الأمر الواقع في أية ساحة تصل إليها القوات التركية وفي المقابل ولضمان أفضل النتائج من عملياتها أصبح واضحا أن تركيا تعتمد على عدد من الأدوات التي تساعدها في الوصول إلى أهدافها بسرعة ودون أي تعب.
في هذا السياق تنوعت أساليب النظام التركي في غزو واختراق الدول مستغلاً الشعارات الدينية، وخاصة هيئة الشؤون الدينية التركية «ديانت» التي تلعب دوراً مهماً في خدمة أغراض النظام التركي ، والتي جعلها بعد عام 2010 أداة للأجندة السياسية والأيديولوجية للحزب، فأصبحت أكثر نشاطاً وتفاعلاً خارج البلاد، وانتشرت في كثير من دول العالم، من خلال تنظيم رحلات الحج وتوظيف الدعاة، و استقطاب الطلبة الأجانب بتسهيلات وتكاليف تكاد تكون رمزية، وذلك ضمن خططها لتوسيع النفوذ ونشر أيديولوجيا حزب العدالة والتنمية وفكره.من بوابة التعليم الديني.
في سبيل ذلك خصصت الحكومة التركية 12.9 مليار ليرة كميزانية لـ «ديانت» خلال عام 2021، رغم تفاقم الأزمة الاقتصادية في ظل تفشي فيروس كورونا، وبالرغم من الظروف الوبائية الصعبة التي تمر بها البلاد كانت الميزانية المتوقعة للمنظمة أعلى بنسبة 210% من وزارة الثقافة والسياحة وأعلى بـ171% من وزارة الصناعة والتكنولوجيا، مما يعكس أهميتها لدى النظام الحاكم، فهي تعد أداته الرئيسية للتحرك داخل مختلف دول العالم بطريقة غير مباشرة.
على الرغم من أن خطة تركيا أصبحت مكشوفة للعلن، إلا أن الدول الأوروبية انتبهت الى مخطط أردوغان وغرضه الأساسي من التوسع في بناء المساجد وباتت تضيق الخناق على نشاط أنشطتها داخل أراضيها، ووفق معهد جاتستون لدراسة السياسات الدولية، فإن تركيا توظف «ديانت» كما لو كانت وكالة استخبارات مسؤولة، عن جمع المعلومات في الخارج، عبر الأئمة الموظفين في ٣٨ دولة لتحقيق أهدافها ومصالحها المختلفة.
على خط مواز، لا يكف النظام التركي عن مواصلة سياسة الغزو الإعلامي بهدف ترسيخ فكره المتشدد في العالمين العربي والإسلامي متخذاً منه مرتكزاً لسياسته وأجندته في المنطقة حيث عملت أنقرة على تأسيس قناة تركية باكستانية ماليزية ناطقة باللغة الإنجليزية بحجة محاربة الإسلاموفوبيا لكن بعد ذلك فشل الترويج لإطلاق تحالف إسلامي جديد بين الدول الثلاث ليكون تحالفاً بديلاً لمنظمة المؤتمر الإسلامي، كما استقطبت تركيا أكثر من 3 آلاف إعلامي عربي منذ عام 2011 للعمل في المواقع الإلكترونية والفضائيات الناطقة بالعربية لخدمات أجندات حزب العدالة والتنمية والترويج له.
في المقابل، تتحرك المؤسسات التركية التي تعنى بالدين والتراث (وقف الديانة، ومؤسسة تيكا مترامية النفوذ) في كل اتجاه لإعادة ترميم المساجد والآثار العثمانية لإضفاء شرعية على التدخل التركي الراهن في دول نفوذها التاريخي، كما أدرجت تركيا محاور الدين والتعليم ضمن خططها الأهم والأخطر لتتريك المناطق السورية التي تسيطر عليها من خلال الجماعات المسلحة الموالية لها، وذلك بالتوازي مع عمليات تغيير ديمغرافي واسعة تتعرض لها تلك المناطق الواقعة تحت سيطرة القوى المتطرفة وأدواتها.
إجمالاً لا تنتهي محاولات الرئيس التركي أردوغان لاختراق المنطقة وطمس هويتها، إذ يتسلل من بوابة المساعدات، مستخدماً مسار تجنيد العقول واستغلال كل الأقلام لتنطق باسم نظامه، ويتاجر باسم الدين والتأثير بالمشاعر الدينية والتركيز عليها من أجل ترسيخ فكره وأجندته المتطرفة، لكن العوامل ليست في صالح تركيا في هذه المرحلة .