في ندوة دولية بقرقنة في مشاركة نخب أكاديمية تونسية وعربية: سفير فلسطين هائل الفاهوم: يجب كسر حلقة الإحباط لدى الأجيال القادمة وذلك لمواجهة المستقبل بوعي جديد

• د. إبراهيم الرفاعي: وعد بلفور هندسة للفوضى الخلاّقة في المنطقة
• المؤرخ عبد اللطيف الحناشي : انخرط التونسيّون في دعم الفلسطينيين في محطات تاريخية عديدة

من قرقنة ...هذه الأرض التي أعطت شهداء للوطن ولفلسطين على غرار الشهيد عمر قطاط، ومن أرض المناضل النقابي الزعيم فرحات حشاد ، وجّه سفير فلسطين في تونس هائل الفاهوم رسالة رلى العالم بأن فلسطين ليست المشكلة بل هي الحل. وقال ان ما تعرّض له الشعب الفلسطيني لم يقتصر على فلسطين ويهدف الى تفتيت المنطقة العربية ككل .
جاء ذلك خلال ندوة دولية بعنوان «فلسطين هل هي الحل أو المشكل» احتضنتها جزيرة قرقنة بتنظيم من جمعية « قرقني ناجح» للتنمية المستدامة وبالتنسيق مع محامي سفارة دولة فلسطين في تونس معتصم أبو راس وبمشاركة نخبة من المثقفين والأكاديميين التونسيين والكتّاب العرب على غرار د. إبراهيم الرفاعي والمؤرخين عبد اللطيف الحناشي و عبد الحميد الفهري وبحضور والي صفاقس فاخر الفخفاخ وبالتعاون مع مركز الاصطياف والتخييم بالرملة ودار الثقافة بقرقنة وأدارها الكاتب والإعلامي هشام الحاجي .
وقدّم خلال الندوة المشاركون مداخلات وورقات علمية وبحثية تنوعت بين التطرق للمسألة الفلسطينية بكل أبعادها التاريخية والجيوسياسية وصولا الى وضع تصورات حول كيفية مواصلة دعم نضال الشعب الفلسطيني .
واللافت كان الحضور الكبير لأهالي قرقنة من كل الأعمار والأجيال وهو ما يؤكد بأن رسالة الوفاء لفلسطين تتناقلها الأجيال هنا لتحفظ الحق الفلسطيني من النسيان والتخاذل العربي .
فلسطين هي الحل وليست المشكل
واشار سفير فلسطين هائل الفاهوم في كلمته الى الترابط الكبير الذي يجمع بين الشعبين التونسي والفلسطيني مشددا على أهمية وضع استراتيجيات جديدة لترتيب الوعي العربي في مواجهة المحتل.. واضاف :» قبل احتلال الجغرافيا تم احتلال عقولنا وتسييرنا في مسيرات تتماشى مع هذه الاستراتيجية . كما طوّر أعداؤنا هذه الاستراتيجية وبحثوا عن الآليات لتنفيذها لتكون شعوبنا العربية مفتتة وللأبد» . وأشار الى صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري بالرغم من الإمكانيات المعدومة دفاعا عن مستقبل شعوبنا العربية وعن الإنسانية جمعاء . وقال ان هذا الحق الفلسطيني اذا اختفى ستختفي حقوق 99 بالمئة من ديموغرافية العالم . مؤكدا بان ذلك ليس مجرد نظرية بل بناء على تجربة مسيرة طويلة في العمل الدبلوماسي لأكثر من 40 عاما . وقال ان عودة الحق الفلسطيني هو عودة الحق في جوهره ومضمونه للبشرية جمعاء . وتابع بالقول :» عندما نتطرق لما نسميه القضايا العربية او الانسانية فان كلمة قضية هي كلمة خاطئة وتحيل الى رفع قضية أمام محكمة لكن الحق الفلسطيني مطلق ولا يمكن المساومة عليه وهو ليس للبيع والشراء في صفقة ترامب او غيره . وشدد الفاهوم على ان التركيز على الجوهر قبل الشكل سيغير ليس فقط المعادلة الإقليمية والداخلية بل المعادلة الكونية.
كما تطرق الفاهوم الى وعد بلفور وسايكس بيكو مبينا بأنها كلها استراتيجيات قامت في سبيل تجهيل شعوبنا و افسادنا من داخلنا وتقسيمنا وعزلنا والهيمنة علينا . ودعا الى كسر حلقة الإحباط لدى الأجيال القادمة حتى تستطيع مواجهة المستقبل بوعي جديد . واكد ان كل الأوراق تكشفت فأعداؤنا هم الذين صنعوا القاعدة وداعش وأقحموا الدين بشكله الخاطئ لتشويهه من داخله. مشيرا الى ان هذه مفاهيم رئيسية من المهم تطويرها بهدوء وبتراكمية».
تفاعل التونسيين مع القضية الفلسطينية
وتحت عنوان «تفاعل الشعب التونسي مع القضية الفلسطينية بين الماضي والحاضر « قدّم المؤرخ د. عبد اللطيف الحنّاشي أستاذ التعليم العالي في كلية الآداب والفنون والإنسانيات ، محاضرة تطرق فيها الى أهم المحطات التاريخية في علاقة بالترابط بين تونس وفلسطين . وذكّر خلالها بمساعي الحركة الصهيونية لإنشاء وطن لليهود في فلسطين تحت دعاوى تاريخية في القرن التاسع عشر وقد عملت هذه الحركة على توجيه الطلائع اليهودية إلى فلسطين قادمةً من روسيا للاستيطان الزراعي فيها 1884 وأنشأت العديد من المستوطنات بدعم من الأثرياء اليهود مثل البارون ليونيل روتشيلد. وبعد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول الذي عُقد بمدينة بازل السويسرية سنة 1897 بدأت الحركة الصهيونية محاولات السيطرة الفعلية على فلسطين بدلاً من الاستيطان البطيء من خلال تكثيف موجات المهاجرين اليهود إليها وإقامة مستوطنات جديدة لاستيعابهم.
واكد الحناشي ان التونسيين اهتموا بالقضيّة الفلسطينيّة منذ أواسط العشرينيات ثم تكثّف الأمر وأخذ يصل الى درجات عليا منذ الثلاثينيات. ولم يمنع الاهتمام بالقضايا الوطنيّة من الاهتمام بالقضيّة الفلسطينيّة مقابل ذلك لا يلاحظ اهتماممشابه للقضايا الخارجية وخاصة غير العربية وكانت مادة أساسية لأهم الصحف الوطنية التونسيّة في أغلب الأحيان...
واوضح على وجود النشاط الصهيوني بتونس اذ برزت الجامعة الصهيونية بتونس منذ 1920 وبرزت احتكاكات بين المسلمين وأنصار الصّهيونيّة تحولت في أحيان كثيرة إلى بعض المصادمات العنيفة التي تضاعفت خلال الثلاثينيات، ومن بين الممارسات التي ساهمت في الكشف عن النشاط الصهيوني، بالبلاد التونسية تجميع الأموال لفائدة اليهود الصّهاينة في فلسطين وتجاوب اليهود الصّهاينة بالبلاد التونسية مع أحداث فلسطين وإبراز كل ما يعبّر عن الانتماء والولاء للمشروع الصهيوني من ذلك رفع الأعلام الصهيونية والاحتفال بالمناسبات ذات العلاقة بالصّهيونيّة وجمع التبرعات المالية وتشجيع اليهود التونسيين على الهجرة إلى فلسطين.
وقال الحناشي انه في سياق التصدي للدعاة الصهاينة تم تنظيم حملة توقيع عرائض للتعبير عن رفض التونسيين زيارة الداعية الصهيوني»فلاديمير جابوتنسكي»إلى تونس، ثم وعند إشاعة نبا حضوره اتجهت مظاهرة سلمية إلى ميناء حلق الوادي يوم 17 مارس 1932 إلا أن إدارة الحماية وتحت ضغط الحملة الصحفية المكثفة والتعبئة الواسعة التي قامت بها النخبة السياسية ، تراجعت عن السماح لهذا الصهيوني بزيارة تونس، وتعتبر هذه الممارسة بشقيها:العريضة والمظاهرة، أول تحرك تونسي من نوعه لدعم القضية الفلسطينية.. وأبرز الحناشي محطات عديدة انخرط فيها التونسيون في دعم الفلسطينيين بمختلف الاشكال سواء منها المظاهرات او الاحتجاجات والدعم المالي وغيره. وأوضح ان اول متطوع تونسي من اجل فلسطين كان المبروك بن العباسي أصيل تطاوين الذي غادر البلاد سنة 1935 واستقر بالقاهرة بهدف مواصلة دراسته في الأزهر الا انه سافر الى فلسطين في أواخر سنة 1936 والتحق بالانتفاضة وتم إلقاء القبض عليه من قبل الجيش البريطاني سنة 1939 وحكم عليه بالإعدام ثم خفّضت المحكمة العسكرية حكمها الى المؤبد، وتمكّن من الهرب من السجن وظلّ مختفيا لفترة طويلة والتحق بجيش الإنقاذ سنة 1947 خاض عدة معارك وأصيب بـثلاث رصاصات في ساقه.
2676 متطوعا تونسيا لفلسطين في عام 1948
وأشار الحناشي الى ان عدد المتطوعين التونسيين الى فلسطين بلغ 2676 متطوعا الى حدود 20 جويلية 1948 وشملت حركة التطوع اغلب المناطق التونسية وان كان ذلك بتفاوت من ذلك مثلا انخراط 222 من جهة قابس و 276 من صفاقس و 256 من الساحل و 657 من تونس....
وساهم المتطوعون التونسيون في معارك الشمال مع الجيش السوري(سوريا ولبنان) والجيش المصري(القطاع الجنوبي)ومن انجازاتهم على الجبهة الشمالية اسرهم نحو 12 جنديا صهيونيا في منطقة اليهودية كما مهدوا لاحتلال قلعة القسطل ونسف جسر كالوني
وأحصى المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في كتابه نكبة فلسطين والفردوس المفقود (خمسة مجلدات)، 5 شهداء وهما محمد التونسي. واحمد إدريس الذي استشهد بالقرب من مستعمرة راما تراحيل، وعلي بن صالح التونسي ( استشهد بيافا في 28 أفريل 1948) ، وعبد الحميد الحاج سعيد وبلقاسم عبد القادر ومحمّد التّونسي وثلاثتهم استشهدوا في ماي 1948 في جنوب القدس أمّا أحمد إدريس فقد استشهد قرب مستعمرة راحات راحيل يوم 21 أكتوبر 1948
وانضم منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي عدد كبير من الشباب التونسي إلى مختلف المنظمات السياسية الفلسطينية وناضلوا في صفوفها في مواقع مختلفة وقام العديد منهم بعدة بمهام دقيقة وحساسة واستشهد خلال ذلك عدد هام منهم
وقد استقبلت تونس في جويلية 2008، ، رفات ثمانية من أبنائها ممن شملتهم عملية التبادل بين الكيان الإسرائيلي وحزب الله. وتحولت تونس الى مقر منظمة التحرير الفلسطينية واهم منظماتها بعد الخروج من لبنان في صائفة 1982 .
وتعرضت مقار منظمة التحرير الفلسطينية بتونس لهجوم صهيوني جوّي غادر وذلك في 1 - 10 - 1985 ادى الى تدمير بعض مقرات المنظمة واستشهاد نحو 50 فلسطينيا 18 تونسيا وعدد كبير من الجرحى ...
هندسة وعد بلفور
اكد الباحث والكاتب والاكاديمي الفلسطيني د إبراهيم الرفاعي في مداخلته بأن وعد بلفور هندسة جيوسياسية لكل المنطقة بدءا من فلسطين وقال ان العقدة التاريخية لدى اليهود الصهاينة -وليست لدى اليهود المواطنين- وانه لا يمكن لهذا الكيان ان يحيا بوجود حالة تماس بين هذا الكيان والعراق وبالتالي يجب – بحسب نظرية العدو- ان لا يكون له شأن الا في الصراع تارة مع تركيا او غيرها . وقال ان مؤسسي الكيان الصهيوني عملوا جهدهم كي لا يتمكن جيش العراق من مقارعة الكيان المحتل الذي سيقام في فلسطين . وقال ان هندسة وعد بلفور هي الأساس الجوهري للفوضى الهدامة التي شهدها ويشهدها العالم العربي والتي أُدخل فيها ولم يخرج الى حد الآن من أتون الدوامة . مشيرا الى ان من صنع هذا الكيان ليكون محركا للتناقضات في المنطقة والتجهيل و هو الذي يدير الفوضى الهدامة التي لها شروطها وأهمها فرض نظام إقليمي سياسي استخباراتي وعسكري صهيوني في المنطقة بديل عن أي تجمع عربي في هذه المنطقة يمكن ان يرفع راية تحرير الوطن العربي قبل رفع تحرير فلسطين .
وأشار الباحث والكاتب والحقوقي ماجد البرهومي في مداخلته الى أهمية التصدي لخطر التطبيع بمختلف أشكاله السياسية والثقافية وغيرها.
وتعرّض المؤرخ عبد الحميد الفهري خلال مداخلته الى فكرة بعث مشروع بين جامعة صفاقس ووزارة الأوقاف الفلسطينية بعنوان «مجلدات الصمود» وهي عملية جمع ما كتب أخيرا بثلاث لغات بشكل مجلدات حول فلسطين وقال ان هناك تقدما في مستوى تحضير العمل لوجستيا . ودعا الفلسطينيين الى الدفاع عن وطنهم بعيدا عن أية ايديولوجيات دينية تقسيمية وغيرها. يشار الى ان المؤرخ الفهري ابن جزيرة قرقنة وقد أقام بمبادرة منه متحفا يؤرخ لأهم المفاصل التاريخية في الجزيرة بين الماضي والحاضر ليكون بمثابة ذاكرة هذه المنطقة بسبب مجهودات أبنائها الأوفياء.
من جانبه اكد نافع حليوي مدير جمعية «قرقني ناجح» بأن هذه الندوة فرصة يعبّر من خلالها أهل الجهة عن مدى حبهم وتعلقهم بفلسطين وتم تكريم عديد الشخصيات والنخب في المجال الثقافي والإنساني والتي قدمت جهودا كبيرة لوطنها او لفلسطين ، مبينا بان قرقنة أعطت شهداء للوطن ولفلسطين على غرار الشهيد عمر قطاط والذي تمّ تكريم عائلته على هامش الندوة.
كما تخللت الفعالية أمسية شعرية عربية وفلسطينية بمشاركة الشاعر العربي هادي دانيال والشاعر التونسي محمد الخلفي إضافة الى عرض موسيقي من التراث القرقني لفرقة حكيم سويسي .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115