للحديث بقية: لبنان وقوارب الموت

إلى حدّ الأمس القريب ، لم يكن لبنان يعرف ظاهرة الهجرة غير النظامية، ولكن وعلى وقع الانهيار الاقتصادي الأسوإ الذي تشهده البلاد

في تاريخها الحديث، وما تمخض عنه من انهيار سعر صرف الليرة وغلاء المعيشة ، كل ذلك دفع عشرات الشباب والعائلات من لبنان وجنسيات مختلفة الى ركوب قوارب الموت محاولين عبرها التسلل الى قبرص ومنها الى أوروبا التي تظل الحلم العصي أمام هؤلاء المهاجرين غير النظاميين . 

وخلال الأشهر الماضية تكرّرت محاولات الهجرة غير الشرعية، واعترضت السلطات القبرصية خمسة قوارب على الأقل أقلّت أكثر من 150 مهاجراً سوريا ولبنانياً، من بينهم نساء وأطفال.
ولكن الحادثة الأخطر التي هزّت الأوساط اللبنانية وأثارت حالة من الصدمة والوجع والسخط الشعبي ، كانت تعمد أحد مهربي البشر ترك عشرات الركاب غير النظاميين في مركب في عرض البحر دون طعام او ماء ، مما أدى الى وفاة طفلين جراء الجوع والعطش ...والمشهد الأسوأ الذي لا يمكن ان يقبله عقل او يستوعبه أي كان هو اضطرار أم الطفلين الى رميهما في البحر بعد أيام على موتهم . قبل ان يتم انقاذ باقي ركاب السفينة من قبل وحدة إنقاذ أممية بحرية .

عاد الركاب الى مدينتهم طرابلس الواقعة شمال لبنان وسردوا قصة تعرضهم الى أكبر عملية احتيال من قبل «عصابة تهريب البشر» التي بدأت تنشط في المناطق المهمشة وتقنع عديد الفئات بإمكانية الهجرة الى أوروبا وتحسين الوضع المعيشي . وروت الأم المكلومة لوسائل اعلام محلية قصتها وكيفية موت طفليهما جوعا وعطشا بين يديها ...فلا شيء يمكن أن يعبر عن حجم هذه التراجيديا التي بدأت تتسلل الى العائلات اللبنانية مع انتشار هذه الظاهرة الخطيرة .

وقبل أيام تمكنت وحدات الإنقاذ البحري من انتشال اربع جثث تعود للبنانيين كانوا على متن هذا المركب، لطفل، وشاب هندي وآخر سوري الجنسية .

وعثرت وحدة من قوة الأمم المتّحدة الموقّتة في جنوب لبنان الإثنين الماضي على القارب وكان على متنه 36 شخصاً وعلى شخص آخر متوف في المياه الدولية قبالة الشواطئ اللبنانية. وتوزّع الركاب بين 25 سورياً وثمانية لبنانيين وثلاثة من جنسيات أخرى وذلك حسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتواصل السلطات اللبنانية عمليات البحث عن «المهرب» الذي تورط في تهريب هؤلاء المهاجرين وتعريض حياتهم وحياة أطفالهم الى خطر الموت .

وهذا ما دفع الرئيس اللبناني ميشال عون الى الدعوة بضرورة اطلاق صيحة فزع والحثّ على معالجة مسألة مغادرة اشخاص للأراضي اللبنانية عبر البحر بطريقة غير شرعية من زاويتين أمنية وإنسانية، بعد ان تزايدت في الآونة الأخيرة حوادث نقل اشخاص عبر المراكب بصورة غير شرعية من الشاطئ اللبناني في اتجاه قبرص وذهب فيها ضحايا من مختلف الاعمار .

يوم الجمعة الماضي شيّع اللبنانيون الطفل الذي قضى جوعا على متن المركب وشيعوا معه ما تبقى من أحلامهم بوطن يعيد لهم كرامتهم الضائعة في خضم دوامة الأزمات التي لا تنتهي. وقد أعلن رئيس الحكومة المكلف مصطفى اديب امس عن اعتذاره عن تشكيل الحكومة بعد ان اصطدم بخلافات الأحزاب والقوى السياسية حول توزيع الحقائب الوزارية ، لتدخل البلاد في أزمة جديدة وذلك يؤشر على ان الخروج من عنق الزجاجة ما زال بعيد المنال .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115