معتبرا بان لبنان في حاجة الى خطة إنقاذ حقيقية يلتف حولها الجميع للخروج من مأزقه . وحذّر مواس من خطورة وانعكاسات الصراعات الإقليمية والدولية -الدائرة في المنطقة - على لبنان مما يهدد جغرافيته الحالية بالتفتت. أما بخصوص موجة التطبيع التي تشهدها المنطقة فقال ان التطبيع الشعبي لن يحدث مع « إسرائيل» لأنها تبقى في وعي ووجدان كل عربي قوة محتلة .
• كيف تقيمون نتائج زيارة ماكرون إلى لبنان؟
في الحقيقة من المهم أن نجد دولة مثل فرنسا او أية دولة أخرى تنهض فجأة للوقوف الى جانب لبنان بعد حصول الكارثة الكبيرة في مرفأ بيروت والتي أسفرت عن ضحايا و دمرت المرفأ وألحقت أضرار بالغة بالعديد من أحياء العاصمة إضافة الى المناطق القريبة منها . أرى أن هذه الزيارة ترجمة لالتزام فرنسا بمساعدة لبنان . هناك عديد الأطراف التي ترى ان هذه الزيارة مبنية على مصالح فرنسية... وهذه حقيقة لأن عالم السياسة والعلاقات الدولية مبني بالأساس على المصالح الدولية . ولكن الأهم هو كيف سيستفيد لبنان من هذه الزيارة ويستثمرها لصالحه ليخرج من محنته بأسرع وقت.
• ما أهم الملفات والتحديات أمام رئيس الحكومة المكلف مصطفى اديب وهل لديه الإمكانيات لإنقاد البلاد من محنتها؟
تمّ تكليف الدكتور مصطفى أديب وهو أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية كما كان سفيرا للبنان في المانيا وبرهن خلال ذلك على مهنية وكفاءة . واعتقد انه على علم بما ينتظره من تحديات وصعوبات في مهمته الجديدة لذلك تطرق في خطابه الأخير الى المشاكل التي تواجهه خاصة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفيما يخص انهيار العملة الوطنية أمام الدولار، والذي لم يشهد لبنان طيلة تاريخه انهيارا مثله، وحتى في عزّ الحروب الاهلية لم يحصل هذا الامر، اذ يبدو ان هناك تراكما لسياسات خاطئة نهجتها الحكومات المتعاقبة والسابقة وأدت الى هذه الكارثة. ونحن نرى حماسة واندفاعا من قبل الأطراف اللبنانية لتكليف أديب بأسرع وقت باعتبار ان هناك خطرا إقليميا وصراعات دولية تدار في المنطقة وتمسّ لبنان بشكل مباشر .
أما بخصوص السؤال حول إمكانيات الرئيس المكلف الجديد ، اعتقد ان لا أحد يملك وحده الإمكانيات لإنقاذ الوضع اذا لم تلتف حوله القوى السياسية الموجودة في السلطة الآن والتي تضع يدها وتهمين على كتل نيابية معينة وعلى مؤسسات سياسية او مختلف الاختصاصات في الدولة . مساعدة هذه الأطراف له تمكنه الإمكانيات اللازمة صحيح أن لديه نوايا طيبة وعندما يطرح خطة او مشروع إصلاحيا فانه لا يمكن له تنفيذها الا بالتفاف جميع الأطراف حوله لكي لا يحصل معه ما حصل مع حكومة حسان دياب . فقد أقّر دياب برنامجا إصلاحيا ووافق عليه البرلمان ولكنه في مرحلة عند التطبيق وجد عراقيل عديدة من أطراف ليست لديها مصلحة بأي اصلاح ولديها مصالح شخصية خاصة على حساب مصالح الوطن.
• يبدو ان أم المشاكل مسألة انهيار العملة والأزمة الاقتصادية ، فما المطلوب اليوم من أديب لتحسين الوضع ؟
نحن بحاجة أكيدة الى برنامج إصلاحي مالي يتم على أساسه تعزيز ثقة المؤسسات المالية بلبنان مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والدول الكبرى الغنية والدول النفطية لكي تعيد النظر في مقاطعتها للبنان ، وان تعيد دعمها المالي والمادي والتسهيلات التي تقدم للدولة اللبنانية بقروض ميسرة طويلة الأجل بخطة معينة . واذا لم يتم هذا الأمر، فإن لبنان لن يكون وحده قادرا على ارجاع سعر العملة الى سابق عهده. لان 1500 ليرة كانت تساوي دولارا اما الآن فوصل سعر صرفها الى سبعة أضعاف وأكثر. ولا يستطيع لبنان بمفرده ان يواكب هذا الارتفاع الجنوني بإمكانياته الذاتية ونحن بحاجة الى تدخل المؤسسات المالية المختصة .
• الى أين يسير الوضع في لبنان؟
علينا ان ننتظر نتائج زيارة ماكرون خاصة ان فرنسا يبدو انها دخلت على الخط باسم المجتمع الأوروبي او الدولي وبموافقة مبطنة ربما من الولايات المتحدة لإقناع المسؤولين اللبنانيين بتقديم إصلاحات جدية خاصة وان البلاد مقبلة على أخطار كبيرة ، ولمسنا ذلك من خلال تصريح وزير الخارجية الفرنسي الذي حذر فيه من خطورة اختفاء لبنان عن الخارطة. طبعا عندما تكون دول إقليمية كبرى متفائلة إن لبنان بصيغته الحالية وبجغرافيته الحالية قد يتشظى الى كيانات ودويلات صغيرة مثلما حصل في مناطق أخرى لان مخطط تقسيم المنطقة حاضر .
• كيف تنظرون الى موجة التطبيع في المنطقة وهل هناك ضغوطات على لبنان في هذا السياق؟
التطبيع مشكلة المشاكل ، للأسف نحن كأمة عربية وأنظمة عربية كانا خلال العقود الماضية تنادي بحقوق الفلسطينيين وبضرورة عودتهم الى أراضيهم ونرفض ان نمنحهم الجنسيات على أمل ان يعودوا الى بلادهم معززين ويحصلوا على حقوقهم. وقد شددت مؤتمرات القمة العربية منذ تأسيسها وفي زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وصدام حسين والملك فيصل انه لا اعتراف بإسرائيل ولا صلح معها دون دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ولم يتخلوا يوما عن ذلك. ولكن ما حصل مند عام 1979 بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر وتولي السادات الحكم وقيامه بحرب اكتوبر طرح موضوع الصلح وعقد اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة وبذلك تمّ اخراج أكبر قوة عربية من معادلة الصراع مع «إسرائيل». ولاحقا وقعت الأردن اتفاقية وادي عربة . لكن في خضم كل هذه الخيبات ما يدعو للتفاؤل حقيقة هو اعتمادنا على الشعب الفلسطيني والمقاومة ومن ورائهما الشعب العربي ، وان الدولتين اللتين أقامتا علاقات دبلوماسية مع اسرائيل لم تتحول علاقتهما الى علاقات حقيقة بين الشعبين والاحتلال . وهذا يعني ان التطبيع لم يصل الى مستوى التطبيع الشعبي وهذا لن يحصل أبدأ لان إسرائيل تظل في وعي ووجدان كل عربي قوة محتلة لا أكثر ولا أقل .