مستمرة بسبب تصريحات الرئيس الفرنسي، “ماكرون”، التي دافع فيها عن الاستمرار في نشر الرسوم المسيئة لرسول الإسلام،إذ دعا الرئيس التركي أردوغان إلى مقاطعة السلع الفرنسية وانتقد دعوة ماكرون إلى «إسلام فرنسي».
إن الفجوة بين فرنسا وتركيا تتعمق بشأن جمعية المسماة بـ«الذئاب الرمادية» التي تعرف بارتباطها الوثيق بـ «حزب الحركة القومية» التركي، الذي يتزعمه «دولت بهشلي»، المتحالف مع حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، برئاسة أردوغان خاصة بعد اتخاذ باريس قراراً يقضي بحظر هذه الجمعية على الأراضي الفرنسية، وذلك لعدم امتلاكها لشخصية اعتبارية، متهمة إياها بأنها: “شجّعت على الكراهية والتمييز وشاركت في أعمال عنف»، وجاء هذا القرار بعد تشويه نصب تذكاري لتكريم ضحايا مذبحة الأرمن بكتابة عبارة «الذئاب الرمادية» وهو الأمر الذي اعتبرته “أنقرة” عملاً استفزازياً واصفة وجود الجمعية بـ«الخيالي» ومتوعدة بالرد على القرار.
وترتكز المخاوف الفرنسية على إحتمال ولادة جيب متطرف في باريس قد يغذي توجهات إرهابية و انفصالية خطرة في المنطقة وهو وضع يفسر للمراقبين الدوليين الموقف السياسي الفرنسي العام لبلورة إستراتيجية سياسية وأمنية تتضمن سيناريوهات التعامل مع تركيا خاصة بعد التوترات الحادة بين الجاليتين الآرمينية والتركية بخصوص النزاع حول إقليم «ناغورني قره باغ»، حيث تدعم تركيا حليفتها، «آذربيجان»، في حربها التي تخوضها مع «آرمينيا» حول الإقليم، وتتمتع أنقرة بنفوذ متزايد في سورية وشمال إفريقيا وشرق البحر المتوسط، في حين أن ماكرون هو المدافع الأكثر صراحة عن المصالح الأوروبية في تلك الأماكن.
وفي السياق الآخر اتهمت تركيا الحكومة الفرنسية بالتحريض على الإرهاب ، من خلال التسامح مع جمعيات تابعة لـ”حزب العمال الكُردستاني” (المحظور)، وحركة «الخدمة» التابعة للداعية، فتح الله غولن، التي تتهمها “أنقرة” بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة، عام 2016، بالإضافة إلى مواصلة الحكومة الفرنسية تجاهل التحريض والتهديدات والهجمات المتزايدة مِن قبل الشباب الأرمني المتعصب ضد مواطني تركيا وبعثاتها الدبلوماسية.
من الطبيعي أن يعيش النظام الفرنسي في هذه المرحلة بين مطرقة أخطائه وسندان دعمه للقوى المتطرفة في سورية التي ساهمت في تعزيز ارتباك دول المنطقة، وقد انعكاس ذلك على الداخل الفرنسي، وعلى ضوء التطورات الدراماتيكية التي تشهدها فرنسا عملت على مواجهة جرائم الكراهية والتطرف خاصة تنظيم «الذئاب الرمادية» الذي يتبنى أفكاراً مؤيدة للعنف والتغيير بالقوة،جامعاً شباباً يؤمنون بنظرية «تفوق العرق التركي»، ويطمحون إلى توحيد المنتمين إلى القومية التركية حول العالم في بلد واحد.
إجمالاً... إنها حرب جديدة تشنها فرنسا وهي ترمي في الأساس إلى توجيه ضربات مؤلمة وقاسية لأنقرة، قد تجرفها إلى مستنقع عميق، فالرئيس أردوغان يدفع بتركيا إلى حرب عواقبها قد تكون وخيمة، وقد تكون سبباً في إسقاطه مستقبلاً، وعاملاً أساسياً في تراجع وانهيار نمو الدولة الاقتصادي، وتركيا في هذا الإطار تلعب بالنار، وفي الوقت نفسه يحاول الاتحاد الأوروبي توجيه ضربة اقتصادية ضد أنقرة، تشمل وقف اتفاقيات التعاون بين بروكسل وأنقرة، وكذلك وضع حد لأموال عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أن البلاد قد تواجه فترة طويلة من الألم الاقتصادي، والمأمول آن تدرك أنقرة حجم المغامرة التي يدفعها إليها أردوغان وتبادر إلى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط قدر الإمكان في المستنقع الأوروبي.
وباختصار شديد، تعيش المنطقة اليوم مرحلة مفصلية وما سيحدد وجهتها قناعة الأطراف الدولية بخطورة الإرهاب على استقرار المنطقة والعالم وصولاً إلى تعاون دولي حقيقي وصادق في وجه هذه الآفة الخطيرة.