وبخطى ثابتة يسير أردوغان على نهجه في ليبيا في تجنيد المرتزقة السوريين إلى أذربيجان مقابل رواتب مغرية وتأتي هذه الخطوة في وقت سبق للرئيس التركي أن أعلن فيه عن عزمه على رفع الدعم العسكري لحكومة أذربيجان في صراعها مع أرمينيا على المنطقة الانفصالية «ناغورني قرة باخ».
لا شك أن مبدأ الصدام أصبح طريقة التحرك المفضلة التي تتبناها الدبلوماسية التركية، لذلك من الممكن أن ترسل تركيا خلال الأيام القادمة مزيداً من شحنات الأسلحة والمقاتلين من الفصائل المسلحة المقاتلة داخل سورية الموالية لها، للالتحاق بالقوات التركية في أذربيجان، وبدأ التسجيل فعلاً لهذا الأمر، مع توارد معلومات عن تجهيز طائرة ستقل ما يقارب 250 عنصراً إلى عاصمة أذربيجان باكو، من أحد المطارات التركية، بعد خضوع البعض منهم للتدريب لفترة قصيرة في معسكرات داخل تركيا، وذلك لمساندة الجيش هناك في نزاعه مع الجيش الأرميني.
وعلى خط مواز، أبرمت الاستخبارات التركية عقودا مع الفصائل المرتزقة في سورية، تتراوح بين 3 و 6 أشهر، مقابل 5 آلاف دولار في الشهر الواحد، وهو ما يشبه توجه السياسة الخارجية التركية في الأزمة الليبية.
ومن خلال المصالح الإستراتيجية التي تربط البلدين والتي استثمرها اردوغان في التمدد في جمهوريات أسيا الوسطى ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، كان اردوغان قد تعهد بدعم اذربيجان «حتى النهاية»، في حربها مع أرمينيا حول اقليم ناغورني قره باغ، وذلك بعد الاشتباكات التي اندلعت بين الجانبين في العام 2017. وقال اردوغان في بيان آنذاك «نصلي من اجل انتصارات أشقائنا الاذريين في هذه المعارك بأقل الخسائر الممكنة»، وكانت باكو قد اتخذت موقفاً مماثلاً مع تركيا في دعمها لعملياتها العسكرية الأخيرة في سورية وليبيا والعراق.
يبدو أن أنقرة في توسعها وتدخلها في جميع الساحات بعد سورية وليبيا، بصدد ترسيخ التحالفات مع جمهوريات آسيا الوسطى، خاصةً منها الناطقة بالتركية أو ترتبط مع تركيا بمصالح تجارية واقتصادية، حيث عولت تركيا -في علاقتها مع أذربيجان- آمالها على قطاع الطاقة والحصول على الغاز الرخيص الذي يثقل استيراده الميزانية التركية، كما يرتبطان بمشروع أنبوب الغاز الطبيعي العابر للأناضول الذي تبلغ كلفته 8.5 مليارات دولار والذي يرتبط بأنبوب جنوب القوقاز الذي يضخ الغاز من حقل شاه دنيز 2 الأذربيجاني في بحر قزوين عبر أذربيجان وجورجيا إلى تركيا.
وتجدر الإشارة إلى أن اردوغان يريد باكو سوقاُ لاستثماراته ومنتجاته الدفاعية كما يريدها شوكة في خاصرة أرمينيا، الخصم اللدود لتركيا، ويريدها أن تكون قاعدة للتمدد التركي على كافة الجبهات، ومن الواضح أن أذربيجان ستكون القاعدة الأساسية لهذا المحور الجديد وقد تنظم إليه دول ما يعرف بالمجلس التركي أو محور الدول الناطقة بالتركية، وهي بالإضافة إلى تركيا وأذربيجان وطاجيكستان، وقرغيزستان، وتركمانستان وأوزبكستان.
باختصار شديد، تركيا على أبواب سيناريوهات مرعبة ومخيفة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة بعد التدخل العسكري المباشر بعد إرسالها لعدد من المقاتلات «إف-16» التركية إلى أذربيجان، وذلك تحت غطاء المشاركة في المناورات البرية والجوية المشتركة للبلدين، فتركيا تتجه بسرعة كبيرة إلى فخ مستنقع الحرب الأرمينية والأذربيجانية إذا استمرت حكومة اردوغان بالدور السلبي هناك، وفي تقديري أن هذا عام 2020 سيشهد تدويراً للكثير من الزوايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.