انتصار الاشتراكيين في الانتخابات التشريعية الإسبانية: هزيمة تاريخيّة للحزب الشعبي وصعود أقصى اليمين إلى البرلمان

حقق بدرو سانشيز زعيم الحزب الإشتراكي الإسباني انتصارا عريضا على منافسيه من اليمين في الإنتخابات التشريعية

التي تم تنظيمها يوم الأحد 28 أفريل دون أن يضمن أغلبية مطلقة في البرلمان. بحصوله على 123 مقعدا (28،7 %) لا بد له أن يتحالف مع أحزاب أخرى للوصول إلى 176 مقعدا من جملة 350 تمكنه من تشكيل حكومة ائتلافية. الحدث الثاني المهم في هذه الانتخابات هو دخول اليمين الراديكالي الممثل بحزب «فوكس» لأول مرة للبرلمان بنجاحه في ضمان 24 مقعدا (10 %) و ذلك أربعين عاما بعد انتهاء دكتاتورية الجنرال فرانكو.

و أعلن الوزير الأول الأسباني بدرو سانشيز إثر انتصاره أن «المستقبل قد انتصر و هزم الماضي» مضيفا أن «الديمقراطية الاجتماعية لها مستقبل كبير أمامها بفضل حاضرها المتميز الذي ينعكس في اسبانيا اليوم. سوف نعمل على تشكيل حكومة مساندة لأوروبا هدفها دعم المشروع الأوروبي لا إضعافه» و كأنه يرد على الحملة اليمينية التي اتسمت براديكالية غير معهودة من قبل أحزاب اليمين التقليدية التي ركزت ، خلال الحملة الانتخابية، على مواضيع راديكالية عادة ما تنتمي لقاموس اليمين الراديكالي المتطرف.

في الشق المقابل مني الحزب الشعبي (اليميني) بقيادة الزعيم الشاب بابلو كازادو بهزيمة تاريخية بعد حصوله على 66 مقعدا (17 %) أي نصف العدد الذي حققه سابقه ماريانو راخوي عام 2016. أما شريكه حزب المواطنين فحقق تقدما نسبيا بضمانه ل 57 مقعدا (16 %) دون الحصول على الأسبقية في شق اليمين التي كان يحلم بها زعيمه ألبار ريفيرا و قد راهن، بتحالفه مع الحزب الشعبي و حزب «فوكس» المتطرف، على انتصار اليمين ورفض التحالف مع الحزب الإشتراكي.

سيناريوهات مفتوحة
أمام الوزير الأول بدرو سانشيز سيناريوهات متعددة لتشكيل الحكومة الجديدة. أولها التحالف مع حزب «بوديموس» اليساري الذي له 42 نائبا (14 %) في إطار تشكيل حكومة يسارية. لكن ينقصه في هذا التوجه 11 مقعدا لا بد أن يجدها في الأحزاب الصغيرة لكنها لا تتعدى 10 مقاعد. بامكان سانشيز أن يرتكز على 175 نائبا و يأمل في احتفاظ نائب واحد بصوت ليتم تعيين رئيسا جديدا للحكومة.

السيناريو الثاني يشمل مشاركة الإنفصاليين في مقاطعة كاتالونيا. لكن هذا السيناريو له تبعات وخيمة بينت الأزمة الحكومية الأخيرة مدى محدوديتها بعد أن رفض الكاتالونيون التصويت على ميزانية الحكومة مما أدى إلى الانتخابات الحالية. وحسب بعض تصريحات قادة الاشتراكيين لا يرغب الحزب الحاكم في تكرار نفس الأزمة بل يبحث في إمكانية تشكيل حكومة مستقرة خاصة أن أزمة كاتالونيا لا تزال قائمة وأنه في صالح بدرو سانشيز ألا يتحالف حكوميا مع الانفصاليين لضمان قدرته على الضغط عليهم للوصول إلى حل نهائي يضمن وحدة اسبانيا.

السيناريو الثالث، والذي دعت له جريدة «إلموندو»، هو تحالف الإشتراكيين مع حزب المواطنين الوسطي والذي يضمن أغلبية مريحة. لكن تحالفات هذا الأخير مع حزب «فوكس» المتطرف في الأندلس ضد الحزب الإشتراكي وافتكاك السلطة الإقليمية منه زيادة لتصريحات زعيمه ألبار ريفيرا خلال الحملة الانتخابية بعزمه على «عزل الإشتراكيين» و عدم التحالف معهم لا تعطي هذا السيناريو إمكانية واضحة للتحقيق. لكن السياسة هي، في كل الأحوال، من سبيل تحقيق ما هو ممكن. يصعب أمام تحالف حزب المواطنين مع حزب «فوكس» المتطرف تصور إعادة خلط للأوراق بعد هزيمة إستراتيجية تحالف اليمين في هذه الانتخابات.

برنامج طموح
اليوم وقد حقق بدرو سانشيز (47 عاما) انتصارا هاما للحزب الإشتراكي بعد 11 سنة عجاف، تبقى أمامه مساحة واسعة للمناورة تمكنه من فرض آرائه خاصة أن بابلو إغليزياس، زعيم «بوديموس» صرح أن حزبه «قوة سياسية أساسية لتشكيل حكومة» وأنه مستعد للدخول في مفاوضات مع الوزير الأول في هذا الشأن وهو تغيير ملحوظ في استراتيجية اليسار الراديكالي الذي عادة ما لا يرغب في المشاركة في الحكومة بل يقتصر على دور معارض مطلبي. و ذلك يفتح بابا أولا أمام بدرو سانشيز.

تبقى الخلافات القائمة مع تنظيمات اليسار الراديكالي قائمة فيما يتعلق بالبرنامج الحكومي. الإشتراكيون كرروا مرارا خلال الحملة الانتخابية عزمهم التوصل إلى حل سياسي للأزمة في كاتالونيا و على إعطاء الأولوية لمساندة المشروع الأوروبي في إطار الاتفاق مع المشروع الذي تقدم به الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون. أما على المستوى الداخلي فهم يركزون على مقاومة بطالة الشباب و الفروق الاجتماعية المجحفة و الاحتباس الحراري. و يرغبون كذلك في إعادة صياغة نظام التقاعد وهي في مجملها مجالات لا تحظى باتفاق تقييمات كل أحزاب اليسار. الأيام القادمة سوف تكون حاسمة. إذا ما أراد الوزير الأول تشكيل حكومة لها اتجاه يساري سوف لا تكون عملية سهلة تضمن له استقرارا حكوميا يمكن من العمل على تحقيق الإصلاحات المبرمجة. لكن التحالف مع حزب المواطنين يمكن أن يضمن الاستقرار و الإشعاع على المستوى الأوروبي. لكن ذلك السيناريو يجد معارضة في الحزب الاشتراكي وفي حزب المواطنين معا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115