خاصة بعد أن هدد الرئيس التركي اردوغان بإغلاق قاعدتين رئيسيتين لحلف شمال الأطلسي ناتو.
في الحقيقة، شهدت الفترة الماضية قدراً كبيراً من التوتر والتخبط على فترات زمنية متقاربة، جعلت العلاقة التركية الأمريكية مضطربة، وغير مستقرة، وبلا خريطة واضحة، وخلافات مستمرة بسبب عدة قضايا من بينها السياسية تجاه سورية، وشراء تركيا نظام إس-400 الروسي للدفاع الصاروخي ،إذ تعهد الرئيس الأمريكي ترامب «بتدمير اقتصاد تركيا ومحوه»، وفرض «عقوبات من الجحيم» على البلاد ، وفي الوقت نفسه يحاول الاتحاد الاوروبي توجيه ضربة اقتصادية ضد أنقرة، تشمل وقف اتفاقيات التعاون بين بروكسل وأنقرة، وكذلك وضع حد لأموال عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أن البلاد ربما ستواجه فترة طويلة من الألم الاقتصادي.
في هذا السياق سجلت الليرة التركية، هبوطا إلى أدنى مستوى لها في آخر شهرين، حيث انخفضت الليرة التركية بنسبة 7.0 % أمام الدولار، ليصل سعر الدولار إلى 85.5 ليرة، بذلك سجلت الليرة خسائر بحوالي 10 % هذا العام، ومن جانب أخر قد تنخفض العملة بنسبة 5.1 % مرة أخرى لتصل إلى أدنى قيمة لها، التي سجلتها في أكتوبر الماضي عندما بلغ سعر الدولار آنذاك 938.5 ليرة.
إنّ الفجوة بين الكونغرس والبيت الأبيض بشأن تركيا تتعمق أكثر فأكثر، إذ يبدو أن بعض أعضاء الكونغرس مصممون على معاقبة تركيا على تصرفاتها في سورية، وهذا يعني أن هناك احتمالية عالية لفرض عقوبات تأديبية، وقد صاغ السيناتور ليندسي غراهام وكريس فان هولين بيانا يتضمن عقوبات تتراوح ما بين القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة والمساعدة العسكرية لتركيا، إلى عقوبات محددة تستهدف الأفراد، بما في ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والقطاعات الاقتصادية الأخرى..
من دون أدنى شك، يبدو أن العلاقات لن تتحسن في وقت قريب، فتركيا لن تتوقف عن ممارسة تحركاتها المستفزة لبلد حلف شمال الأطلسي وتعاملاتها العسكرية مع روسيا. والبيت الأبيض لن يتوقف عن مساعدة الأكراد في سورية، الذين تعتبرهم تركيا مرتبطين بالإرهاب، ولن يقدم دعما غير مشروط لتوطيد سلطة اردوغان الرئاسية في البلاد.
إجمالاً...إنها حرب جديدة تشنها أمريكا وهي ترمي في الأساس إلى توجيه ضربات مؤلمة وقاسية لأنقرة، وتهديد اردوغان بإغلاق قاعدتين رئيسيتين لحلف شمال الأطلسي ناتو ، قد يجرفها إلى مستنقع عميق، فاردوغان يدفع بتركيا إلى حرب عواقبها قد تكون وخيمة، وقد تكون سبباً في إسقاطه مستقبلاً، وعاملاً أساسياً بتراجع وانهيار نمو الدولة الاقتصادي، في إطار
ذلك تركيا تلعب بالنار، ولكنها نار مختلفة هذه المرة وتزداد قوة وقد تحرق أصابع أخرى، والمأمول آن تدرك أنقرة حجم المغامرة التي يدفعها اردوغان، وتبادر إلى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان في المستنقع السوري، والجنوح إلى لغة العقل والمنطق والسلام التي تدعو إليها الحكومة السورية بإستمرار .
وباختصار شديد يمكنني القول أنّ أمريكا بكونها اللاعب الدولي الرئيسي في المنطقة لا يمكن لاردوغان أن يستخف بالتهديدات الاقتصادية من الرئيس الأمريكي، فحزبه عانى من خسارة كبيرة في انتخابات البلدية في إسطنبول، وربما أدى الاستياء من الوضع الاقتصادي دورا مهما في فوز المرشح المعارض أكرم إمام أوغلو، وفي المرة القادمة التي تحتاج فيها واشنطن شيئا فإنه من المتوقع أن يدفع أردوغان وحلفاؤه ثمنا باهضاً، لذلك فإن الاقتصاد سيكون العامل الحاسم لرسم توجهات تركيا المستقبلية.