بعد أن تركت القيادة المصرية مرحلة الصمت، وقررت الدخول بكل ثقلها في الأزمة الليبية للدفاع عن أمنها القومي والتصدي بكل الطرق لصعود النفوذ التركي في المنطقة، وفي سياق التساؤل عن مستقبل ليبيا وسط هذه التطورات، يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي: هل يتورط أردوغان فعلاً في شن هجوم عسكري على ليبيا متجاوزاً الشرعية الدولية؟ خاصة بعد أن تلقى تحذيرات جدية من الرئيس السيسي بعدم ارتكاب أي مغامرة في ليبيا لأنها ستكون حربا قاسية، أم أن هذا التدخل يعتبر من الفخاخ المنصوبة لمصر؟.
في هذا السياق تحمل تصريحات الرئيس السيسي خلال تفقده لعناصر المنطقة الغربية العسكرية رسائل للداخل وللخارج، فهي تطمئن الرأي العام المصري على قواته المسلحة باعتبارها درع الوطن وحاميته، وتبعث برسالة إلى الخارج مفادها أن مصر لن تسمح لأحد أن يعبث بأمنها القومي فيما يتعلق بما يجري في ليبيا.
في نفس السياق يأتي حديث السيسي رداً على زيادة تركيا من تدخلها العسكري في ليبيا في الأشهر الأخيرة، حيث أرسلت سفنا قبالة الساحل، وطائرات لجلب الأسلحة والمرتزقة والطائرات دون طيار إلى البلاد، وهذا التدخل يأتي كجزء من رغبة تركيا في لعب دور أكبر في استكشاف الطاقة في البحر المتوسط وإضعاف قوى المعارضة الليبية المدعومة من مصر ودعم حكومة الوفاق في طرابلس.
ما يجري الآن، هو أن الرئيس السيسي أشار صراحةً إلى خطوط حمراء لا يسمح بتجاوزها في ليبيا، خاصة في ما يتعلق بالسيطرة على مدينة سرت ومطار الجفرة الاستراتيجي حتى لا يتم تقسيم ليبيا إلى نصفين، وفي الجانب الأخر من مصلحة مصر في أن يتعزز الأمن والاستقرار في ليبيا لحماية حدودها حتى لا يتمكن أي من المتطرفين والمسلحين من عبور الحدود الليبية إليها.
لنكن أكثر صراحة ووضوحاً إن الصراع في ليبيا معقد، لكنه في أبسط صوره حرب بالوكالة، وهو صراع له تداعيات كبرى على المنطقة بأسرها، وانطلاقاً من ذلك أتوقع أن التصعيد بين مصر وتركيا قادم وربما ستحاول مصر في البداية ضرب بعض المناطق الهامة والمؤثرة لدى قوات حكومة الوفاق لكن لا أعتقد أنها ستكون حرباً كبيرة لأن الأطراف الدولية ستتدخل بسرعة لمنع تصاعد الأمور خصوصاً أمريكا وروسيا نظراً لمصالح كليهما الاستراتيجية في ليبيا، وتمتد حدود مصر مع ليبيا بطول أكثر من 1200 كم حيث يسهل اختراقها من قبل المليشيات المسلحة والتي بمقدورها القيام بعمليات خاطفة داخل العمق المصري والتي قد تؤدي الى مخاطر كبيرة تهدد مصر فضلاً عن ما تتكبده من تكلفة بسبب تأمين الحدود والتي تشكل ضغطاً على الأمن القومي المصري.لذلك يجب الاحتراس والحذر من جعل ليبيا ساحة مواجهة بين مصر وتركيا ، أو التورط في شن تركيا الحرب على ليبيا التي لا تستطيع تطويق حدودها ومجابهة الدول الإقليمية المرشحة للاشتراك فيها، وهي حرب سوف تكون مكلفة لبلاده عسكرياً وسياسياً وإمكانية تطورها إلى حرب إقليمية بأبعاد عالمية قد تنقلب من حرب محدودة إلى حرب مفتوحة تكون لها آثار مدمرة متى إشتعلت لأن هناك أكثر من جهة تريد أن تثبت وجودها في المنطقة.
يبدو أن تركيا حالياً على أبواب سيناريوهات»مرعبة» لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في ظل العدوان على ليبيا وموقف أمريكي متباطئ فيما يحصل في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة، فإضطراب الأوضاع في تركيا مسألة وقت، والنار تحت الرماد، بالتالي إن الدور السلبي لأردوغان في ليبيا، لم ولن يكون في صالح تركيا، فمن الخطإ تصور أن بإمكان تركيا أن تنعم بالأمن والإستقرار، فيما ألسنة النيران تشتعل في ليبيا.