لوحظ تغيير في الخطاب الدبلوماسي الفرنسي بما يشير إلى تعديل في موقف باريس واصطفافه إلى جانب إستراتيجية البيت الأبيض المعلنة منذ أن غير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعادلة لصالح تل أبيب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ومساندة بنيامين نتانياهو في ضم المستوطنات المركزة على الأراضي الفلسطينية.
وقد ساند الموقف الفرنسي التقليدي منذ البداية مبدأ «حل الدولتين» الذي يقضي بمنح الفلسطينيين دولة مستقلة إلى جانب «إسرائيل» تعيش في حالة سلم وتعاون مع جارتها. ولم تغير باريس من موقفها هذا منذ تسعينيات القرن الماضي بل أكدت مختلف الحكومات من اليمين واليسار على هذا الموقف المبدئي بما في ذلك الحكومة الحالية. وكرّر وزير أوروبا والعلاقات الخارجية جون إيف لو دريان نفس الموقف عند مباركته عمليات التطبيع التي اعتبر أنها «سوف تسمح باستئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين من أجل إرساء دولتين في إطار القانون الدولي والمبادئ المتفق عنها، وهي الحل الوحيد الذي يضمن سلاما دائما في المنطقة».
لكن إريك دانون سفير فرنسا في تل أبيب قال في بداية شهر أكتوبر الجاري، خلال لقاء افتراضي نظمه مركز البحوث من أجل دعم العلاقات الإستراتيجية بين أوروبا و إسرائيل: «نحن لن نفاوض في مكان الفلسطينيين. هذه مسألة ثنائية ونحن هنا لنقول بأنه يجب الأخذ بعين الاعتبار الوضع الجديد والرجوع إلى طاولة المفاوضات». وأضاف خلال اللقاء: «الآن لا أحد يعرف هل سيكون هناك في أخر النفق دولة أو دولتان أو لا دولة(...) يمكننا أن نقبل بحل إذا ما اتفق عليه الفلسطينيون والإسرائيليون.» موقف نابع عن مسؤول رسمي لم يرتكز للمرة الأولى على القانون الدولي كما اعتادت الدبلوماسية الفرنسية على ذلك.
اصطفاف إلى جانب واشنطن
وبالرغم من تداول الصحف الفرنسية لهذا الخبر لم يحرك القصر الرئاسي ساكنا كذلك وزارة الخارجية بل ترك الأمر لبعض «المصادر الداخلية» الدبلوماسية لتعلق بالتأكيد على الموقف الفرنسي الداعم لحل الدولتين مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات على أرض الواقع وضرورة استئناف المفاوضات بين الطرفين علما وأن العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين تعطلت منذ فشل جون كيري في مساعيه منذ سبعة أعوام. وفي نفس الوقت عمد بنيامين نتانياهو على تكثيف الاستيطان وضم أجزاء من الضفة الغربية أصبح بموجبه حل الدولتين شبه مستحيل.
لكن تغيير الموقف الفرنسي لم يؤسس في سفارة فرنسا بل في صلب الخطاب الرئاسي حيث تنبه إليه بعض الملاحظين في خطاب الرئيس ماكرون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 22 سبتمبر الماضي عندما نادى ب «مفاوضات حاسمة تسمح للفلسطينيين بالتمتع بحقوقهم» دون أن يذكر «حل الدولتين» أو حتى «دولة فلسطينية» كما كان يفترض. هل يعني أن «الأمر الواقع» الذي هو نتيجة لسياسة الاستيطان هو الذي غير الموقف الفرنسي؟
يبدو أن مفردات الخطاب الدبلوماسي الجديد تستعمل نفس العبارات التي قالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في فيفري 2017 والتي أكد فيها على انه يرى «دولتين أو دولة واحدة، وإذا كانت إسرائيل والفلسطينيون متفقين على حل فسوف أكون سعيدا بذلك.» لكن الموقف الأمريكي تكور بالانحياز التام لسياسة نتانياهو الاستيطانية التي جعلت الفلسطينيين يرفضون الرجوع إلى طاولة المفاوضات.
تغيير المعادلة
الموقف الفرنسي الذي يراعي في المرتبة الأولى المصلحة الفرنسية ينبع من إدراك التحولات الجديدة على أرض الواقع لصالح تل أبيب، وتغيير الموقف الأمريكي وتشتت الدول العربية بعد فشل دول الخليج في محاولتهم فرض حل عسكري في سوريا و اليمن ودخولهم في عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني لحماية مصالحهم في معركتهم مع المد الإيراني.
يبقى الملف الفلسطيني - الفلسطيني في انقساماته الداخلية الذي لا يساعد على بلورة موقف موحد. زد على ذلك الارتباك داخل صفوف السلطة الفلسطينية في رام الله بين شقين متنازعين والذي لا يمكن من لم شمل كل الفلسطينيين حول مشروع وطني واضح. وهو ما جعل أحد الدبلوماسيين في باريس يقول «إن الفلسطينيين لم يكونوا من قبل في حالة ضعف مثل الآن وهم في طريقهم إلى خسارة كل شيء. هذه هي حقيقة الوضع.»