سفير دولة فلسطين في تونس هايل الفاهوم لـ«المغرب»: بعض الأنظمة والأدوات العربية ستدفع ثمن مشاركاتها وقبولها بأن تكون أدوات وظيفية للمستعمر والمحتل

• دخلنا مرحلة الوحدة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الترتيبات الخطيرة التي تواجه المنطقة

تشهد العاصمة الأمريكية واشنطن اليوم توقيع اتفاقات التطبيع بين «إسرائيل» والإمارات والبحرين في خطوة وصفها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه بـ«يوم أسود في تاريخ الأمة العربية». فهذا الاتفاق يضاف الى قائمة الانكسارات العربية والمعاناة الفلسطينية . كما يأتي ذلك بعد فشل مشروع قرار فلسطيني في اجتماع الجامعة العربية في الأسبوع الماضي للمطالبة بإدانة الخروج على مبادرة السلام العربية التي نصت على أن يكون التطبيع مع «إسرائيل» يكون بعد إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية منذ عام 1967. وفي هذا السياق تطرق سفير دولة فلسطين في تونس هايل الفاهوم في حديث خاص لـ«المغرب» الى مختلف التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية مع تصاعد موجة التطبيع ، مشددا على ضرورة وحدة الصف الفلسطيني معتبرا بان الشعب الفلسطيني يقود معركة كونية لا للدفاع فقط عن حقوقه بل عن حقوق البشرية جمعاء .
• سيتم اليوم توقيع اتفاقات التطبيع الثلاثية بين «إسرائيل» والامارات والبحرين في واشنطن فكيف تنظرون الى هذه الخطوة؟
في الواقع، تأتي هذه الخطوة في اطار ضرب الذات وضرب الحقوق الوطنية لا فقط للفلسطينيين بل أيضا للشعبين الاماراتي والبحريني قبل أي شيء آخر باعتبار ان هذه الاتفاقيات تستهدف شعوب المنطقة في هويتها وأصالتها ومبادئها وحقوقها . فهناك محاولة لفرض ترتيبات جديدة لمواجهات قادمة بين الدول العظمى في المراحل القادمة أمام هذا المخاض الكوني. فالإدارة الامريكية تخطط لإقامة ما يسمى بجدار شرق اوسطي في اطار مواجهات قادمة مع جهات دولية كبرى. فما يحدث هو ضمن اطار عملية دخول في لعبة جديدة سيعاني منها لا الشعب الفلسطيني فقط انما الأمة العربية وشعوب المنطقة .
هي محاولة أمريكية جديدة لفرض جدار شرق أوسطي جديد في اطار جعل «إسرائيل» القاعدة الوظيفية الرئيسية لها مع محميات عربية للأسف تتعاقد معها لدعم الهيمنة الامريكية، من خلال بناء منظومات اقتصادية او تكنولوجية او امنية . وهي جزء من لعبة أكبر من الامارات والبحرين . وشعبنا في البحرين والامارات لا يقف مع هذه الخطوة التي لا اسميها «تطبيعا» بقدر ما هي تحالف مع قوى استعمارية مهيمنة تريد ان تهيمن على الانسان العربي أينما وجد من المحيط الى الخليج . شعبنا العربي سيدفع الثمن أمام هذه التنازلات المجانية والتي سترفع من درجة عنجهية وغرور القوة الموجودة عند نتنياهو المتهم بملفات فساد ولديه عمى عنجهية القوة ولا يرى الواقع أمامه . نحن كشعب فلسطيني لا ندافع عن حقوقنا فقط انما صمودنا دفاع عن حقوق الأمة من محيطها الى خليجها ودفاع عن حقوق الانسان التي تعتبر أدوات وتستخدم من قبل البعض كحطب لهذه الاستراتيجيات في اطار الهيمنة القومية .
• هذا التطبيع الجديد او ما أسميته بـ«التحالف مع القوى الاستعمارية» يدعي واضعوه بأنه من أجل دعم فلسطين وتجميد عمليات الاستيطان فماذا تقولون ؟
اعتبر ذلك جزءا من الخديعة والكذب والغش، فالجميع يريدون ان يستخدموا الورقة الفلسطينية لمصالحهم الضيقة على أساس باطل. وفي الحقيقة فان القوى الاستعمارية منذ أكثر من قرنين وأكثر كانت تخطط في الواقع لخلق قاعدة استراتيجية لتفتيت المنطقة والمنظومة العربية وافلاسها وتيئيسها ومحاولة خلق جماعات صغيرة كأعداء وهميين لتبرير جرائمهم ضد شعوبنا وشعوب العالم أجمع . في الواقع حجج التطبيع الوهمية لا تقنع حتى أطفالنا الذين يواجهون الاستعمار الجديد بطاقة جينية كامنة في المولود الفلسطيني . هذه الاستراتيجية الكونية لو وقعت على قارة او قارتين لتبخرت من الجغرافيا والتاريخ ولكن الشعب الفلسطيني صمد أمامها . صحيح نحن نعاني ودماؤنا تنزف ولكننا صمدنا على أرض فلسطين وهويتنا ما زالت راسخة في الجغرافيا والتاريخ . واذا لم نقرأ التصور الكوني لما يدور في الكون لا نستطيع ان نفهم ما يجري ، علينا قراءة كونية للمعادلة القومية حتى نفهم الأسباب التي وقعت لتبخير الهوية الوطنية الفلسطينية من الجغرافيا والتاريخ. هم استخدموا أدوات مختلفة وحتى أدوات من داخل البيت العربي خاصة من قبل الذين اعتقدوا انهم بالتطبيع سيحمون أنفسهم ولكنهم لا يعلمون أنهم مجرد أدوات وظيفية ضمن مخطط استعماري وسيكون مصيرهم مزبلة التاريخ.
وانا واثق من صمود شعبنا وأمتنا من المحيط للخليج لانه لن تغيب عنه هذه الاحداثيات الجوهرية في اطار ما يجري حاليا . فلسطين رقم متواضع ومسافة صغيرة وشعب صغير لكنه صامد أمام استراتيجيات كونية تحكمت بمصير العالم. منذ الاستعمار البريطاني والفرنسي ودخول الحركة الصهيونية عليه ودخول الاستعمار الامريكي، كل هذه المحاولات استخدمت بوسائل متنوعة لتبخير هويتنا الوطنية من التاريخ والجغرافيا -وبعد اكثر من مائتي سنة من الترتيبات التي يسمونها «مؤامرات» تستهدف أمتنا العربية من محطيها الى خليجها والبشرية كلها في حدها أقصى- فشلت هذه الاستراتيجية في اقتلاع وتبخير الهوية الفلسطينية .
• يبدو ان نقطة الضوء الوحيدة اليوم هي هذه الوحدة الفلسطينية التي تعززت في مواجهة موجة التطبيع غير المسبوقة التي نشهدها في الوطن العربي فماذا تقولون ؟
صحيح ، لقد دخلنا مرحلة الوحدة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الترتيبات الخطيرة على الانسانية -التي وللأسف دخلت وتورطت فيها بعض الأنظمة والأدوات العربية التي ستدفع ثمن مشاركاتها وقبولها بان تكون أدوات وظيفية للمستعمر والمحتل-. علينا كفلسطينيين وكأمة عربية ان نعي باننا لا ندافع عن أنفسنا فقط بل ندافع عن امتنا العربية من محطيها الى خليجها كما ندافع عن اسلامنا المنفتح والبنّاء في وجه حلقات التطرف مثل القاعدة وغيرها التي خلقتها القوى الاستعمارية لكي تستخدمها كحجج للقيام بجرائمها ضد شعوب العالم . فلسطين هي في الواقع الشمعة الوحيدة التي تحاول ان تكسر هذه الظلامية التي تحيط بنا من الجنوب والشمال . ومن يقف في الخندق الفلسطيني يقف مع ذاته ومن يتخلى عن الخندق الفلسطيني يتخلى عن ذاته . وعلينا ان نقرر هل سنحمي مستقبلنا أم نريد ان نتآمر عليه.
• كيف تنظرون الى فشل الجامعة العربية في اصدار قرار يدين التطبيع؟
يجب ان نخوض هذه المماحكات لكشف كل الأوراق ونريد ان نتعامل مع المعادلات الحقيقية للحقائق الموضوعية . هناك أوراق كثير كانت تستخدمها القوى الاستعمارية ضد شعوبنا وشعوب الدول ولكنها كانت مغطاة، ولكن ان تصل الى درجة ان تكشف عن بعض أوراقها فهذا اعتبره بداية شعورها بفشل استراتيجيتها التي كانت مبنية على الكذب والسرقة والقيام بجرائم ضد الشعوب للهيمنة على البشرية . هذه التوازنات الاستعمارية بدأت تهتز من داخلها . ونحن بحاجة الى تفجير الوعي الإيجابي لنفهم العالم كما هو ونفهم القوى السلبية ، ونخرج من استراتيجية ردات الفعل المبنية على العاطفة الى استراتيجيات الفعل والتأثير . نحن بحاجة لتطوير الوعي والفكر والعمل للنهوض من جديد لنفرض احترامنا على الآخر وسنكون رسالة السلام للبشرية جمعاء . هم يحاولون ان يشوهونا من داخلنا وعلينا ان نعي بمخاطر التزييف وان نعي بقدراتنا وحضارتنا .
• ما مستقبل القضية الفلسطينية في خضم كل هذه التحديات؟
أقول دائما أن فلسطين ثابتة ، والعالم يعيش فيروس كورونا الذي جمّد العالم أجمع ، لكن فلسطين عانت من عديد الفيروسات الطبيعية والسياسية والأمنية لتبخيرها من الجغرافيا والتاريخ ولكن ظل الشعب الفلسطيني صامدا بمقاومته الطبيعية دون دعم خارجي من محطيه وصمد أمام كل هذه الفيروسات وتخلص منها . وفي اللحظة التي نقضي فيها على فيروس الانقسام حينها لن تستطيع قوة على وجه الأرض ان تهزم تصميم الشعب الفلسطيني وارادته في إقامة دولته وعاصمتها القدس. وهذه هي فلسطين التي ستشكل المرجعية للقيم الحقيقية للإنسانية في النضال والصمود والتخلص من كل الفيروسات التي تأتيها من الخارج .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115