مجرّد منافقين يتاجرون بأرض ودماء الفلسطينيين الأبرياء، أمر معيب ولا أخلاقي من موقف بعض الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية وسعيها الحثيث للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني وإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الكيان المجرم الذي يحتل أرضاً عربية بقوة الإرهاب الدموي.
عندما أراد الشعب السوري التّحرر من الاستعمار في الماضي لم تقف في طريقه فرنسا بجيشها وكفاءتها في إدارة الحروب، واليوم لم تقف في طريقه كل الدول الغربية الاستعمارية، وإنما خط بنفسه طريق النصر، ولم تنفع مع إرادة السوريين كل الطرق والأساليب في خنق قوة سورية وإنهاء روح المقاومة.
لذلك، فإن من يحسن قراءة التاريخ، يدرك أن اللعبة التي أقبل عليها الرئيس الأمريكي ترامب برسم الخريطة وقال إنها “دولة إسرائيل” لا يمكن أن تتجسد على أرض الواقع، لأن الشعب الفلسطيني بكل مكوناته لا يؤمن بها، وعندما يتبجح رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بان كيانه يقيم علاقات مع جميع الدول العربية، وعندما تعتبر دولة الإمارات إن إقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي تصب في صالح أبو ظبي و تتحول إلى مرتع لكبار زعماء الكيان الإسرائيلي، وعندما يفتح الكيان الإسرائيلي أبواب مستشفياته لـ«المعارضة المسلحة» في سورية للعلاج فتيقن أن ما حصل يندرج ضمن الخيانة العظمى .
وعلى نفس المنوال، يبدو أنّ الأفكار التي تدور في الرأس الأمريكي والعقل الإسرائيلي تتمحور حول الالتفاف على القضية الفلسطينية من خلال تفكيكها إلى أجزاء ومعالجة كل جزء على انفراد حتى تذوب من تلقاء نفسها وتفقد زخمها وبعدها السياسي، وكان إعلان كل من الإمارات وكيان الاحتلال الصهيوني عن اتفاق بينهما يقضي بتطبيع العلاقات الرسمية برعاية أميركية دليل على ذلك، كما أن هناك دولاً أخرى مهتمة جدا بالمضي قدما في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وفي هذا السياق تعتبر هذه الخطوة تصفية للقضية الفلسطينية، لأننا ندرك تماماً بأنها لن تجلب إلا الضعف والخزي للأمة العربية، ولن تصب إلا في مصلحة الغرب والكيان الصهيوني من خلال تسويق مشاريع ستعمل على هدم الدولة الفلسطينية، وإلغاء للقضية الفلسطينية، إضافة إلى الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، مما سيقضي على الوجود العربي الفلسطيني والحقوق المشروعة للفلسطينيين بالتالي بناء علاقات محرمة دون تحقيق سلام عادل وشامل للفلسطينيين.
وبالتالي يبقي باب الصراع مفتوحاً على الأرض بكل الوسائل والأساليب كما يبقي الذاكرة حيّة ويرسّخ في أذهان أبناء الشعب الفلسطيني وعلى مدى أجيال من الزمن المواقف التي تتخذها الإدارات العربية المتعاقبة والمنحازة دائماً إلى إسرائيل وإرهابها.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن آثار وتكاليف التطبيع ستكون أكثر فداحة وخسارة، لأنها تمسّ نسيج الأمة وتاريخها وتطيح بالكثير من عوامل صمودها واستمرارها، في ظل الموجة الراهنة من الحروب (الجديدة) التي تقودها الإمبريالية الأمريكية والحركة الصهيونية،على نحو يُنذر بما هو أخطر من مجرد «تعريب» وباء التطبيع الذي يجب التصدي له قبل أن يتجذر ويقوى عود الخوارج الجُدد.
أما على الجانب الآخر إن كلمة الفصل والقرار اليوم لم يعد لأحد إلا للأبطال في الميدان، فهم باتوا الأمل الوحيد للأمة المكلومة في رسم خارطة طريق جديدة للدولة الفلسطينية، فما نراه من إنجازات يمثل ثمرات لما غرسته أيادي الشهيد أحمد ياسين والشهيد فتحي الشقاقي وإبراهيم المقادمة وعبد العزيز الرنتيسي وغيرهم كثر، ولم يعد تحرير القدس وفلسطين مستحيلاً بعد أن قدمت المقاومة الفلسطينية بسالة منقطعة النظير أمام العدوان والغطرسة الصهيونية في حروبها الأخيرة.
ونقول أنه بعد هرولة العرب إلى التطبيع مع إسرائيل لم يبق أمام الفلسطينيين إلا التخندق وحدهم في خندق الموت و الاستشهاد بشرف مدافعين عن عورات الإدارات العربية ومدافعين عن الحق الفلسطيني غير القابل للتصرف مع مناصري النضال الفلسطيني الشرعي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية، ومهما يكن من أمر فهي فرصة أمام الفلسطينيين لينهوا الانقسام ويتوحدوا لتحرير البلاد من المحتل الغاشم.
وأختم بالقول إن الشعب الفلسطيني لا توحده إلا المقاومة والانتفاضة والإستراتيجية الفلسطينية الموحدة وهي الطريق الى إنهاء الاحتلال لذلك فإن المنطقة اليوم تدخل في مرحلة جديدة سيكون عنوانها التغيير، وسينتج عنها استعادة المحور المقاوم لدوره، وتعزيز ثقافة المقاومة لتحرير الوطن الفلسطيني والأراضي المحتلة.