والتي قامت بها منظومة «الدفاع الجوي» الإسرائيلية. وما يفاقم من هذا القلق ترافقه مع ازدياد المتاعب التي تواجه حكومة الاحتلال الإسرائيلية التي تعكس اتجاه الأمور بعكس تطلعاتها لناحية الحوار الأمريكي ـ الإيراني وتقارب الرؤى بين تركيا والسعودية وإيران، ولا يقتصر قلق «إسرائيل» على ما تقدم من تطورات وتغيرات في المنطقة، وإنما تنامي القوة الصاروخية للمقاومة، وتحديداً تلك الموجهة إلى تل أبيب والتي قد تودي بإسرائيل إلى الزوال.
لذلك فإن عين رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه شاخصة نحو الساحة السورية، وخاصة بعد زيادة قوة الجيش السوري التي تختلف تدريجياً عن سنوات الأزمة، من حيث تنظيمه الديناميكي الذي يفهم ويتفهم المتغيرات التي دخلت على الساحة الإقليمية والدولية، لذلك فإن الاحتلال يقف الآن أمام عدو صلب وعنيد لكونه يملك الخطط العسكرية الحديثة والمتطورة التي ستمكنه من إلحاق ضربة قاسية بإسرائيل. تدرك إسرائيل إن المواجهة مع الجيش السوري غير بعيدة، وإنها لا تستطيع الصمود في حرب طويلة لإفتقادها للعمق الاستراتيجي، وهي لذلك تحشد الرأي العام العالمي وتقوم بالمناورات العسكرية لمواجهة هذه الاحتمالات وتركز من جهة أخرى على تنبيه المجتمع الدولي لخطورة استمرار محور المقاومة في المنطقة.
ولن يكون هناك إلتباس في طبيعة المواجهة التي يخوضها الجيش السوري، بعد ان تأكد بالعين المجردة أن إسرائيل أصبحت جزءاً مهماً من المعسكر الساعي الى تغيير دور دمشق وموقعها الاستراتيجي تمهيداً للقضاء على المقاومة في المنطقة ، وما ترمز إليه في المعادلة الإقليمية والدولية. ومن هنا يمكنني القول إن الغارة الإسرائيلية على الضمير في ريف دمشق اعتداء جديد على الأراضي السورية، إذ كشفت حجم التنسيق بين إسرائيل وبين المجموعات المسلحة التي تواصل عملياتها العسكرية في المنطقة ، بمعنى إنها خطوة تمهيدية لتسهيل سيطرة المسلحين التابعين لها على تلك المنطقة، ورسالة إقليمية من قبل تل أبيب على الملف النووي الإيراني .
في المقابل هناك سؤال يردده معظم الإسرائيليين اليوم هو: هل ستتورط إسرائيل في حرب شاملة مع سوريا؟ ﻻ يبدو أن هناك إجابات قاطعة على هذا السؤال، فنتنياهو الذي توعد بضرب بعض مواقع الجيش السوري، قد يكون متردداً في الإقدام على خطوة ربما يدفع ثمنها غالياً خلال هذه المرحلة، فأجواء حرب لبنان الثانية عام 2006 لا تزال ماثلة وعالقة في أذهان الإسرائيليين في الشمال، ولا تزال ذكريات الملاجئ وأصوات صافرات الإنذار وصواريخ حزب الله، تقضّ مضاجع سكان عكا وحيفا ونهاريا وكريات شمونة وصفد والناصرة والخضيرة وطبرية، وغيرها من المناطق التي طالتها صواريخ المقاومة، وبالتالي فإن جبهة إسرائيل الداخلية غير مهيئة وغير جديرة بالدخول في حرب جديدة مع الجيش السوري. وإنطلاقاً من ذلك يمكنني القول أنها ستتردد كثيراً في الدخول في حرب مع المحور المقاوم، والسبب طبعاً هو خوفها من صواريخ الجيش السوري التي لديها القدرة للوصول الى قلب تل أبيب، والجيش السوري لن يتصرف بإنفعال وإرباك، وإنما سيأخذ الوقت الذي يراه مناسباً لتحديد الخطوة الآتية بهدوء وحزم، وهذا ما عكسه البيان الصادر عن وزارة الدفاع السورية والتي اكتفت بالتنديد بالعدوان الإسرائيلي الجديد على سوريا، تاركة باب التأويل مفتوحاً.
إن إسرائيل أمام منعطف استراتيجي لن تسعفها منه بشاعة القتل والدمار إخفاقها في الخروج من مأزق عدوانها البغيض، وإرباكاتها التكتيكية أمام حركات المقاومة التي أصبحت مؤشرات معالمها واضحة للجميع، فشروط المقاومة اليوم قد تغيرت وإرتفع سقفها، وباتت في الصدارة، ومبادرات الخنوع والإستسلام لم يعد لها بين محور المقاومة، والكلمة الفصل والقرار اليوم لم يعد لأحد سوى للأبطال في الميدان، فقد باتوا الأمل الوحيد للأمة المكلومة في رسم خارطة طريق جديدة لسورية وللأمة بأسرها بشهادة الخبراء العسكريين والسياسيين.