منبر: أمريكا ـ إيران: إشارات غير مطمئنة

كما توقعنا مند سنوات، هزيمة قاسية لأمريكا وأدواتها من المتطرفين في المنطقة، فالخطط والإستراتيجيات التي وضعت وعُمل عليها

منذ بداية أحداث الربيع العربي تعرضت للتعثر والفشل، والأزمة التي أريد لها أن تُسقط سورية وتقضي على دول محور المقاومة، تراجعت حدّتها لمصلحة المحور نفسه، وأصبحت أمريكا تشعر أنها على وشك خسارة الحرب في سورية، بسبب انهيار داعش وأخواتها، ولهذا فهي في حالة البحث عن أوراق ووسائل جديدة لحفظ نفوذها من خلال افتعال وخلق ذرائع جديدة لاستمرار الأزمات لتدمير دول الشرق الأوسط لصالح طفلتها المدللة «إسرائيل».

ليس هنالك من شّك أنّ الخطوّة التي أقدمت عليها الإدارة الأمريكية بإدراجها الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، هي استجابة لطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وهذا ما صرّح به نتنياهو نفسه في تغريدة له على حسابه في شبكات التواصل الاجتماعي بعد القرار الأمريكي مباشرة ، وهذه الخطوة هي استكمال لخطوات سابقة أقدمت عليها إدارة ترامب ، فقد سبق لهذه الإدارة أن أدرجت حزب الله وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية والعراقية كمنظمات إرهابية، وقامت بنقل سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس، واعتراف أمريكا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلّة ليس إلّا دليلاً واضحاً على تفسير السياسة الأمريكية التدميرية المعدة مسبقاً لتقسيم سورية وحل القضية الفلسطينية وفق الرؤية الإسرائيلية.

فالمتتبع لمواقف أمريكا يستطيع أن يرى نواياها المشينة وقراراتها المتحيزة لبعض القضايا، فإسرائيل تقتل وتدمر كيف تشاء ومتى شاءت، في الوقت التي تتحدث فيه واشنطن عن ضرورات ضمان أمن اسرائيل، فمفهوم الإرهاب بالنسبة لها هو كل من يهددّ الأمن الإسرائيلي فهو إرهابي، كما حصل الآن في إدراج الحرس الثوري الإيراني، والحقيقة أنّ هذه الخطوة الأمريكية لم تضف لعداء أمريكا لإيران شيئا جديدا فالعداء الأمريكي لطهران و فرض الحصار الاقتصادي عليها قد بدأ منذ اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وقرار أمريكا بمحاصرة الحرس الثوري الإيراني لن يغيّر من الأمر شيئا، لأنّ إيران تعي خطورة ما تقوم به أمريكا وحلفاؤها من أهداف سعياً لتعزيز أمن إسرائيل والسيطرة على مقدرات البلاد.

إن الخطوة الإيرانية في دعم سورية ضد الإرهاب، هي دليل على تعزيز مسار التعاون المستمر بين كل من ايران وسورية، ومع التطورات الأخيرة بين الطرفين الإيراني والأمريكي، قد يبدو إن صراعاً حاداً بينهما يمكن أن يحدث في أي وقت ويفجر المزيد من المشاكل الجديدة في المنطقة، خاصة بعد أن رأى بعض الساسة والإستراتيجيين الأميركيين بأن إيران دولة عدائية وتشكل خطراً وجودياً لإسرائيل وإستمراريتها في المنطقة، لذلك كل ما يجري حالياً بين الطرفين هو حرب باردة، فأمريكا خرجت من الشرق الأوسط بعد فشلها في العراق واليمن مؤخراً، ثم خسرت رهاناتها في سورية، في حين أن إيران خرجت من نتائج الأزمة السورية قوية ومتماسكة إلى جانب أنها لم تدخل رهانات خاسرة، لذلك تواجه أمريكا اليوم مشاكل كبيرة، فمن المعارضة الداخلية لسياستها، إلى خروج ملف الإرهاب عن سيطرتها، وإنطلاقاً من ذلك فإن التطورات والمشهد المعروض يشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد تبدلاً كبيراً على الساحة الإقليمية.

ومن خلال مراقبة التطورات، يمكنني القول إن واشنطن وإن كانت تتحدث بنبرة التحدي والقوة، فإنها في الحقيقة نبرة ضعف ووهن، فظهور قوى جديدة على الساحة الدولية مثل موسكو والصين وإيران أخرجت واشنطن من سياسة القطب الواحد، لذلك فإن إيران تعمل على أساس ثوابت ليست قابلة للمساومة، ويمكن تلخيصها بأن الحرس الثوري الإيراني هو من محور المقاومة ضدّ المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.

مجملاً....بالرغم من كل محاولات أمريكا وحلفاؤها الحد من النفوذ السوري - الإيراني المتنامي في المنطقة، سواء باستخدام أمريكا الأوراق التي بحوزتها ومنها الورقة الإرهابية، أو العقوبات السياسية والاقتصادية، إلا أن النفوذ السوري- الإيراني يتقدم بإضطراد، تجلى ذلك بصمود الدولة السورية بوجه محاولات الإسقاط وبتحقيق إنجازات سياسية وميدانية وبقطع اليد الغربية في الإقليم.

وهنا أرى بأننا في سورية لا يمكن أبدا أن نقاطع ايران التي وقفت معنا في حربنا ضدّ الإرهاب لان لدينا قناعة راسخة وهي أنّ أمريكا وصنيعتها إسرائيل هما منبع الإرهاب والشر في المنطقة، وكما صمدت إيران وشعبها بوجه حصار أمريكا الجائر ، سيصمد حرسها الثوري ويبقى شوكة في عين أمريكا وذيلها إسرائيل الإرهابية وبذلك أدرك السوريون أهمية و حساسية الدور الفعلي لإيران و تأثيرها على السياسة الدولية و قضايا المنطقة، فالحقيقة التي يجب أن ندركها إننا الآن أمام تحدي كبير وإن سورية وإيران بتحالفهما على قلب رجل واحد سوف يهزمان الإرهاب ويدحران الفكر المتطرف، وينقذان المجتمعات من براثينه وظلاميته.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115