تلك الحرب التي استمرت زهاء ثمانية أعوام او ما يعرف بحرب الخليج الأولى.
يستذكر العراقيون والايرانيون اليوم هذه الحرب بأسى والتي انطلقت في شهر سبتمبر من عام 1980 وعرفت باسم «قادسية صدام» بينما عُرفت في إيران باسم الدفاع المقدس واستمرت حتى أوت 1988. وخلّفت آنذاك خسائر فادحة بشرية ومادية، فقد قتل نحو مليون شخص بينما ناهزت الخسائر المالية الـ 400 مليار دولار أمريكي . ولا زال العراق يعاني من تداعيات هذه الحرب التي كلفته الكثير من أبناء شعبه ومن ماله وأثرّت في المشهد السياسي في الشرق الأوسط برمته .
كلفة باهظة
لقد مثلّت تلك الحرب الأليمة بدايات تفجر هذا الصراع الإيراني الخليجي غير المحدود والذي لم يتوقف حتى الآن ولا زال يتواصل بأشكال مختلفة أحيانا بالحروب الباردة او بالتهديدات المتبادلة أو بالحروب بالوساطة. ويمكن القول انها أرست بدايات توجيه دفة الصراع او العدو من «إسرائيل» الى «ايران». وسبق هذه الحرب تاريخ طويل من النزاعات الحدودية وقد انتهت الحرب بقرار مجلس الأمن رقم 598، الذي قَبِلَهُ الطرفان.
ويمكن القول ان هذه الحرب كانت فاشلة على مختلف النواحي وقامت على حسابات استراتيجية خاطئة من قبل بعض الأطراف العراقية آنذاك ، وفرضت على الشعبين العراقي والإيراني اللذين عانيا من تداعياتها بعد ان قتل قرابة نصف مليون جندي عراقي وإيراني، مع عدد مماثل من المدنيين، وعدد أكبر من الجرحى؛ وقد استخدمت فيها أعتى أنواع الأسلحة من كلا الطرفين من المدمرات والصواريخ التي لو أُطلقت على «تل ابيب» لساهمت في تعديل كفة ميزان القوى لصالح دول المنطقة . اليوم وبعد 40 عاما عن هذه الحرب الأليمة ، هل تعافت العلاقات بين البلدين وتجاوزت مرحلة الخلافات الصعبة؟
صفحة جديدة
منذ سنة 2003 وحتى اليوم شهدت العلاقات الإيرانية العراقية صفحة جديدة تعززت خلالها في ظل الحكومة الجديدة التي دعمتها ايران. واستأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية وتطورت لاحقا الى مستوى متقدم مع انفتاح طهران على عديد الأطياف العراقية خاصة في ظل حكومة إبراهيم الجعفري. حيث أصدرت تلك الحكومة أمرا بالعفو عن المحتجزين والمعتقلين الإيرانيين في السجون العراقية ترحيبا بزيارة وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي لبغداد. ووصلت العلاقات الى حد توقيع اتفاق عسكري في مجال الدفاع ومحاربة الإرهاب بين الجانبين ، كما زار الجعفري -نفسه- طهران لتعميق وتوثيق العلاقات بين البلدين . وكان من أبرز نتائج تلك الزيارة التوقيع على اتفاقية تعاون أمني مشترك بموجبه شكلّ البلدان لجانا مشتركة للتنسيق الأمني وضبط الحدود والمساعدة في إعادة تأهيل الجيش العراقي.
واستمر تصاعد وتحسن مستوى العلاقات الإيرانية العراقية بعد خروج الجعفري من الحكومة وتولي نوري المالكي رئاسة الوزراء، حيث بادر الأخير إلى زيارة إيران، واستقبله الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي أعلن أثناء هذه الزيارة عن ربط أمن بلاده بأمن العراق، قائلا إن بلاده مستعدة لإحلال الأمن كاملا في العراق، لأن أمن العراق من أمن إيران. وقد رد المالكي على ذلك بقوله إنه لا توجد حواجز تعترض طريق التعاون بين البلدين. وهو التعاون الذي لا زال مطرداَ يوما بعد يوم رغم الضغوط والاتهامات الأميركية باستغلال هذا التعاون لتحقيق مكاسب إقليمية إيرانية.
وبلغة الأرقام وحسب ما أفاد به الأمين العام لغرفة التجارة المشتركة بين إيران والعراق في 17 جويلية 2020 فإن قيمة الصادرات من إيران إلى العراق بلغت 1.45 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام. وذكر أنه في العام الماضي خلال نفس الفترة وقد بلغت قيمة السلع المصدرة من إيران 2.35 مليار دولار ، ومع ذلك ، ذلك أدى فيروس كورونا إلى انخفاض الصادرات إلى 1.45 مليار دولار ، بدءًا من 20 مارس.
تبدو العلاقات الإيرانية العراقية اليوم في طريق التعافي ولكنها لم تخرج بعد من ذاكرة سوداء تظل جاثمة في العقول والاذهان ...وفيما تواجه المنطقة تحديات عديدة أبرزها خطر الإرهاب العابر للحدود وتصاعد «داعش» الإرهابي والتغلغل «الإسرائيلي» في المنطقة عبر خطر التطبيع وتفاقم الازمات الاقتصادية بعد كورونا ..كل تلك الملفات تتطلب النظر الى مستقبل العلاقات بنظرة مغايرة تؤمن بالمبادئ البراغماتية والتركيز على ما يجمع الشعوب من روابط اثنية ومذهبية بدل التركيز على ما يفرقهم . فاليوم تعافى العراق وخروج من نمط «الدولة الفاشلة» الى الدولة القوية ذات السيادة وتجاوز محنته العصيبة بعد الاحتلال الأمريكي وما أعقبه من توترات وحروب، يتطلب تطوير وانفتاح بلاد الرافدين على جيرانه الإقليميين بنظرة جديدة تقوم على أساس الاحترام المتبادل وتجاوز الخلافات الصعبة .