تلك كانت ابرز محاور الندوة الفكرية التي عقدت تحت عنوان «آليات العمل التضامني النضالي مع الشعب الفلسطيني في ظل صفقة القرن ــ الاشكال والمهام» وذلك في مركز مسارات للدراسات الفلسفية والانسانيات ، بإدارة د. عابد الزريعي المنسق العام للمؤتمر الدولي للنضال التضامني التشاركي مع الشعب الفلسطيني.
وقدم الباحث عبد الله سيلا من الكوت ديفوار قراءته لإفريقيا وواقع القضية الفلسطينية: جنوب الصحراء أنموذجا. مبينا خلالها تاريخية علاقة فلسطين بإفريقيا جنوب الصحراء وكذلك العلاقة الإفريقية الفلسطينية في ظل المتغيّرات الدولية الرّاهنة. وتمّ التركيز في المحور الأوّل على مسارات علاقة دول إفريقيا جنوب الصحراء بالقضية الفلسطينية التي تميّزت في عمومها بالتعاون المشترك من خلال منظمات إقليمية ودولية على غرار منظمة الاتّحاد الإفريقي ومؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، ومن خلال تجسير العلاقة التاريخيّة الحضارية والدّينية والثقافية بين القارة السمراء و العالم العربي والإسلامي الذي تشهد القضية الفلسطينية فيه حضورا سياسيّا وإعلاميّا مكثفا منذ تأسيس دولة الكيان سنة 1948.
أما بخصوص علاقة منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بواقع القضية الفلسطينية فتتمثّل في رفع وتيرة التوغل الإسرائيلي في إفريقيا والتطبيع في العالم العربي والإسلامي. وهي عوامل قد يكون لها أثر بالغ على واقع القضية الفلسطينية في إفريقيا جنوب الصحراء، خاصّة وأنّ «إسرائيل» إلى جانب الدّفاع عن مصالحها الأمنية والاقتصادية في القارة السمراء، تحاول استمالة البعض منها قصد إضفاء الشرعية على وجودها في المحافل الدّولية والخروج من عزلتها الدبلوماسية.
الحماية القانونية للاجئين الفلسطينيين
ان الحماية القانونية للاجئين الفلسطينيين شكل من أشكال مواجهة صفقة القرن حسب ما أفادت به الباحثة و الحقوقية سناء ثابت عضو الهيئة الإداريّة لاتّحاد الحقوقيين الفلسطينيين- فرع تونس مشيرة في مداخلتها الى أن قضية اللاجئين الفلسطينيين من أهم القضايا والأكثر حساسية والأكثر خطورة على المشاريع الاستعمارية وخاصة المشروع الصهيو أمريكي ، مضيفة بالقول :«لذلك لم تتوقف محاولات طمس وإعدام هذه القضية، حيث يحاول المشروع الصهيو أمريكي دائما وفي كل مرة خلق مشاكل وقضايا ليجعل من قضية اللاجئين الفلسطينيين قضية غير محورية سواء على المستوي العربي بخلق أزمات في الدول العربية أو على المستوي الفلسطيني بأن أصبح الحال الآن على المستوى الفلسطيني الانشغال والاهتمام بقضايا أخرى فرضتها حقيقة واقع الحال كالاهتمام بتقرير المصير والكفاح المسلح والحكم الذاتي وإزالة المستوطنات، والحقيقة أن هذا الأمر ليس بجديد، لأن أولى مراحل طمس قضية اللاجئين الفلسطينيين بدأت ملامحها منذ عام 1948م، عندما تم إنشاء منظمة( الأنروا) بموجب القرار 302 لرعاية اللاجئين الفلسطينيين وحصرت نطاق عملها في تواجد الفلسطينيين في فلسطين والأردن وسوريا ولبنان كما حصرت نطاق خدماتها على نطاق الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية، دون أن يكون هناك مجال لتوفير أي حقوق قانونية ، وحرمان اللاجئين الفلسطينيين من التمتع بالحماية بموجب اتفاقية جنيف عام 1951م، والتي انبثقت عنها المفوضية السامية لحقوق اللاجئين، حيث استثنت في المادة الأولى منها في الفقرة الرابعة « اللاجئين الذين يتلقون خدمات من الانروا»، ولقد تم تفسير هذا النص على نحو يعني حرمان اللاجئين الفلسطينيين من التمتع بمميزات هذه الاتفاقية على الرغم أن هناك البعض ممن يستفيدون من خدمات المفوضية السامية لحقوق اللاجئين، وفى عام 1998م، أصدرت الأمم المتحدة المبادئ التوجيهية للمشردين داخلياً وهي نصوص توضح حقوق هؤلاء النازحين ومسوؤليات الدول تجاههم وتنص على ضرورة إنهاء حالة النزوح وإيجاد الحل، وهى أكثر النصوص قوة وحماية وقد تم أيضا حرمان اللاجئين الفلسطينيين منها.»
وتؤكد الباحثة الى انه ليس غريبا أن يكون أهم أهداف صفقة القرن المساس بقضية اللاجئين الفلسطينيين في محاولات جديدة لقتل هذه القضية من خلال استهداف وتصفية المؤسسة التي ترعى اللاجئين الفلسطينيين في فلسطين « الأنروا»، وبأن يصرح مستشار الرئيس الأمريكي ترامب بشكل صريح في 11 يناير 2018 بالقول : من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل عمل الأنروا، لا يمكن أن يكون هدفنا الحفاظ على استقرار الأمور كما هى أحياناً حيث يكون عليك المخاطرة باستراتيجية لكسر الأشياء للوصول إلى هناك»، وهو ما حدث فعلياً بوقف الدعم الأمريكي للأنروا.
لذلك، إن قضية اللاجئين الفلسطينيين تحتاج – حسب قولها - إلى أن يتم الاهتمام بها وإعادتها بقوة إلى رأس قائمة القضايا، فلاشك أن النصوص القانونية الدولية موجودة وصريحة وتؤكد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض بموجب قرار 194 لعام 1948، كما أن التنظيم القانوني الدولي الخاص باللاجئين يتضمن الكثير من النصوص الكفيلة بحماية اللاجئين الفلسطينيين، ولكن تبقي مشكلتنا هي غياب القوة والإرادة في تحقيق الاستفادة من هذه النصوص القانونية الدولية، والحقيقة للأسف أنه لا توجد إرادة سواء دولية أو عربية لتمكين اللاجئين الفلسطينيين من الاستفادة منها، وواجبنا كقانونيين في ميدان مقاومتنا القانونية بأن نكثف جهودنا في مخاطبة المجتمع الدولي -الذي أقر هذه الاتفاقيات الدولية- مخاطبة قانونية واضحة مثلما يستوعبها هو، لإمكان سحب كافة النصوص القانونية التي تحمي اللاجئين وتطبقيها على اللاجئ الفلسطيني، كما نحتاج إلى تكثيف الجهود لتطبيق وتحقيق القرار الأممى الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم.
نحو تربية نضالية تضامنيّة
وشدد رئيس وحدة الدّراسات التربوية بمركز مسارات للدّراسات الفلسفية والإنسانيات ممدوح عزّ الدّين على أهمية تطوير التربية النضالية التضامنية وقدم في ورقته ثلاثة محاور أساسية وهي القضية الفلسطينية والتربية والتضامن في علاقتها بالمنظومة التربويّة التونسية منذ 1956، قصد فهم مدى حضور القضية الفلسطينية في البرامج التربوية الرسمية التونسية من جهة وقدرتها على بناء ناشئة قادرة على التضامن النضالي مع القضايا الوطنية والعربية العادلة وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية.
انطلاقا من هذه الإشكالية تناولت المداخلة الإستراتيجيات المعلنة من الخطاب التربوي التونسي الرسمي منذ الاستقلال سنة 1956 والقائمة على التأكيد على بناء الشخصية التونسية المستقلّة والحداثية المتصالحة مع نفسها والمتجذّرة في هويتها العربية والإسلامية والمناصرة لقضاياها العادلة وفي مقدّمتها القضية الفلسطينيّة.
هذا الخطاب المعلن الذي دأب عليه الخطاب التربوي التونسي الرسمي منذ الاستقلال مرورا بنظام بن علي إلى اليوم لم يكن إلا دعاية سياسية لأنّه لم ينعكس فعليّا على مضامين البرامج التربوية سواء على المستوى التعليم الأساسي أو الثانوي بدليل أنّ القضية الفلسطينية شبه غائبة في مواد كان يرجى أن تحتوي عليها على غرار مادّة التاريخ والجغرافيا والتفكير الإسلامـي والتربية المدنيّة، وما وجد من نصوص مبعثرة من هنا وهناك في مادّة اللّغة العربيةّ تبقى منفصلة عن سياقها التاريخي والمعرفي المتمثّل في الاحتلال، وأدب المقاومة الفلسطينية والعربية الحديثة والمعاصرة. أو أنّها لا تقدّم إلا صورة مبتورة ومشوّهة عن القضية الفلسطينية تشرّع للتطبيع وتقنّن للتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني التاريخيّة.
ويعتبر عز الدين أنّ المنظومة التربوية التونسية الحالية في حاجة إلى إصلاح جذري شامل حتى تستجيب للرّهانات الوطنية غير المنفصلة عن المتغيّرات الإقليمية والدّوليّة على الساحتين العربية والدّوليّة من خلال التكثيف من حضور قضايا الأمّة العادلة في برامج المدرسة التونسية وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، من أجل منظومة تربويّة مقاومة لكلّ أشكال الظلم والاستغلال ومتضامنة مع قضيتها الأولى القضية الفلسطينية.