الرئيس ماكرون يفتح النار على «الإسلام الراديكالي»: المشروع الجمهوري الديمقراطي لمحاصرة الحركات الإسلامية

خطب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 2 أكتوبر في مدينة «لي ميرو» بضواحي باريس حول «قانون الانعزال» الذي كانت

الرئاسة قد طرحته للنقاش يوم 15 أكتوبر وكان محوره الأساسي والوحيد «مقاومة الإسلام الراديكالي، وهو لب الموضوع» بالنسبة للرئيس الفرنسي. بعد الخطوات التي قام بها وزيره للداخلية والتي نشرت «المغرب» تقديما ضافيا لها، وفي خطاب منهجي وشامل حول الإستراتيجيات التي ينوي اتباعها لمحاصرة المد الإسلاموي في فرنسا و الذي، حسب رئيس الدولة، أصبح يهدد البلاد و يشعل فيها فتيل الفتنة و الانشقاق.
أخذت توجهات ماكرون في السنوات الأخيرة منحى تصاعديا مع تراكم الأحداث ومواجهته على رأس الدولة لآفة الإرهاب في فرنسا و في منطقة الساحل الإفريقي و كذلك عبر مساهمة فرنسا في مقاومة الحركات الإسلامية الجهادية و تشكيل محاور متطاحنة في منطقة الشرق الأوسط. خطاب ماكرون يمكن اعتباره تاريخيا لأنه -لأول مرة في تاريخ البلاد- يعبر رئيس الدولة عن عزمه على شن حرب منظمة على أسس ديمقراطية - أي باللجوء إلى القوانين الجمهورية - ضد الإسلام السياسي في فرنسا ويقدم في نفس الخطاب التوجهات العريضة والإجراءات العملية الدقيقة التي ينوي اتخاذها لتحقيق الهدف المعلن وهو علوية القانون الجمهوري على أي اعتبار ديني في تنظيم المجتمع. ويشير بالإصبع هنا – وبدون أي تردد أو مراوغة أو غموض مقصود – إلى الحركات الإسلامية التي تستغل الدين الإسلامي لشق المجتمع الفرنسي.
قيم المقاومة والاندماج في المجتمع
مقاومة الإسلام الراديكالي، في تصور الرئيس ماكرون، ينطلق من النظام اللائكي الذي يضمن «حرية المعتقد وعدم الاعتقاد وإمكانية ممارسة الشعائر في إطار احترام النظام العام». ويفرض ذلك «حياد الدولة» ولا يعني «انسحاب الديانات من الفضاء العام» بل «إن اللائكية هي التي تحقق وحدة فرنسا». وطالب ماكرون الجميع باحترام قوانين الجمهورية دون الخلط بين المسلمين والإسلاميين الراديكاليين.
واعتبر في هذا الإطار أن المدرسة هي الوسيلة التي تتكفل بتلقين مبادئ الجمهورية لا مبادئ الدين لأن مهمتها تكمن في «تكوين المواطنين لا المؤمنين». وجب لذلك رفع التحدي و القضاء على ظاهرة الإسلام الراديكالي الذي استفحل في البلاد منذ عقود. و أشار ماكرون إلى أن ضرورة «الاستفاقة الجمهورية» مرتبطة «بحب الجمهورية عندما تحقق وعودها في التحرر» لأن الروحانيات تبقى من الشؤون الشخصية «في حين اللائكية هي قضية الجميع».
تشخيص الداء
وحاول ماكرون شرح ما يعنيه بعبارة «الانفصال الإسلامي» لرفع كل التباس وعدم الخوض في جدل عقيم. فهو بالنسبة له إيديولوجيا «يهدد جمهوريتنا وقدرتنا على العيش المشترك» وهي تعمل على رفض حرية التعبير وحرية الضمير وحق الكفر ومن ثمة تفضي إلى التخلص من قوانين الجمهورية والتسامح مع العنف وحتى الانضمام إلى الإرهاب «وهو مشروع ديني وسياسي واع، له هيكلته النظرية التي تعمل على تكوين مجتمع مضاد يعمل على فصل الأطفال عن التعليم لتدريسهم قواعد مناهضة للجمهورية ونفي مبادئنا والمساواة بين النساء والرجال والكرامة الإنسانية».
واعتبر ماكرون أن هذا التنظيم يهدف إلى إرساء «نظام مواز» وفرض مبادئ أخرى وتطوير نظام آخر للمجتمع، منفصل في مرحلة أولى، لكن هدفه الأخير هو التحكم التام» في المجتمع. وأشار الرئيس الفرنسي إلى مسؤولية «الوهابية والسلفيةو الإخوان السلمين» التي كانت في بداياتها مسالمة وتدهورت في ما بعد لتصبح ركنا أساسيا في نشر الراديكالية والفتنه عن طريق التمويل الخارجي ونفي المساواة بين الجنسين والتأثير على الناس من الخارج والداخل. وهي أول مرة يشير فيها زعيم فرنسي في السلطة بكل وضوح إلى مسؤولية هذه الحركات المدعومة من دول شرق أوسطية في تفشي الراديكالية الإسلامية في فرنسا.
إخفاقات الدولة
وفي إطار نفس التشخيص للظاهرة لم يخف الرئيس ماكرون مسؤولية الدولة والمجتمع في تفشي ظاهرة الراديكالية الإسلامية في فرنسا بتخلي الجمهورية عن مناطق عديدة من ضواحي المدن الكبرى. واستعمل عبارة «غيتو» عندما شرح تكوين الأحياء الفقيرة وتركها في حالة فقر بدون خدمات عامة. أحياء خرجت منها الجمهورية وتركتها في أيدي الحركات الإسلامية المتطرفة التي استغلت غياب الدولة لتقدم الإعانات والخدمات لتدريس اللغة الأم وتقديم الإعانة لكبار السن وتسهيل لعب الرياضة وتأليب القلوب مستغلة مسألة الاستعمار للتأثير على أطفال فرنسيين ولدوا في فرنسا وليست لهم لا ذاكرة و لا علاقة بالموضوع. بل استغلت هذه الحركات الفقر والحاجة والصعوبات في الدراسة، في غياب مؤسسات الدولة والجمعيات، لتبث خطاب الإسلام الراديكالي وتتحكم في أحياء الجمهورية.
المثال التونسي وأزمة الإسلام
واعتبر الرئيس ماكرون أن «الإسلام دين يعيش اليوم أزمة في كل أنحاء العالم». وهي أزمة ناتجة عن «توترات بين مفاهيم أصولية ومشاريع دينية وسياسية في كل العالم تفضي إلى تشنج قوي كذلك في بلدان الإسلام فيها هو دين الأغلبية مثل البلد الصديق تونس.» وأوضح في هذا الصدد أن المجتمع التونسي الذي هو «من أكبر المجتمعات تعليما وتقدما في المنطقة» عاش منذ 30 سنة علاقة مع الدين تختلف عما أصبحت عليه اليوم. وهو ما يسمح له بالقول أن الإسلام يعيش أزمة من جراء هذه الظواهر الراديكالية و النزعة إلى إحياء الجهاد من أجل القضاء على الآخر. وهي نفس الظاهرة التي تواجهها فرنسا في الشام وفي الساحل الإفريقي.
باستعماله هذه المقارنة، أراد الرئيس الفرنسي من ناحية أن يربط مسألة مقاومة الحركات المتطرفة خارج التراب الفرنسي وداخله بما يجري على الساحة الإسلامية، ومن ناحية أخرى أن يقدم «حلولا»، من منظوره، لا بد أن تنخرط فيها هذه الجهات لآن مسألة التطرف الديني لا تقتصر على فرنسا بل هي تمس جل البلدان الإسلامية وفي مقدمتها التي تحاول بناء مشروع ديمقراطي على أسس جمهورية هو نفسه يواجه أعمل هذه الحركات الإسلامية الراديكالية.
محاصرة الإسلام الراديكالي
وقدم الرئيس ماكرون بعد هذا التشخيص خلاصة الإستراتيجيات التي ينوي اعتمادها و رسمها في قانون جديد يقدم يوم 9 ديسمبر القادم. و ينطلق ذلك من خلاصة الإجراءات الميدانية التي أعطت ثمارها منذ 2017 في 15 حيا سكنيا كان يشهد استفحال الظاهرة الإسلامية المتطرفة و التي تم فيها غلق 15 مكان عبادة و 4 مدارس و 13 جمعية و 212 محل للشرب (مقاهي و محلات شيشة) كانت مركزا للانتداب و التكوين. و أمام نجاح التجربة في إعادة مؤسسات الدولة لهذه الأحياء و التحكم فيها قرر الرئيس ماكرون تعميم هذه التجربة على كل تراب الجمهورية وتشريك السلطات الإدارية والأمنية والقضائية والسلطات المحلية والجمعيات في حملة شاملة للقضاء على الحركات المتطرفة تكون شاملة وطويلة المدى.
مشروع في خمس نقاط
لخص الرئيس الفرنسي الإجراءات المبرمجة في خمس نقاط. أولها يتعلق بحياد المرفق العمومي من إدارة وممثلي الدولة والنواب والجماعات الجهوية والمحلية التي في بعض الأحيان سايرت بعض الجمعيات ورضخت لإملاءات بعض المجموعات المتطرفة بتمكينها من فرض التفرقة في المطاعم المدرسية وفي المسابح العمومية بفرض لباس «أزياء إسلامية» أو توقيت خاص للنساء. وسوف يتولى والي الجهة من منع أي تصريح يدلى به يخالف المبادئ الجمهورية في المستقبل إذا لزم الأمر، وفي حالة رفض البلدية تطبيق القرار، استبدالها بوالي الجهة لإدارة المدينة. ويشمل المشروع إصلاح مشاريع السكن الاجتماعي و تخليصها من عقده التي ساهمت في تركيز مجموعات سكنية طائفية منغلقة على بعضها.
النقطة الثانية تتعلق بالجمعيات وتخص قانون 1901 الذي لا يسمح بحلها بسهولة. وينوي المشروع الجديد طرح نص قانون يمكن الحكومة من حل كل الجمعيات التي لا تحترم قانون الجمهورية أو تستغل أموالا عمومية للقيام بأعمال منافية للقواعد المشتركة. وسوف يجبر المسؤولين على إرجاع الأموال المسندة للجمعية في حال ثبت تورطها في الراديكالية الإسلامية. ثالث محور في المشروع يتعلق بالمدرسة ويرمي إلى اغلاق كل المدارس غير المعترف بها قانونيا و كل المدارس التي لا تحترم مبادئ الجمهورية في برامجها. و سوف ينص القانون على آليات مراقبة المدارس من حيث التأطير البيداغوجي و برامج التعليم و تمويلها. وقرر ماكرون منع التدريس خارج المدارس العمومية والخاصة وتركه لذوي الاحتياجات الخصوصية. وانطلاقا من 2021 سوف تعمم اجبارية التعليم على كل الأطفال ابتداء من سن الثالثة لمنع الإسلاميين من الانقضاض على أدمغة الأطفال منذ نعومتها وفرض ارتداء الحجاب على البنات كما هو الحال اليوم في بعض الأحياء الفرنسية كما أقر الرئيس الفرنسي التخلي عن «برنامج اللغة الأجنبية» الذي كان معمولا به مع القنصليات والذي سمح بارسال مدرسين إلى فرنسا قصد تعليم اللغة العربية والتركية. وسوف تخصص الدولة الفرنسية برنامجا لتعليم العربية في المدارس العمومية أو الخاصة تحت رقابة وزارة التعليم.
النقطة الرابعة في المشروع ترمي إلى تغيير توجهات الدولة بحيث تصبح باعثا للأمل أي أن تفتح الأبواب أمام الأقليات المسلمة وأن تتصدى للعنصرية داخلها والتي تفرض على المسلمين الفرنسيين وتمنعهم من الحصول على مواطن شغل و مساكن كسائر المواطنين بل تواصل الإجراءات الإدارية في فصلهم عن باقي الفرنسيين بتهمة اعتناقهم للإسلام. و أعلن ماكرون عن تخصيص 10 مليارات يورو لتطوير أحياء المدن و فتحها على محيطها وربطها بالمدن. وهذا ملف شائك صعب على الرؤساء السابقين ويبقى حجر عثرة أمام الخطاب الرئاسي.
إسلام الأنوار
البند الأخير في المشروع الرئاسي يتعلق بالعمل على مساعدة المسلمين في فرنسا على ارساء «اسلام الأنوار». على الأقل هذا هو الطموح المعلن من قبل الرئيس الفرنسي. إسلام يتماشى مع مبادئ و قوانين الجمهورية. و لن يكون هذه المشروع من مهمة الدولة – لآنها لائكية و لا تتدخل في الشأن الداخلي للديانات – لكن ماكرون أشار أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية سوف يقوم بذلك تحت ضغط الحكومة. وقد قامت أجهزة الدولة برصد المتدخلين في الشأن الديني في كل الجهات من أجل تشريكهم في عملية التفكير في إضفاء شرعية لعملية الهيكلة. و سوف تخضع كل أماكن العبادة للهيكل الجديد تحت قانون 1905 الذي سوف ينقح من أجل فرض التصور الجديد. أما الجمعيات التي تندرج اليوم تحت نظام 1901 إذا رفضت سوف تقوم الدولة بمراقبتها بصورة لصيقة حتى تتأكد من احترامها لمبادئ الجمهورية و اتباعها الإجراءات المبرمجة بما في ذلك تعيين الإمام و التمويل.
و سوف يقوم المجلس الإسلامي الجديد بتعيين الأئمة مباشرة بعد تكوينهم في فرنسا. وهو ما يبشر بتغيير جذري لطاقم الأئمة الحلي الذي يغلب عليه المنصهرين في حركة الإخوان المسلمين التي تمتلك أكثر من 1500 جامع موزعين في كل جهات البلاد. و المقصود هو تحرير الإسلام في فرنسا من التأثيرات الخارجية.
وسوف تعمل الحكومة على تكوين طاقم جديد من المسؤولين على الشعائر الدينية عبر بعث المعهد العلمي للإسلاميات و خلق كراسي للديانة الإسلامية في الجامعات ورصد 10 ملايين يورو لمؤسسة اسلام فرنسا في هذا الغرض من أجل مساعدة البرامج و المثقفين و الباحثين في هذا الميدان. رهان ماكرون المعلن هو في الأخير «أن تصبح فرنسا البلد الذي يدرس فيه فكر ابن رشد و ابن خلدونو أن تكون بلد التألق في دراسات الحضارات الإسلامية».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115