط!).
وقد ازدادت هذه الصعوبة عندما بدأت محاصرة المدينة والشروع في تحريرها. وعلينا ان نعترف، بكل اسف، ان لا وجود لحرب نظيفة بين الجيوش الرسمية للدول، فكيف الحال والحرب تدور مع عدو يتحصن بالمدنيين ويعتبر موتهم امرا طبيعيا ومطلوبا.
لقد تم تهويل وضع المدنيين، الصعب اصلا، من جهة لأغراض سياسية، ولنفس الأغراض تم التهوين من معاناة المدنيين في الحرب وما يرافقها من حصار ودمار.. وعلينا الاقرار ان المدنيين في كل الحروب هم وقود الحرب وابرز ضحاياها. والحرب رغم ذلك تتقدم ولم يوقف وضعهم حربا في التاريخ.
لكنني اميل الى الاخذ بنظر الاعتبار السعي الحالي، من القوات العراقية، لتقليل حجم الخسائر في صفوف المدنيين وتاثر الخطط العسكرية بوضع المدنيين اولا. ويكفي ان نعرف ان خيار المدنيين الان للخلاص والسلامة يتمثل في وصولهم الى الجيش العراقي. واعتقد ان الاستقبال الطيب الذي يلقاه هؤلاء يؤسس لعلاقات مستقبلية افضل بين الطوائف. ان صورة عفوية كهذه الصورة تأتي من ساحة الحرب، لن تكون مجرد صورة عابرة، فهي تحمل رسالة بليغة عن الروح الانسانية الرفيعة التي تنهض حتى في ساحات الحرب والدمار.
• هناك حراك مدني اليوم ضد الفساد هل يمكن ان ينجح؟ وما هي مقومات نجاحه؟
الفساد موضوع اخر اكثر تعقيدا، وهو وباء شاع في العالم وواضح ان حصة العراق منه هي من الحصص الكبرى.. ولا اظن ان موضوعا بمثل تعقيدات الفساد والياته يمكن معالجته بتظاهرات هنا وهناك، او بشعارات عامة تحملها التظاهرات ضده.
الموضوع معقد، وبسبب عمومية الشعارات فان القوى المتخاصمة سياسيا يمكن ان تستغله سياسيا وحزبيا، كما حصل في مشاركة التيار الصدري في التظاهرات وفي اقتحام المنطقة الخضراء لفرض رؤيته للاصلاح، وهي رؤية قد لا تكون موضع اجماع. لا ارى في الافق نتائج مثمرة لهذه التظاهرات ان لم تعد قياداتها النظر في شعاراتها ومطالبها.
• هل ما يحصل هو «ثورة» جديدة؟
لا بالتاكيد! فزمن الثورات انتهى، الثورات تقوم عموما في البلدان المحكومة بانظمة ديكتاتورية.. ونحن مثلنا مثل لبنان وتونس لا نحتاج الى ثورة.. بل الى تعميق وترسيخ آليات العمل الديمقراطي الدستوري المبني على توفير اوسع مساهمة للجمهور وقواه السياسية في الحكم او في اتخاذ القرار السياسي. وعموما فان الثورات (التي لم تعرف منطقتنا منها سوى الانقلابات العسكرية) تنتهي لوضع الحكم بيد فئة سياسية تقوم بفرض رايها على الاخرين. كثيرون في العراق وخارجه هم ضد التجربة الديمقراطية، وهم يريدون الفشل لها.. والحديث عن ثورة او انقلاب هي احلام خاسرين وجهلة بطبيعة النظام السياسي في العراق.
اذا تخيلت ثورة في لبنان او في فرنسا فيمكنك تخيل ثورة في العراق!
• ما هو تقييمكم للدور الخارجي في العراق؟
العراق حتى اليوم هو شأن دولي واقليمي، والحديث عن غير هذا هو مجرد مزاعم وادعاءات.
الواقع ان العراق منذ العام 1990 (عام غزوه للكويت) هو شأن دولي واقليمي، وتدور على ارضه وحتى في برلمانه صراعات المصالح المتضاربة للقوى الدولية والاقليمية.
تخيلي لو ان لقاء توافقيا تم بين السعودية وايران، كيف سيكون انعكاسه على الوضع في العراق ولبنان وبلدان المغرب العربي وغيرها؟ هل سيبقى الوضع على ما هو عليه؟
كفانا خداعا للنفس عن السيادة وغيرها.. فشعوبنا، مثل بلداننا تكاد ان تكون ممثلة لمصالح دولية او اقليمية، ومن يصرخ ضد التدخل السعودي في العراق يغض النظر عن التدخل الايراني والعكس صحيح ايضا.