الشرق الأوسط أمام مرحلة جديدة من التسويات: الهدنة في اليمن ... هل تطوي صفحة أكبر أزمة إنسانية بعد 7 أعوام من الاقتتال ؟

بعد أكثر من سبعة أعوام من الحرب المستعرة في اليمن بين القوات الموالية للحكومة والحوثيين المسيطرين على عدة محافظات من بينها صنعاء،

تمّ الإعلان يوم الجمعة عن هدنة تستمر شهرين وذلك بعد موافقة طرفي النزاع وبدأت هذه الهدنة منذ امس السبت .
وجاء هذا الإعلان ليعيد الآمال العريضة للشعب اليمني بالتخلص من عبء هذه الحرب المدمرة بكل تداعياتها وآلامها ومآسيها . فقد دفع الشعب اليمني -الذي يعيش 25.5 مليون مواطن فيه تحت خط الفقر- ثمن هذا الصراع . ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة فقد أدت الحرب الى تشريد أكثر من 4 ملايين يمني إضافة الى وجود مليوني طفل بلا تعليم . وأوضحت المنظمة أن «سبع سنوات من حرب اليمن، جعلت 25.5 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر»، من أصل 30 مليونا إجمالي السكان. أما الرقم الأصعب فيتعلق بمقتل 377 ألف شخص منذ بدء الحرب في حين كانت الفاتورة الاقتصادية باهظة جدا بالنسبة للاقتصاد اليمني الذي خسر ما يقارب 126 مليار دولار، وبات معظم السكان يعتمدون على المساعدات، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم.
ترحيب إقليمي ودولي
صحيح ان اتفاق الهدنة ليس الأول من نوعه ولكنه الأهم خلال الأعوام الماضية وتمّ بوساطة أممية بين التحالف الذي تقوده السعودية وجماعة الحوثي ، خاصة ان آخر وقف للاقتتال تمّ التوصل اليه خلال محادثات السلام في سنة 2016.
وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص هانز جروندبرج إن «الهدف من هذه الهدنة هو منح اليمنيين راحة ضرورية من العنف وتخفيف المعاناة الإنسانية والأهم من ذلك الأمل في إنهاء هذا الصراع»، مؤكدا أنه سيضغط من أجل وقف دائم لإطلاق النار.
ولقي الإعلان عن الهدنة اليمنية ردود فعل واسعة محليا ودوليا وأولى الردود صدرت عن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش الذي دعا جميع الأطراف الى اتخاذ التدابير الضرورية لدعم تنفيذ ناجح للهدنة وجعل آليات التعاون عملانية من دون تأخير» بهدف إحراز تقدم.
واعتبر أن الاتفاق المعلن «يفتح الباب لتلبية الحاجات الإنسانية والاقتصادية الملحة في اليمن ولإعادة إطلاق عملية سياسية».
كما رحب مبعوثا الأمم المتحدة والولايات المتحدة بتحركات الهدنة المؤقتة التي اتخذتها أطراف الحرب في اليمن باعتبارها خطوات مشجعة، في حين شددا على ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار أكثر شمولا.
علاوة على ذلك ، رحب الاتحاد الأوروبي، بالإعلانات الأخيرة الصادرة عن التحالف الذي تقوده السعودية باليمن، وعن جماعة الحوثي حول الهدنة قبيل شهر رمضان المبارك. جاء ذلك في بيان صادر عن المتحدث الرسمي للاتحاد الأوروبي بيتر ستانو.
واعتبر البيان «هذه الإعلانات خطوة أولى مشجعة يمكن أن تسهم في الجهود الجارية للأمم المتحدة ومجلس التعاون الخليجي لإنهاء الصراع المدمر والذي طال أمده في اليمن».
وأضاف البيان «يأمل الاتحاد الأوروبي أن تبني أطراف النزاع على الهدنة، والاستفادة من هذا الزخم للاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار والتوصل لحل سياسي شامل للصراع لصالح الشعب اليمني الذي يعاني الكثير من التبعات المدمرة للصراع». ودعا الاتحاد الأوروبي أطراف الصراع للعمل مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانس غروندبرغ بشكل بناء ودون شروط مسبقة.
وتبعا لهذا القرار فان وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك اكد في تدوينة إن الحكومة اليمنية ستتخذ الإجراءات اللازمة لتسهيل ترتيبات إطلاق سراح أسرى وفتح مطار صنعاء وإطلاق سفن مشتقات نفطية عبر ميناء الحديدة، في خطوة تدعم الدعوة لإقامة هدنة. وأعلن بن مبارك عن إطلاق سفينتين للوقود عبر ميناء الحديدة قائلا إن هذه الخطوات تأتي بناء على توجيهات من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدعم المبادرات الإقليمية والدولية الداعية إلى الهدنة.
تطورات إقليمية
وتجدر الإشارة الى ان التوصل الى هذه الهدنة كان متوقعا خاصة بعد ان طرأت تغيرات عديدة خلال الشهور الماضية في الملف اليمني . فالبداية كانت مع موقف الولايات المتحدة التي ألغت سنة 2021 التصنيف الإرهابي للحوثيين وأعلنت انهاء دعمها لعمليات التحالف الهجومية.
وجاءت كذلك بعد تكثيف الحوثيين لهجوماتهم سواء على مأرب الغنية بالغاز، وهي آخر معقل للحكومة في شمال اليمن، او حتى بعد الهجمات التي ضربت الرياض والامارات على السواء . بعدها حاول مبعوثو الأمم المتحدة والولايات المتحدة صياغة هدنة دائمة وإعادة فتح المجال الجوي والبحري مع مناطق الحوثيين . إضافة الى ذلك شهدت الفترة الماضية فتح قنوات دبلوماسية بين الرياض وطهران تركزت على الملف اليمني بالأساس .
تغيّر في السياسات السعودية؟
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو هل تنبئ الهدنة المعلنة عن تغير في سياسات الرياض الخارجية والإقليمية بدءا من الملف اليمني مرورا بالملف اللبناني وغيره من الملفات الصعبة ، خاصة بعد انشغال الولايات المتحدة بالبحث عن طرق لإدارة الصراع الروسي الاوكراني والروسي الغربي . اذ يرى العديد من المراقبين بأن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وانشغال الغرب والولايات المتحدة بانعكاساتها وتداعياتها من شأنه ان يفتح المجال واسعا أمام ملفات أخرى ساخنة في العالم للدخول في فترة من الهدنة ...كانت البوادر الأولى مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى الامارات والتي كانت بمثابة اعلان رسمي بعودة دمشق الى الحضن العربي وانتهاء سياسة العداء التي تبنتها عديد الانظمة العربية والخليجية تجاه دمشق خلال الأعوام الماضية ومنذ انطلاق الأحداث في سوريا عام 2011 . واليوم يشهد الملف اليمني انفراجا مع التوصل الى هذا الاختراق الهام في جدار الأزمة منذ سنوات ما يفتح المجال واسعا امام استقرار الوضع في المنطقة وإيجاد متنفس لشعوبها التي عانت من ويلات الحروب ووجدت نفسها تدفع ثمنا باهظا نتيجة صراعات القوى الكبرى في الساحة الإقليمية .
لبنان وتهدئة مرتقبة؟
وبعد سوريا واليمن تتجه الأنظار الى لبنان وعما اذا كانت الأيام القادمة أيضا ستنبئ بحدوث تهدئة في العلاقات المتأزمة بين لبنان والخليج وتحديدا السعودية والتي انفجرت على خلفية تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي بشأن حرب اليمن، وما أعقبها من موجة سحب سفارات دول خليجية بالجملة من بيروت .
فلأول مرة ترحب الرياض بالبيان الذي أصدرته حكومة ميقاتي مؤخرا واكد خلالها ميقاتي التزام حكومته بإعادة العلاقات بين بلاده ودول مجلس التعاون الخليجي إلى طبيعتها». اذ رحبت الرياض بالبيان ووصفته بـ»الإيجابي»، معربة عن أمل في أن «يسهم ذلك في استعادة لبنان دوره ومكانته عربيا ودوليا».
وعلى خطى الرياض ، رحبت وزارة الخارجية الكويتية أيضاً ببيان ميقاتي، مشيرة الى أنها تتطلع إلى استكمال الإجراءات البناءة والعملية بما يساهم في المزيد من الأمان والاستقرار والازدهار للبنان.
ليأتي الردّ اللبناني من جديد، عبر ميقاتي الذي قال في جلسة حكومية، أن التصريحات الخليجية «تؤشر بأن الغيمة التي خيمت على علاقات لبنان، إلى زوال قريبا».
ويربط البعض بين التوجهات الجديدة للخارجية السعودية مع قرب التوصل الى اتفاق نووي جديد بين إيران والولايات المتحدة.
فهل ستشهد المنطقة تسويات بالجملة في عديد الملفات التي تلعب فيها الرياض دورا مؤثرا خاصة في اليمن ولبنان .
الأزمة اليمنية من الاقتتال الى التهدئة
اتفقت الأطراف المتحاربة في اليمن على هدنة لمدة شهرين في أول تقدم كبير منذ سنوات. وفيما يلي تسلسل زمني لانزلاق اليمن إلى الصراع.
1990. توحيد شمال وجنوب اليمن لتكوين دولة واحدة في عهد الرئيس علي عبد الله صالح.
1994. حرب أهلية يمنع فيها صالح الجنوب، الذي كان مدفوعا بالغضب مما اعتبره تهميشا، من الانفصال عن الشمال.
2003-2009. تحتج جماعة الحوثي في الشمال على تهميش الطائفة الشيعية الزيدية وتخوض 6 حروب مع قوات صالح وحربا مع السعودية.
2011. احتجاجات تقوض حكم صالح وتؤدي إلى انقسامات في الجيش وتسمح للقاعدة في شبه جزيرة العرب بالاستيلاء على أراض في الشرق.
2012. صالح يتنحى في خطة انتقال سياسي تدعمها دول الخليج. ويصبح عبد ربه منصور هادي رئيسا مؤقتا ويشرف على حوار وطني لصياغة دستور اتحادي أكثر شمولا.
2013-2014. يشن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هجمات في أنحاء اليمن. صالح وحلفاؤه يقوضون عملية الانتقال السياسي. الحوثيون يسيطرون على صنعاء في سبتمبر 2014 بمساعدة صالح ويطالبون بنصيب في السلطة.
2015. هادي يحاول إعلان دستور اتحادي جديد يعارضه الحوثيون المتحالفون مع إيران وصالح، الذين اعتقلوه. وهرب بعد أن طارده الحوثيون مما أدى إلى تدخل سعودي في مارس على رأس تحالف عسكري.
يطرد التحالف الحوثيين وأنصار صالح من عدن في جنوب اليمن ومأرب شمال شرق صنعاء. خطوط المواجهة تتشكل وبدء سنوات من الجمود.
2016. تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يؤسس دولة صغيرة حول المكلا. الإمارات تدعم القوات المحلية في معركة تنهي سيطرة الجماعة هناك.
الضربات الجوية للتحالف التي تقتل المدنيين تثير تحذيرات من جماعات حقوق الإنسان، لكن الدعم الغربي للحملة العسكرية يستمر.
2017. الحوثيون يطلقون عددا متزايدا من الصواريخ في العمق السعودي. صالح يغير موقفه بعد أن رأى فرصة لاستعادة السلطة، لكنه يُقتل أثناء محاولته الهرب من الحوثيين.
2018. القوات المدعومة من التحالف تتقدم على ساحل البحر الأحمر ضد الحوثيين بهدف السيطرة على ميناء الحديدة الذي يتعامل مع الجزء الأكبر من واردات اليمن التجارية والمساعدات.
مع جمود الموقف العسكري، تُعقد محادثات سلام في السويد، وهي الأولى في عامين، ويتفق الطرفان المتحاربان على هدنة وانسحاب القوات من الحديدة. يبدأ العمل على تبادل الأسرى.
2019. هدنة الحديدة تصمد إلى حد كبير لكن الانسحاب لم يتحقق. يستمر العنف في أماكن أخرى.
الإمارات تنهي وجودها إلى حد كبير مع استمرار دعمها لحلفاء محليين، بما في ذلك الانفصاليون الجنوبيون الذين استولوا على عدن في اوت . تتوسط الرياض في اتفاق لتقاسم السلطة بين الانفصاليين وحكومة هادي لكن التنفيذ يبدأ فقط في عام 2020.
2020. التحالف يعلن هدنة بسبب جائحة كوفيد-19 لكن لم يتم إحراز أي تقدم للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار والعنف مستمر، على الرغم من قيام الأطراف المتحاربة بتبادل الأسرى.
هجوم على مطار عدن بعد لحظات من هبوط طائرة تقل حكومة تقاسم السلطة المشكلة حديثا يسفر عن مقتل 22 على الأقل. الرياض وحكومة هادي يلقيان باللوم على الحوثيين.
2021. الرئيس الأمريكي جو بايدن يلغي التصنيف الإرهابي للحوثيين وينهي دعم الولايات المتحدة لعمليات التحالف الهجومية.
يكثف الحوثيون هجومهم للسيطرة على مأرب الغنية بالغاز، آخر معقل للحكومة في شمال اليمن.
مبعوثو الأمم المتحدة والولايات المتحدة يحاولون صياغة هدنة دائمة وإعادة فتح المجال الجوي والبحري مع مناطق الحوثيين لكن الأطراف المتحاربة ترفض تقديم تنازلات.
السعودية وإيران تبدآن محادثات مباشرة تركز في الغالب على اليمن.
2022. الحوثيون يوسعون هجماتهم بالصواريخ والطائرات المسيرة لتصل إلى الإمارات بعد قتال جماعات مسلحة محلية مدعومة من الإمارات مع جماعة الحوثي في شبوة ومأرب المنتجتين للطاقة. طائرات التحالف الحربية تقصف اليمن.
تتحرك الولايات المتحدة لتعزيز القدرات الدفاعية لحلفائها في الخليج وسط توتر العلاقات ومع تكثيف الحوثيين لهجماتهم على منشآت النفط السعودية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115